وفاة العملاق وصديق الوحدة "الفنان: خالد تاجا" الى رحمة الله فنون ونجوم





رحل اليوم الممثل السوري خالد تاجا الملقب بـ'أنطوني كوين' بعد تعرضه لجلطة حادة أصابت رئتيه منذ ايام، ما استدعى نقله بشكل طارئ إلى مستشفى الشامي في دمشق.

وكان تاجا يخضع لتنفس اصطناعي منذ دخوله إلى المستشفى، وأشار الأطباء منذ اللحظات الأولى إلى ان حالته خطرة جداً. من المقرر ان يدفن جسمان تاجا يوم السبت 31 الجاري، على ان نمدكم بكامل المعلومات فور وصولها إلى مكاتبنا
ــــــــــــــــــــــ
هذا ماقاله قبل موته بأيام
أنا كردي عربي
يؤكد الرجل الذي يتمتع بطول فاره وصوت فيه من الخشونة ما يؤكد أن الحياة وشجونها نالتا منه الكثير في مراحل خلت، إنه مولود في العام 1939 في حي للأكراد في العاصمة دمشق. سألناه هنا: ما العروبة بالنسبة لك وأنت كردي الأصول؟.
أجاب: أنا كردي وأفتخر، لكنني في ذات الوقت أعتز بكوني تربيت وعشت حياتي في بيئة عربية لا تفرق كثيرا عن حياة الكورد في العالم .. العلاقة بين الكردي والعربي ليست مولودة اليوم، بل هي نتاج قرون من الزمن ، وأصبح من الصعوبة، بمكان، أن يقارن أحد بين كردي وعربي إذا لم يكشف أحد الطرفين عن عرقه وعرق الآخر.
قلنا له: قد يكون هذا الكلام تجميليا، منمقا، بحساب آخرين؟. يرد بقوة: ليس خالد تاجا من تفوه بكلمة واحدة طوال حياته بغرض التجميل والتنميق ..أنا رجل دفعت ثمن الكلمة الحرة التي تخرج من فمي الكثير والكثير.. ولست في موضع الحديث عن جرأتي، فتاريخي يشهد على ذلك
العراق الموحد أجمل للأكراد
طلبنا منه تبيانا للمزج الذي قام به بين العروبة والكوردية، فقال:" حتى الآن، هناك ملايين العرب لا يعلمون أن صلاح الدين الأيوبي، القائد الإسلامي الذي حرر القدس من الصليبيين في العام 1187، هو كردي ، بل يظنون أنه عربي .. أليست هذه نقطة تسجل في تاريخ الاندماج بين العرب والأكراد؟!!!.

سألناه: في العراق نجح الأكراد في إنشاء دولة مستقلة ذاتيا في الشمال.. كيف رأيت الأمر؟.. قال خالد تاجا: أحيي من سعى لذلك ونجح، لكن هذا على المستوى الشخصي، أي على مستوى احترامي لأشخاص سعوا لهدف وحققوه، إلا أن الواقع كان يجب أن يكون غير ذلك، فالعراق موحد هو أفضل من عراق مجزأ .. كنت أفضّل لو تم قيام وحدة وطنية في العراق، مشروطة باحترام كامل لحقوق كل طرف وكل عرق، لغته وعاداته وتقاليده وثقافته ، ذلك أن تجزيء بلد عربي لا يصب في مصلحة ذلك البلد.
قطعا، تمنى خالد تاجا، بما أوتي من حس وطني، عدم تكرار التجربة العراقية في سورية:" لا أتمنى حدوث ذلك في سورية، فقيام إقليم كوردي سوري سيؤدي إلى نسف وحدة التراب السوري، وهذا ما لا نتمناه
مسيرة مرة
انتقلنا مع الرجل المتقدم في السن ( 73 عاما) للحديث عن الحياة ، فقال:" قلائل من عاشوا عذابات الحياة ومرارتها كما عشتها .. جلست أكثر من عشرين عاما بلا عمل في الفن، علما أن انطلاقتي للعمل في السينما والدراما كانت في العام 1957، وكنت وقتها أشارك في أعمال مسرحية باتت خالدة في أرشيف المسرح السوري ".
ويتابع:" تعرضت لمضايقات كثيرة من قبل مقربين ومبعدين، ولم يكن أحد ينظر لي نظرة أخرى ، سلبية، إلا بسبب فجاجتي وقسوتي في مواجهة الخطأ ، لذا، ارتأوا أنه علي الابتعاد عن العمل".
يؤكد أنه لم يطلب أحد منه الابتعاد ، ولكن كيف تم ذلك؟.. يجيب:"تم ،ببساطة، عندما لم يعد أحد يدعوني للمشاركة في مسلسل درامي أو في فيلم سينمائي أو في عرض مسرحي.. شعرت أنه لا أحد يريد التعامل معي.. كانوا يريدون أشخاصا يقولون "نعم" عند الصح والخطأ على حد سواء، لكنهم لم يجدوا هذه الصفة بي".

