السلام عليكم
هناك سرا عروضيا وبلاغة خاصة في الآية :
بسم الله الرحمن الرحيم:
وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ( [1]
من سورة هود 44
***********
وقد استخرج منها البلاغيين ولو قطعناها رقميا لكانت:
3 3 2 2 3 2 1 3 3 3 3 3 2 2 1 1 1 3 2 3 3 3 2 2 1 3 3 2 2 2 2 3
اما م/ع:12/14=0,85
ولأن الماء هو المسيطر على قضية الآية فنراها منخفضة المعدل..
وفي الرقمي العروضي نجد:
15=3
و13 =2
و5=1
وعدد آيات سورة هود 123
فهل يعني هذا شيئا؟
ننتظر من يكمل الفكرة
ننقل الموضوع البلاغي الهام:

**********

نماذج من بلاغة القرآن المجيد:
يقول الدكتور العتر في "الرسالة الخالدة" : " ما رأيت ولا رويت في الكلام المنثور والشعر الموزون كآية في كتاب الله تعالى استخرجت منها أحداً وعشرين ضربا من البديع، وعددها سبع عشرة لفظة وهي قوله تعالى : ) وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ( [1]
وتفصيل ما جاء فيها من البديع :
1- المناسبة التامة: في ( ابلعي وأقلعي).
2- المطابقة اللفظية: في ذكر السماء والأرض .
3- الاستعارة : في قوله ابلعي واقلعي للأرض والسماء
4- المجاز : في قوله ( يا سماء ) فإن الحقيقة : ويا مطر السماء أقلعي.
5- الإشارة : في قوله ( وغيض الماء ) فإنه سبحانه وتعالى عبر يهاتين اللفظتين عن معان كثيرة ؛ لأن الماء لا يغيظ حتى يقلع مكر السماء وتبلع الأرض ما يخرج من عيون الماء فينقص الحاصل على وجه الأرض من الماء .
6- الإرداف: في قوله (واستوت على الجودي) فإنه عبر عن استقرار السفينة على هذا المكان وجلوسها جلوسا متمكنا لا زيغ فيه ولا ميل , لطمأنينة أهل السفينة بلفظ قرين من لفظ الحقيقة .
7- التمثيل : في قوله ( وقضي الأمر ) فإنه عبر بذلك عن هلاك الهالكين ونجاة الناجين بلفظ فيه بعد ما من لفظ الحقيقة بالنسبة إلى لفظ الإرداف.
8- التعليل : لأن غيض الماء علة الاستواء .
9- صحة التقسيم : حين استوعب سبحانه أحوال الماء حالة نقصه ، إذ ليس إلا احتباس ماء السماء واحتقان الماء الذي ينبع من الأرض ، وغيض الماء الحاصل على ظهر الأرض .
10- الاحتراس: في قوله : (وقيل بعدا للقوم الظالمين ) محترسا من توهم من يتوهم أن الهلاك ربما عم من لا يستحق الهلاك فجاء سبحانه بالدعاء على الهالكين ليعلم أنهم مستحقوا الهلاك، فإن عدله منع أن يدعو على غير مستحق للدعاء عليه .
11- الانفصال : فإن لقائل أن يقول :إن لفظة القوم مستغنى عنها ، فإنه لو قيل : (وقيل بعدا للظالمين ) لتم الكلام، والانفصال عن ذلك أن يقال :لما سبق في صدر الكلام قبل الآية قوله تعالى)وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه( [2] وقال سبحانه قبل ذلك مخاطبا لنوح عليه السلام: ) ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ( فاقتضت البلاغة أن يؤتى بلفظة القوم التي آلة التعريف فيها للعهد، ليتبين أنهم القوم الذين تقدم ذكرهم في قوله تعالى ) وكلما مر عليه ملأ من قومه ( ووصفهم بالظلم ، وأخبر بسابق علمه أنهم هالكون بقوله )ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ( فحصل الانفصال عن الإشكال، وعلم أن لفظة القوم ليست فضلة في الكلام .
12- المساواة : لأن لفظ الآية لا يزيد عن معناه ولا ينقص عنه
13- حسن النسق: في عطف القضايا بعضها على بعض بأحسن ترتيب حسبما وقعت أولا فأولاً ، فإنه سبحانه أمر الأرض بالابتلاع ، ثم عطف على ذلك أمر السماء بالإقلاع ثم عطف غيض الماء على ذلك ، ثم عطف على ذلك استواء السفينة على الجودي، ثم عطف على ذلك الدعاء على الهالكين ، فجاء عطف هذه الجمل على ترتيب وقوعها في الوجود .
