( أنس وجبل عرفات ! )

في يومٍ ربيعيٍّ عمّانيّ ، ركب الصبي أنس مع والديْه
الحافلة وسافر مُتوجّها إلى المملكة العربيّة السعودية ، لأداء مناسك العُمرة ، فلمّا وصل مكّة المُكرّمة ، صلّى لله وطاف بالبيت العتيق وسعى بين الصفا والمروى .. ثم ذهب مع أبيه وأمّه في السيّارة ، في رحلة إلى مُزدلفة ومِنى وعرفات ...
فرأى مسجد نمرة وخيام الحجيج التي تنتظر وفود حجيج الرحمن في الموسم .
وهناك عند جبل عرفات ، صعد أنس ألى قمّة الجبل وجلس عند الشمعة البيضاء ، وبكى وهو يتذكّر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يحجّ حُجة الوداع ويخطب في الناس فيبيّن حقوق الله على الانسان المسلم ، وحقوق الانسان المسلم على الحاكم وفي المجتمع وعلى الصعيد الشخصي ، فأخرج دفترا وقلما وبدأ يكتبُ قائلا :
ــــ قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء: 70)
وعليه فمن حقوقنا حرمة النفس والمال والعرض والكرامة ، فهذه حرمة مقدّسة ، عندنا ولنا .. فلماذا نُظلم هكذا ؟ .. وتُنتهك كرامتنا دون ذنبٍ منّا ؟ .. آه ياربّنا ، ياربّ العالمين وياربّ هذا الجبل المُبارك عرفات ...
وأمسك أنس بحجارة وتراب الجبل واستند إلى الشمعة البيضاء وأغفى قليلا ، ثم وأردف قائلا :
ــــ ياليتني أقابل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحكي
له عن بعض آلامنا .. وأتمتع برؤيا وجهه الكريم وأبوّس يداه
وقدماه محبّة فيه وفي دينه الإسلام ...!
فهتزّ جبل الرحمة محبّةً وخاطب أنس قائلا :
ــــ إيهٍ يا أنس .. سلامٌ ومحبّة عليك من الله ...!
فاندهش أنس وهتف قائلا :
ــــ ماذا أسمع .. جبل عرفات يتكلّمُ معي ؟! .
فتبسّم جبل عرفات وقال :
ـــــ أجل يا أنس فأنت مُسلم صالح ولك الرحمة من الله ! .
فضحك أنس بسعادة إيمانيّة وقال :
ــــ يا الله كم أنا أحبك وأصلّي لك .. وكم أحبّ نبيّك مُحمد ..
وقرآنك المجيد وكعبتك المُشرّفة ومسجد رسولك الأكرام صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى وجبل رحمتك هذا
ياربُّ عرفات لأنه جبل الحجيج ، وقد إلتقى عليك أبونا آدم
وأمّنا حوّاء ! .
ـــــ نعم نعم يا أنس فقد إلتقى عليّ آدم وحوّاء بعد فراق طوييييل ! .
قال أنس بشيء من الحُزن :
ـــــ ليت الناس كلّ الناس يعلمون ذلك ويكفّون عن ظلم بعضهم وتقتيل بعضهم بعضا فتنصلح الأحوال .
قال جبل عرفات بأسف :
ـــــ لقد سمعتك أيها المُسلم الطيّب قبل قليل تتحدث عن الذين يقتلونكم من طواغيت العالم الغربيّ والشرقيّ ، فهلاّ دعوت الله يا أنس أن يعيد المسلمين إلى إسلامهم الصحيح وشريعتهم الصحيحة فيخشاكم هؤلاء الكفار ويكفّون عن قتالكم وقتلكم .
فقال أنس بنفس الحُزن :
ــــ ولكننا نُقتل من الغرب والشرق على حدٍّ سواء ياجبل رحمتنا ، فقط لأننا مسلمون ، والرسول الأكرمُ قال : ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) .
فلماذا نقتل وتنتهب أموالنا ياأيّها الشرق والغرب ؟؟ .
جبل عرفات يُأكد قائلا :
ــــ كما قُلتُ لك ياولدي المُسلم الصغير ادعُ الله أن يمحق القتلة والجبّارين وأن تخرجو من بيْنهم سالمين ! .
واستيقظ أنس من نوْمه وهو يتضرّعُ إلى الله عزوجلّ بأن
يُميت الفاسقين ويسلّم المُسلمين .


قصّة ايهاب هديب