( تنهد الطبيب بينما التفت إلى زوجتي مطأطأ الرأس )
: لا فائدة ، من الأفضل أن ننهي هذه المهزلة ، نحن نهدر الوقت و المال ليس إلا
: إذن فلننتهي من هذا الأمر فورا
( نزعوا عني وصلات أجهزة النبض و الضغط و التنفس الصناعي ، خرجوا يعلنون الخبر ، صرخات و عويل شق سكون الليل ، لكن لماذا كل هذه الضجة ؟ فأنا مازلت حيا ، نعم نزعوا عني جميع الأجهزة لكنني ما زلت حيا ، فها هو صوت صراخهم في أذني ، هل تريدون التخلص مني؟ لا ، لا و ألف لا ، لن أستسلم ، حاولت النهوض
أجابني الفشل ، ما هذا ؟ ما الذي حدث ؟ صرخت بأعلى صوتي أنادي )
: أبــــــــــي ، أمــــــــــــــــــــــي ، عمــــــــــــــــــــــر
هيـــــــــــــــه ، ألا يسمعني أحد ؟
( أجابني العدم ، كأن صوتي لم يصل إليهم ، أحسست و كأن حاجزا زجاجيا يحول بيني و بينهم ، بعد لحظات من المحاولات الفاشلة
وجدتني ممددا فوق طاولة ، جردوني من ملابسي ، سكبوا فوقي الماء
صرخت)
: ماذا تفعلون بي أيها السفلة ؟ هل هذا غسلي ؟ ابتعدوا عني ، فأنا ما زلت حيا ، ابتعدواااااااا
( ضاعت صرخاتي أدراج الرياح)
: لكنني أسمع أصواتكم و أراكم
( نعم فها هي أصواتكم تتردد بأذني ، ها هو أبي ، نعم أراه مقبلا علي
ها هو صوته يحدثني )
: هيه ، لا حول و لا قوة إلا بالله ، هل أخذت معك شيئا ؟ هيه ، لا تجوز عليك الآن يا بني إلا الرحمة ، الله يرحمك يا بني و حسبي الله و نعم الوكيل، حسبي الله و نعم الوكيل
: أبـــــــــــــــــي ، قل لهم أنني مازلت حيا ، ألا تسمعني أنت أيضا ؟ ها هي أمي ، نعم هي التي ستحس بي و تسمعني
نعم هاهو صوتها يتردد في أذني ، نعم أسمعك يا أمي
: ماذا أخذت معك ؟ ها هي زوجتك التي لطالما سببتني و ضربتني لأجلها
ها هي زوجتك التي أوصيت لها بكل أموالك ـ أقصد أموالنا ـ ستكتوي أنت بنارها بينما ستنعم هي و زوجها المنتظر بهذه الأموال ، انظر في عينيها
انظر لهذا الشغف لانقضاء عدتها بفارغ الصبر ، حسبي الله و نعم الوكيل ، حسبي الله و نعم الوكيل
( صرخت بأعلى صوتي )
: أمــــــــــــــــــــي ، أنا لم أمت يا أمي ، أرجوك قولي لهم أنني مازلت حيا ، أبي ، قل لهم أنني مازلت حيا ، صدقني لأردن لكم أموالكم ، صدقاني لأن رجعت فلن أغضبكما أبدا ، لأضعن رأسي تحت قدميكما ، أرجوك يا أمي أنت أملي الوحيد ، قولي لهم أنني مازلت حيـــــــــــا
( صراخ أولادي اختلط ببكائهم )
: ها هو ابني عمر ، عمر أنت الآن أملي الوحيد ، اسمعني يا بني
أعلم ما ستقول و لكن ، ما زال في العمر بقية لكي أصلح ما خربت
هيـــــــــــه ، ألا تسمعني ‘ عمـــــــــــــــــــــــــــــــــــر
: سامحك الله يا أبي ، جعلتنا نمد أيدينا نسأل الناس إحسانا في حياتك
و ها أنت تتركنا صفر اليدين بعد مماتك ، ألم تسمع بقول رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) { كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول } ؟
حسبنا الله و نعم الوكيل ، حسبنا الله و نعم الوكيل
: لا يا بني ، لاااااااااااااااا ، عمر ، أنا مازلت حيـــــــا صدقني ، نعم لقد أضعتكم من أجل شهواتي و نزواتي الصبيانية ،
و لكن صدقوني ، لأن عدت لأغيرن هذا كله ، أرجوكم أوقفوا هذه المهزلـــــــــــــة ، أرجوكــــــــــــــــــــــــــــــم
( بكيت حتى فاضت الدموع المحتبسة بعيني ، عندها صرخ ابني )
: ما هذا ؟ هذه دموع أبي إنه ما زال حيا
( دخل الطبيب نحوي مسرعا ، اغتصب عيني بضوء مصباحه الصغير ،
وضع سماعته على صدري ، صرخ مستنكرا )
: لا حول و لا قوة إلا بالله ، أية دموع ؟ إنها بقايا مياه الغسل أيها التعساء ، أرجوكم أخرجوا الأطفال من هنا هيا
( عندها صرخت )
: لا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ، أرجوكــــــــــــــــــــــــــــــم
( و جدتهم يكفنوني بالأقمشة البيضاء صرخت )
: لاااااااااااااااااا ، انزعوا عني هذا الكفن ، أنا ما زلت حيا أيها الملاعين
( أتاني صوت جاري الذي تحرش بسمعي من خلف أقمشة الكفن )
: منك لله ، روح الله لا يسامحك يا شيخ ، كنت تراني و أولادي نتلوى من الجوع و أنت تعلم ، بينما تبيت متجشئا شمتانا
( صرخت بأعلى صوتي )
: بالله عليكـــم ، بالله عليكم أرجعوني فأنا ما زلت حيا ، لا لا ا ا ا ،
لا تضعوني بهذا النعش أرجوكم فأنا لم أمت بعد
( حاولت التشبث بجدار النعش ، أجابني العدم )
: أليس فيكم عاقل يتأكد من كوني ميتا أم لا
( أخرجوني ليدخلوني قبري ، حاولت الصراخ لعل منهم من يسمعني )
:أرجوكم لا تدخلوني القبر بالله عليكم ، لا صبر لي على هذه الظلمة، لا صبر لي على ما سألاقيه أرجوكم ،
لم أفعل حسنة واحدة تشفع لي ، و لا حسنة واحدة
بالله عليكم عودوا بي ثانية
( حاولت التشبث بجدار القبر الخارجي ، شلل تجمدت له أطرافي
حاولت الصراخ )
: آ آ آ آ آ آ آ هه ه ه ه ه ه ه ه ، أمــــــــــــــــــــــي ،أبــــــــــــــــــــــــــي ، أكاد أختنــــــــــــــــــــــــــــــق ،
بالله عليكم كيف ستتركونني هنا وحدي ؟ ؟ ؟ ؟
لا ا ا ا ا ا ا ا ا ا
(حاولت الفرار ، أصابني الشلل )
: أخرجوني من هنـــــا ، أرجعوني لعلي أعمل صالحا ، لعلي أنقذ نفسي من العذاب ، أخرجونـــي،أخرجونــــي ، أخرجونــــي ،أخرجونـــــي ، أخرجونــــــــي ، أخرجونـــــــــــــــي ،
( أتاني صوت أبي من خلف جدران القبر )
: صدقني لم أحزن لموتك يا بني فلقد بكيت على موتك بقلبي منذ زمن