14- ائتلاف اللفظ مع المعنى : لكون كل لفظة لا يصلح في موضعها غيرها .
15- الإيجاز : لأنه سبحانه اقتص القصة بلفظها مستوعبة ، بحيث لم يخلّ منها بشيء في أخصر عبارة ؛ بألفاظ غير مطولة.
16- التسهيم: لأن من أول الآية إلى قوله تعالى ) أقلعي ( يقتضي أخرها .
17- التهذيب: لأن مفردات الألفاظ موصوفة بصفات الحسن ، كل لفظة سهلة مخارج الحروف ، عليها رونق الفصاحة ، مع الخلو من البشاعة ، والتركيب سليم التعقيد وأسبابه .
18- وحسن البيان : من جهة أن السامع لا يتوقف في فهم معنى الكلام، ولا يشكل عليه شيء منه .
19- التمكين : لأن الفاصلة مستقرة في قرارها، مطمئنة في مكانها غير قلقة ولا مستدعاة .
20- الانسجام : وهو تحدر الكلام بسهولة وعذوبة سبك مع جزالة لفظ ، كما ينسجم الماء القليل مع الهواء .
21- ما في مجموع ألفاظ الآية من الإبداع ، وهو الذي سمي به هذا الباب، إذ في كل لفظة بديع وبديعان، لأنها كما تقدم سبع عشرة لفظة تضمنت أحدا وعشرين ضربا من البلاغة سوى ما يتعدد من ضروبها، فإن الاستعارة وقعت في موضعين : الابتلاع والإقلاع .
فانظر رحمك الله إلى عظمة هذا الكلام ، وما انطوى عليه نظمه ، وما تضمنه لفظه لتقدره قدره . وهذا ما ظهر لي منه على ضعف نظري وقلة مادتي من العلوم وكلال ذهني . والله أعلم"[3]
وقد بذل البلغاء المهرة المتقنون غاية الجهد في استجلاء معالم البلاغة في هذه الآية ففصلوا بعض مزاياها وتركوا منها ما لا يكاد يصفه الواصفون :
فقد مضى العلامة السكاكي إلى النظر في هذه الآية من أربع جهات : من جهة علم البيان ؛ وجهة علم المعاني ؛ وجهة الفصاحة المعنوية ؛ وجهة الفصاحة اللفظية .

أما من جهة علم البيان :
فإن الله عز سلطانه لما بين إرادته في أن يعيد ما انفجر من الأرض من الماء إلى باطنها فعاد ، وفي قطع طوفان السماء فانقطع ، وفي غيضه فغاض ، وإرادته تعالى إنجاز وعده لنوح بإغراق قومه فانقضى ذلك الأمر ، وتسوية السفينة على الجودي فاستوت ، وإبقائه الظالمين غرقى _ لما أراد بيان ذلك كله – بنى جل شأنه الكلام على تشبيهين اثنين :
أولهما : أنه تعالى شبه الشيء المراد بالشخص المأمور الذي لا يتأتى منه العصيان لكمال هيبته من أمره .
ثانيهما : شبه تعالى تكوين الشيء المراد بالأمر النافذ الحاصل ، تصويرا لاقتداره العظيم. وإن هذه الأجرام العظيمة من السماوات والأرض تابعة لإرادته تعالى إيجادا وإعداما ؛ ولمشيئته فيها تغييرا وتبديلا ، كأنها عقلاء مميزون قد عرفوه جل جلاله حق معرفته ، وأحاطوا علما بوجوب الانقياد لأمره والإذعان لحكمه ،وتحتم عليه بذل المجهود في تحصيل مراده ،وتصوروا مزيد اقتداره فعظمت مهابته في نفوسهم ، وضربت سرادقها في أفنية ضمائرهم ،فصاروا لا يتلقون إشارته بغير الإمضاء والانقياد؛ ولا أمره بغير الإذعان والامتثال .
لقد بنى جل جلاله نظم الكلام في الآية على مجموع التشبيهين ، فقال تعالى:
(قيل) : على سبيل المجاز عن الإرادة ؛ من باب ذكر المسبب وإرادة السبب ، لأن الإرادة تكون سببا لوقوع القول في الجملة .وجعل قرينة هذا المجاز خطاب الجماد ، وهو " يا أرض ... ويا سماء " إذ يصح أ ن يراد حصول شيء متعلق بالجماد ،و لا يصح القول له حقيقة.
