نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

سوق النحاس في الشام القديمة
المصدر رهف المهنا
16 / 02 / 2007
عندما تمرُّ من أمامهِ يمكن أن يزعجكَ الصوتُ قليلاً، ولكن هناك في داخل هذا السوق ذكريات من مروا ، وعاشوا، وصنعوا منه شيئاً وصنعوا من أنفسهم معلمين لهذه الحرفة، علموها لأبنائهم وعلمها الآباء لإبنائهم لكي يستمر التاريخ بتخليد أسمائهم على قطع النحاس. سوق النحاس أحد أسواق الشام القديمة، عمره من عمر كل من عاش في دمشق وأضاف إلى هذه الحرفة الكثير.....

"بلدنا" زارت السوق وكان لها التحقيق التالي :

- إبراهيم أبو تاج الملقب أبو وائل يقول : ترعرعت على تعلم هذه المهنة وفتحت عينيَّ على هذا السوق منذ أيام والدي وجدي، كنا نأتي أنا وأخوتي عندما كنا صغاراً ونشاهد والدي وهو يعمل ونشعر بالصعوبة التي كان يكابدها وهو يقوم بالنقش على النحاس ولكن مع التمرين والتصميم والتكرار أتقنا هذه الحرفة، تركتُ المدرسة في الصف السادس الإبتدائي والتفتُّ إلى العمل مع والدي.

وأضاف : لم تكن الحرفة في أيام جدي ووالدي كما هي الآن، فعلى أيام جدي كان النقش أصعب من الآن بكثير، ولكن بع ذلك قام أبي بتطوير المهنة ، من ثم قمت بتطويرها ، وفي المستقبل سيأتي أولادي من بعدي ليقوموا بما يتناسب مع عصرهم.

كما أوضح أبو تاج قائلاً : أنا وإخوتي أدخلنا على الحرفة الهلالات والأواني الجميلة ، بالإضافة إلى تطعيم النحاس بالفضة ، وبهذا الأمر يمكنني أن أقول بأننا قلدنا فيه اليهود، فهم أصحاب هذا الحرفة ثم أتى بعدهم المسيحية، وتعلموا منهم ونحن تعلمنا من اليهود والمسيحيين.

وعن سوق النحاس يقول : : عمر هذا السوق تقريباً 150 عاماً، في البداية كان هذا السوق عبارة عن خان أيام الأتراك، في الطابق الثاني كان هناك فندق يأتي المسافرون بعد رحلة شاقة للاستراحة في هذا الخان ، كانوا يضعون دابتهم في الأسفل وينامون في الأعلى، ثم بعد ذلك تحوَّل إلى سوق للنحاس عندما خرج الأتراك من البلاد.

هذه الحرفة مرغوبة كثيراً عند السائح وخاصة من لبنان وإيران والسعودية ولها مواسم خاصة في الصيف .

وعن المواد الأولية التي تتألف منها هذه الحرفة يشيد أبو وائل :

المواد التي نصنع منها هذه القطع الجميلة بسيطة، قلم للنقش ويوجد منه قياسات، مطرقة صغيرة، ورسومات ننزلها على الكمبيوتر لنقوم بنقشها، ويمكن إذا أحبَّ أي شخص أن يطلب منا الرسم الذي يريد ونقوم نحن بتلبية هذا الطلب.

كما تتطلب هذه المهنة بالدرجة الأولى الصبر والبال الطويل ، وإذا لم تكن لدى الإنسان هذه الصفة لن يفلح بنقش أي قطعة.

وعن أسعار القطع يقول : القطع غالية الثمن لأنه في الأصل سعر النحاس باهظ ، ونحن نأتي به ونقوم بالنقش عليه فتصبح أغلى لأن العمل عليها يأخذ منا جهداً ووقتاً كثيراً.

وللنحاس نوعان : الأحمر والأصفر وهو أقسى من الأول والعمل عليه أسهل ، إضافة إلى أنه مرغوب أكثر.

