داخل النفق :

حين دخلوه لم يحسبوه بذاك الطول ، على أن تحذيرات من حاولوا خوض غمراته من قبل ذكرت ذلك لهم .
لكنّ حماستهم و يأسهم من سجنهم الذي حبستهم عاديات الزمن به كانا أكبر من أن تردهما أراجيف المجربين ، ساروا أول الأمر و قلوبهم وجِلة ، لكن السير على صعوبته غدا متعة اعتادوا التلذذ بها و هم يزيحون تلال الأتربة و يفتتون مجامع الحصى ، بل نسي بعض منهم أن غايتهم هي الخلاص مما هم فيه ، و لولا الجوع و التعب لظنوا هذا منزلَ حياتهم الأبدي .
في لحظة لم يحسبوا لها حسباناً لمع لعيونهم شيء ، خالوه سراباً بادي الأمر ، لكنهم حين قاربوه رأوا الحقيقة ، رأوا ضوءاً يلوح لأبصارهم في نهاية النفق .
نبتت ألوف العزائم التي غشيتها المرارة ، و باتت الأيدي و الأرجل تعمل ما لا تعمله عشرات الآلات في برهة .
حين خرجوا بهرهم نور الشمس الذي اخترق مآقيهم ، كانت توصل لهم رسالة تهنئة بعد طول عنائهم : فرغتم من مجاهدة الأرض و قسوتها ، فافرغوا الآن لجهاد ما ينتظركم خارجها .