( يا أرض ... ويا سماء ) : مخاطبا لهما على سبيل الاستعارة للشبه المذكور والاستعارة هنا مكنية ،إذ ذكر المشبه وحذف المشبه به ، وهو مأمور يعقل الخطاب ؛ موصوف بأنه لا يتأتى منه العصيان " كالملائكة " .و القرينة هنا : نسبة الخطاب إلى المشبه
" الأرض والسماء " ودخول حرف النداء عليه ، وهما من خواص المأمور المطيع ، ويكون هذا تخيلا .

)ابلعي ماءك( : استعار" البلع " لغور الماء في الأرض ، فإن البلع هو عمل الجذب في المطعوم، والشبه بينهما هو الذهاب إلى مقر خفي . وفي الكشاف أن البلع مستعار لنشف الأرض الماء . ثم استعار الماء للغذاء استعارة مكنية؛ تشبيها له بالغذاء ، لتقوى الأرض بالماء في إنبات الزروع والأشجار كما يتقوى الآكل بالطعام . وجعل قرية الاستعارة لفظة " ابلعي " لكونها موضوعة للاستعمال في الغذاء دون الماء . والحاصل أن في لفظ " ابلعي ":
  1. استعارة لغور الماء باعتبار جوهر البلع " حقيقة "
  2. استعارة لتكوين المراد باعتبار صرة الآمر .
  3. باعتبار كونه أمر خطاب : فإن فيه ترشيحا للاستعارة المكنية التي في المنادى، فإن قرينتها النداء . وما زاد على القرينة فهو ترشيح للاستعارة .
) ماءك( : إضافة الماء إلى الأرض مجاز لغوي ، تشبيها لاتصال الماء بالأرض باتصال الملك بالمالك . وفي اختيار ضمير الخطاب يدل على صلوح الأرض للمالكية .
) ويا سماء أقلعي(: فيه من الاستعارة والترشيح ما أوردناه في قوله تعالى نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي يا أرض ابلعي ماءك ( .
) وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا (
فلم يصرح تعالى بمن غاض الماء ولا بمن قضي الأمر وسويت السفينة ؛ ولا بمن قال بعدا ، كما أنه لم يصرح سبحانه بالقائل : " يا أرض .. ويا سماء " في صدر الآية، إذ سلك في كل واحد منها سبيل الكناية لأن تلك الأمور العظام لا تصدر إلا من ذي قدرة قهار لا يغالب جلت عظمته . فلم يترك مجالا للتوهم باحتمال أن يكون غيره تعالى قائلا : يا أرض ... ويا سماء .ولا غائض ما غاض، ولا قا ي ذلك الأمر الهائل الجلل.
) بعداً ...( : ذكر بعضهم أن البعد في الأصل ضد القرب ، وهو باعتبار المكان، ويكون في المحسوس، وقد يقال في المقول نحو" ضلوا ضلالا بعيدا " واستعماله في الهلاك مجاز .
) للقوم الظالمين ( : ختم تعالى الكلام بالتعريض لينبه سالكي مسلك أولئك القوم في تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام بأنهم ظلموا أنفسهم لا غير .فختم بإظهار محل تنزل سخطه تعالى وجهة استحقاقهم إياه ، وأن قيامة الطوفان وتلك الصورة الهائلة ما كانت إلا لظلمهم ، كما يؤذن بذلك الدعاء بالهلاك بعد هلاكهم ووصفهم بالظلم مع تعليق الحكم بمصيرهم به .

أما النظر في الآية من جهة علم المعاني ، فذلك أنه تعالى قال :
) يا أرض( : فاختار أداة النداء " يـا " على غيرها من أدواته : فهي أكثر استعمالا وتدل على بعد المنادى ، وهو تبعيد يؤذن بالتهاون به . وهذا مما يستدعيه مقام إظهار العظمة وإبداء شأن العزة والجبروت . ولم يقل " يا أرض " بالكسر ، لأن الإضافة إليه جل شأنه تشريف للأرض وتكريم ، فتركها إمدادا للتهاون . ولم يقل " يا أيتها " : اختصارا واحترازا عن تكلف تنبيه الأرض الذي يشعر بغفلتها ، مما لا يناسب المقام القاضي بسرعة استجابتها لأمره تعالى .
) ابلعي (اختير هذا اللفظ على " ابتلعي " لكونه أخصر وأوفر تجانسا مع)أقلعي( . وأورد " الماء والأرض والسماء " بالإفراد دون الجميع لأن في الجمع صورة الاستكثار التي يتأبى عنها مقام إظهار الكبرياء والجبروت .