وعن الوقت الذي يستغرقه لإنجاز القطعة يقول :

القطعة تأخذ عملاً حوالي الأسبوع، وهناك قطع تأخذ وقتاً أطول ولكن الآن العمل تطورالآن وأصبحنا نأتي بالرسمة ونطبعها على النحاس، ولا تكلفنا عمل أكثر من خمس دقائق، ولكن طبعاً لا تكون بجمال العمل اليدوي.



- أما أحمد فتيمة يقول عن عمله في هذا السوق :

أعمل هنا منذ 42 سنة منذ أيام جدي ووالدي وتعلمتها عنهما، كنت أنقش على النحاس منذ كان عمري 12 سنة ثم أحببت هذه المهنة وقرَّرت ترك المدرسة وإتقانها.

لدي الآن مشغل مختص بالنقش على النحاس إضافة لهذا المحل الذي أبيع فيه القطع .

بداية كنت أقوم بالنقش ، أما الآن فقد تفرَّغت للإشراف على العمل بسبب تقدمي بالسن.

هناك أشخاص مختصون بالنقش ، وآخرون مختصين بالنقش والرسم ، وليس بالضرورة أن يكون الرسام نقاشاً ، ولكن الرسام يحتاج إلى ذوق وحسٍّ كبيرين.

والقطعة تمر على عدة أشخاص، يمكن أن يكونوا واحداً أو اثنين أو ثلاثة حسب كمية العمل الذي تحتاجه وأهمية القطعة.

وعن رواج هذه الحرفة حتى اليوم يقول أحمد:

على الرغم من وجود العمل الصناعي، ولكن ما يزال النقش على النحاس له راغبيه ومن يفضلونه على أي شيء آخر، لأنه يتميَّز عن الجميع بالخصوصية والجمال.

السياح يأتون إلينا من الخليج وأوروبا وقبرص واليونان ويحبوا أن يقتنوا مثل هذه القطع الثمينة لأنها غير موجودة لديهم.

لدي ثماني أولاد، وقد حاولت أن أرى غذا كانوا يرغبون بإكمال تعليمهم في المدرسة ولكنهم لم يفلحوا لذلك بدؤوا يتعلمون الحرفة ومنهم الآن من يتقنها بشكل جيد .



-عدنان مارديني : أعمل في هذه المهنة منذ كان عمري 13 سنة، في البداية كنا صغاراً وننقش على صحون بسيطة وأمي كانت ترسم لنا الرسومات التي ننقشها على الأواني أو الصحون ثم تطور العمل وأصبحنا ننقش الأواني ومصبات القهوة والدولات والهوادج.

وعن تطور المهنة يضيف : الآن تطوَّرت المهنة عما كانت عليه في الماضي ، فأصبح هناك النقش على الأسيد وهو يقوم على فكرة تصوير الرسومات ونقلها على النحاس، ولكن ليس مثل العمل اليدوي طبعاً، المشكلة أن النقش اليدوي يأخذ وقتاً طويلاً إضافة إلى عدم وجود أشخاص يقدرون هذا العمل ويحرصون عليه كما السابق، فلا يوجد الآن من يدفع ثمن قطعة النحاس المنقوشة يدوياً كما المرسومة صناعياً، إضافة إلى أني أصنع قوالب لأهل المصلحة تساعدهم على العمل ذلك لأني خبير بهذا الأمر منذ زمن.

عن مستقبل هذه الحرفة يقول :

إن هذه الحرفة جميلة جداً وعريقة ولكنها تحتاج إلى اهتمام أكبر من الجهات المعنية بتخصيص سوق أفضل لها ومكان يمكن للسياح وللأشخاص العاديين أن يقصدوها بكل بساطة وسهولة.

ويمكن أن أقول بأن هذه الحرفة لن تستمر طويلاً ، فقد بدأ يحل مكانها شيئاً فشيئاً العمل الأسهل والأقل جهداً ووقتاً.



يمكننا أن نقول أخيراً إن لهذه الحرفة تاريخاً طويلا وأشخاصا تعبوا طويلاً لكي تستمر ولا تندثر ، لذلك علينا أن نسعى لكي يستمر هذا السوق وتعيش هذه الحرفة، بإعطاء أهلها الاهتمام والرعاية والمتابعة والتحفيز.



آخر تحديث ( 16 / 02 / 2007 )

جريدة بلدنا