منذ أواخر السبعينات تقريبا، عاد خالد تاجا إلى العمل من جديد، وكان للنجم الكبير "طلحت حمدي"دور كبير في ذلك، ومنذ ذلك الآن، وحتى اليوم، لم ينقطع ظهور تاجا على الشاشة السورية ، لا بل إنه غدا، خلال السنوات العشر الأخيرة، نجما ورقما صعبا في الفن السوري.
القافلة تسير
يقول كثيرون من أهل الفن في سورية ، إن تاجا هو من أكثر الفنانين حصولا على الأجر العالي في الدراما السورية . قال لنا البعض إنه حصل في بعض المسلسلات على ما يقارب الخمسة ملايين ليرة سورية، وإن معدل أجره عن أي عمل لا يقل عن 3 مليون ليرة سورية ، وقد اشتكى البعض من ذلك لكون خالد يشارك في كل عام بما لا يقل عن خمسة مسلسلات .
وجهنا هذا السؤال إلى خالد تاجا ، فضحك ضحكة" الحارث بن عباد" الذي جسد دوره في مسلسل"الزير سالم" ، وقال:" هؤلاء مرضى وحاسدون، فتارة يتحدثون عن أجر عال لي، وتارة عن كثرة مشاركاتي في الدراما، وتارة أخرى يقولون بأن خالد تاجا شخص عادي وأجره عادي جدا بهدف تقزيمي.. وهناك حالة من الاستياء لديهم من كونهم لم يستسيغوا أن أكون أول فنان سوري يعين مديرة أعمال له تشرف على مواعيده وترد على مختلف اتصالاته .. ربما لم يكونوا يعلمون أن مدير الأعمال في هذا الزمن هو أهم من العمل ذاته".
أردنا جوابا منه عن الكلام بشكل دقيق فقال العبارة الشهيرة:" القافلة تسير والكلاب تنبح"..وكان يعي تماما الأشخاص الذين يقصدهم، بل وأكد علينا أن تنشر العبارة كما هي
سباق مع القدر
قبل قرابة العام تقريبا، قرر تاجا أن يكتب قصة حياته ليحولها إلى مسلسل درامي يحمل اسمه"مسلسل حياة خالد تاجا". سألناه: لماذا؟. أجاب: لأن حياتي تستحق أن تجسد بعمل فني درامي يستفيد منه كل صاحب إرادة عندما يقع ويطب ، وعندما يقرر النهوض بعد كل وقعة".
من النجم الذي سيجسد الشخصية، كان سؤالنا؟.كان الجواب جاهزا لدى تاجا:" إنه تيم الحسن، ولا أحد سواه يشبهني في شبابي ".
وعما إذا كان سيخوض، هو نفسه، الشخصية في المراحل المتقدمة من العمر، نفى خالد ذلك، وقال:" لن أشارك في العمل كممثل".
بقي سؤال يوم ذاك، ولو أنه سؤال مؤلم: هل تتوقع أن تشاهد العمل؟. أجاب الرجل بصمود الأشجار العتيقة:" أتمنى ذلك، وهو سباق بيني وبين القدر، وأتمنى أن أنجح في رؤية عمل يجسد تفاصيل حياتي المريرة".
ويبقى السؤال، بعد دخول الرجل العناية المشددة في دمشق: هل بالفعل سيشاهد ذلك العمل، أم إن القدر كان أسبق؟!!!.