) ابلعي ماءك ( :ذكر المفعول احترازا من تعميم الابتلاع للجبال والتلال ... نظرا إلى عظمة الآمر المهيب وكمال انقياد المأمور له . ولم يذكر متعلق ) أقلعي ( اختصارا واحترازا عن الحشو ؛ لأنه صار معلوما . وهذا هو السبب في ترك حصول المأمور به ، فلم يقل : يا أرض ابلعي فبلعت ويا سماء أقلعي فأقلعت.
وقال : ) واستوت ( ولم يراع الأفعال المبنية للمجهول قبلها إذلم يقل:" سويت " لأن "استوت " أخصر ولأن الفعل المقابل وهو " الجريان " جاء من قبل منسوبا إلى السفينة ( وهي تجري بهم ).
) بعداً للقوم الظالمين ( : اختارلفظ " بعدا " على : ليبعد القوم ، ليؤكد معنى الفعل بالمصدر ، وليختصر العبادة فيستغني عن قول: ليبعد القوم بعدا ، وليدل على استحقاقهم الهلاك بذكر اللام (للقوم )وأطلق " الظلم " عن أي قيد للمبالغة، فأفاد تناول كل ظلم ؛حتى ظلمهم لأنفسهم أيضا ؛ لزيادة التنبيه عل فظاعة سوء اختيارهم لتكذيب الرسل ، فإنه ظلم لأنفسهم إذ يعود ضرره عليهم .
أما من حيث النظر إلى ترتيب الجمل في الآية فإنه قدم النداء على الأمر فقال:
) يا أرض ابلعي ... ويا سماء أقلعي (دون أن يقول : " ابلعي يا أرض .." إذ قدم التنبيه ليتمكن الأمر الوارد عقيبه في نفس المنادى ، وذاك مقتضى خطاب من كان مأمورا حقيقة ، وقصد بذلك الترشيح للاستعارة المكنية في الأرض والسماء ، وقد أمر الأرض على أمر السماء ، لابتداء الطوفان ، كما أفادت آية سابقة .
وإذا تمليت الآية من ناحية الفصاحة المعنوية أدركت أنها نظم لطيف للمعاني وأداء ملخص منير مبين ، لا ترى فيه أثرا لمعاظلة أو لتعقيد يتعثر الفكر في طلب المراد منه ، ول تجد التواء يشيك الطريق على المرتاد ، بل لاحظ نفسك عند استماع الآية تجد ألفاظها تسابق معانيها ؛ ومعانيها تسابق ألفاظها ، فم الفظة منها ترد إلى أذنك إلا كان معنانا أسبق إلى قلبك .
وتأمل جانب الفصاحة اللفظية تتجلى لك ألفاظها عربية فصيحة مأنوسة ؛ جارية على قوانين اللغة ؛سليمة من التنافر ؛ نائية عن الشذوذ ؛ بريئة من البشاعة . وتستشعر لها عذوبة في الفم ؛ وسلاسة على اللسان ؛ وجمال جرس في الأذن ، فهي كالماء في السلاسة وكالعسل في الحلاوة [4]
ارتقت هذه الآية أقصى مراتب الإعجاز ، وجمعت من المحاسن ما يضيق عنه نطاق البيان البشري ،فاستذلت مصاقع العرب ، وسفعت بنواصيهم ؛ فاضحة عجزهم وكاشفة قصورهم وبعد الشقة بينها وبين بيانهم ، إذ بلغت أقصى الطرف الأغر من الفصاحة ، واستوت على الذرى العظمى للبلاغة ؛ ولله در القرآن العظيم ماذا جمعت آياته البينات!؟
وعلى تفنن واصفيه بحسنه يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف
وما ذكر في تبيان مزايا هذه الآية بالنسبة إلى ما فيها قطرة من حياض وزهرة من رياض ، فقد ألف الشيخ علاء الدين أحد شيوخ شهاب الدين الآلوسي رسالة في هذه الآية الكريمة، جمع فيها ما ظهر له وما وقف عليه من لطائفها ومزاياها البلاغية ، فبلغ ذلك مائة وخمسين مزية [5]


[1] ) سورة هود : 44 . ومعنى أقلعي : أمسكي عن إرسال المطر . وغيض الماء: نقص . والجودي: اسم جبل. و بعدا للقوم الظالمين : هلاكا لهم .
[2] ) سورة هود : 38
[3] ) المعجزة الخالدة ص 224- 227 نقلا عن كتاب بديع القرآن لابن أبي الأصبع المصري : 340- 343
[4] ) بتصرف وإيجاز من مفتاح العلوم للسكاكي، ص221- 224.
[5] ) انظر : روح المعاني ج12 ص55-
http://uqu.edu.sa/page/ar/118454