فواصل أخرى من حياته العائلية والشخصية، تحدث عنها، ويومذاك طلب عدم الخوض بها، إذ قال:" بالنسبة لي لا مشكلة عندي أن يقرأ الجمهور كل شيء، لكن هناك أشخاص قد تدرج أسماؤهم في الإعلام وهم لا يرغبون بذلك
الطلاق وفقدان البنت
من مآسي الحياة بالنسبة لرجل مثل خالد تاجا أنه منذ سنوات طويلة فقد ابنة غادرت للحياة بعيدة عنه،وتزوجت، ومنذ ذلك الوقت لم يتمكن من إجراء حتى اتصال هاتفي معها. فقدانه لابنته أعقب طلاقه من زوجته الأولى التي هي أمها.
يرفض تاجا الحديث عن تلك القصة ويقول إن غصة الحياة طاعنة في الحلق، وهناك أشياء كثيرة لا يتحدث عنها الإنسان وتكون مرتبطة بحياته ، لكن هناك من يتحدث عنها.
زواجات متكررة...
تكررت زواجات خالد تاجا ،وعاش مع أكثر من امرأة، وكان يتزوج عندما يحب في المرأة إنسانيتها، ثم يمنحها حريتها بمجرد أن يشعر أن تباعدا ما بدأ يطرأ على حياته معها.
منذ سنوات طويلة، حتى بقي دون زوجة منذ عام 1997 حتى الآن ... كما ولا يوجد لديه سوى ابنة وحيدة لا يعرف عنها أي معلومة سوى عمرها الذي تجاوز الخمسين عاما ... هي من زوجة سافرت إلى بريطانيا منذ عشرات السنين وضاعت في سراديب الحياة
القبر أختاره بنفسه
لكن ماذا عن النهاية؟ ماذا عن المثوى الأخير؟.. مكانه بالتحديد أين؟
إنه القبر... ذلك البيت الذي سينام فيه خالد تاجا، والذي لم يفزعه يوما ، كيف، وهو الذي اختاره بنفسه وفي نفس المكان الذي يحيا فيه؟!!.
ففي المزرعة التي يؤوي فيها خالد تاجا ويتنعم بسنواته الأخيرة من خلالها، اختار جناحا مميزا فيها أشار إلى أن هذا الجناح بنى فيه القبر الذي سيرقد فيه في دنيا الخلود... رجل اختار قبره بنفسه لا يمكن أن يكون خائفا من الموت، بل إنه مهّد له فاتحا ذراعيه وصدره لاستقباله، هكذا قال خالد تاجا في تلك الجلسة حين سألناه عن الموت.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
بقي أن نذكر أن خالد تاجا كان من أكثر الفنانين ، بل وأكثر إنسان شغفا بالوحدة التي لم توحشه يوما، فوجود الزوجة معه على الدوام لم يعن في أي يوم من الأيام أنه طلّق الوحدة، فالرجل كثيرا ما خلا لنفسه، وبالأيام، بعيدا عن سجالات الحياة وروتينها المفروض.

مرحوم في الحياة والممات ، وأمل بمعجزة تعيده لرؤية الشمس ثانية ... إنه باختصار ... خالد تاجا


المصدر
القوة الثالثة - وفاة العملاق وصديق الوحدة "الفنان: خالد تاجا" الى رحمة الله