تعايش الأصالة والمعاصرة
في العصر الحاضر

تفديم:

لاأذكرجديدا، كل ما في الأمرأني أحاول أن أزيل التباساً يقع فيه كثيرون، وأن أُصحّح مساراً وقع في زلات عندما التقى الشرق بالغرب، أوحين فرض الغرب نفسه علينا يوم كنّا بأمسّ الحاجة إلى التخلّص من الجهل والفقر والمرض.

الإنسانية ( لا العالميّة) اتجاه جبريّ للبشريّة لا تستطيع أن تحيد عنه، لكنها على عكس العالميّة لا تُذيب الخصائص القوميّة ولا التراث الخاصّ بكل أمّة، إنه تعايش يعتمد التعاون والتآزر لاالذوبان.


الموضوع شقان:


الأول:


تلاحم عنصري الأصالة:

القرآن الكريم واللسان العربيّ

في البدء أقرّر حقيقة لا لبس فيها، قال بها علماؤنا، وأثبتوها بالعمل، هذه الحقيقة: تلاحم العربية والقرآن الكريم، فلا وجود لها بدون القرآن الكريم، ولا وجود لقرآن إذا ضاعت العربيّة، وهذا مُحال. لوعده – تعالى - : إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا الذِّكۡرَ، وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ- سورة الحجر الآية التاسعة.


يظهر هذا التلاحم في اللمحات التالية:

أولا: ارتباط العربية بالقرآن الكريم تاريخيّاً منذ أوحى به الله على محمد – صلى الله عليه وسلّم- ، وقد ظهر هذا الارتباط في اختيار لغة عربية – لهجة – واحدة اعتمدت منذ ذلك الزمان، سميناها " الفصحى " ( لا أريد أن أناقش الآن موضوع القراءات فهو موضوع شائك، فهل الاختلاف بسبب اعتماد القراءة لغة واحدة من اللغات العربية، أم لاعتماد وجوه متعددة في النحو والصرف - من يرتدّ ، من يرتدد..-، ولكن المؤكد أن الفصحى المعتمدة في الاستخدامين الأدبي والعلميّ لغة قريش مع تطعيمها بشيء من اللغات الأخرى).
ثانياً: لهذاالارتباط الوثيق اختيرت العربية بوضعها الذي كانت عليه في تلك المرحلة، فلم تعتمد عربية كانت تُستخدم قبل ذلك الزمان، فظهرالتباين جلباًكماأشارإليه الدكتورطه حسين في كتابه"في الأدب الجاهليّ"بين نصوص يمنية قديمة وفصحانا، وما عدنا بقادرين على فهمها.–أرجو من القراء المنصفين ألا يكون ذكر طه حسين سبباً في رفض فكرته، فهذه جزئية يقرّبها كل العلماء، أماالنظريّة التي أراد أن يستخدم هذه المعلومة لإثباتها فشيء آخر، لا مجال لبحثها هنا قبولا أو رفضا!-
ثالثاً: ونتيجة لهذاالارتباط لم يعتمدما قديُسمّى عربيّة في وقت لاحق، سواء قلنا:إنّ لغات ( لهجات ) اليوم: الشامية والمصرية والبربرية ( هاجر البربر من جنوب اليمن ).. تنتمي إلى العربية أو نفينا هذا الانتماء، فنحن لا نقرّ بها للفصحى، مستمسكين باللغة التي جاء بها القرآن الكريم، وحدّدها علم الاحتجاج. ( أورد في البحث ما قرره هذا العلم، ولكن لامجال هنا لمناقشته).

رابعاً: كل مفردأصله أعجميّ ونطق به القرآن الكريم واستخدمته العرب في زمن نزول القرآن الكريم سُمّي عربيا، ودخل في العربية واعتُمد، فلا تقل: جاءت في القرآن الكريم ألفاظ أعجمية، بل قل: في القرآن الكريم ألفاظ أصلها أعجمي (علماً أن هذه الأصول غير مؤكدة علميا، فمثلاً كلمة صراط هل هي فارسية الأصل أو لاتينية أو لست أدري..) (إِنَّا أَنزَلۡنَاهُ قُرۡآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ–الآية الثانية من سورة يوسف).

لهذا كانت هذه العربية خالدة بخلود القرآن الكريم.



مواطن الخلل:
أولا: اهتزاز هذا التلاحم أحيانا:

مررنا بعصر سمّوه عصر الانحطاط/ و سمّاه الدكتور عمر موسى باشا الأستاذ في جامعة دمشق عصر الدول المتتابعة عنواناً لرسالته.....

لذلك نجد في بعض كتب الفقه- الشريعة الإسلامية بعامّة بعض الجنوح عن الأصول العربية.

بل قد نجد أحاديث شريفة تروى بالمعنى وتخالف قليلاً هذه الأصول. ولذلك لا يمكن أن تعتمد الأحاديث الصحيحة في معناها مصدراً لغوياً إلا ما ثبت أنه ورد بلفظه عن رسول الله– صلى الله عليه وسلّم- أو لفظ صحابيّ أوعمّن حاز الشروط التي ذكرها علم الاحتجاج.

ومن فواجعنا أن تلقى بعضاً ممّن يتحدثون في الدين– ولا أسميهم علماء – لم يتلقَّوْا العربيّة على أصولها، ولا يستطيعون الحديث بالفصحى السليمة- مئة بالمئة-، ولا استخدام ألفاظ فصيحة لما تقدم من مصطلحات، ولا لما جدّ لدينا من تعبيرات!
بل رأيت بعض من يتقنون التجويد ( والتجويد من قواعد العربية التي نلتزم بها في القرآن الكريم وغير القرآن الكريم )، غير متمكنين في أصولهم اللغوية العربية، فيقعون فيما يسميه القرّاء اللحن الخفيّ.

ثانياً: ابتعاد بعض من يسمَّو ن لغويين عن القرآن الكريم:

بالمقابل وجدنا أناساً يعملون في مجال اللغة والأدب غيرمتمكنين في القرآن الكريم، فكانوا أسرع الناس إلى هدم هذه الفصحى التي نتحدث عنها. عندما كنت أناقش موضوع ( القرآن الكريم في الأدب العربي مع الدكتور شكري فيصل– رحمه الله تعالى- في هذه النقطة ذاتها يسألني عن فلان ذائع الصيت– لا أريد أن أسميَه– لم يتمكن من القرآن الكريم، فآتيه بما يثبت رأيي.- لاأعمّيه خوفاً،فالحقّ أحقّ أن يتّبع، ولكن لايجوز لي أن أذكررأياً بدون دليل، وهو أمرلا أستطيع أن أحصيَه في هذه العجالة-.
وفي المقابل لاننس أبداًروّاد"النهضة"الحديثةفي لبنان، وكان أكثرهم من النصارى– هذالفظ احترام أكثرمن لفظ المسيحيين - الذين تمكنوا في القرآن الكريم لغة وأدبا. ( أرجو ألا نخلط بين الاتباع الدينيّ، والاتباع اللغويّ، فقد يجتمعان، وقد يفترقان. وما أكثر الذين يظنّون أنهم متدينون، لا يشعرون بضرورة اللغة العربية لدينهم مع الأسف، منهم من يعيش في الغرب، ومنهم من يشار إليهم بالبنان في الشرق)!!


والأخطر من كل هذا أن تنال الدرجات العلمية، وتُلصق بالرجال الأوصاف التبجيلية، وهم على بُعْد أميال وأميال منها.



الثاني:

احتكاك الأصالة في العصر الحديث بالآداب الغربيّة

توضيح:

لايمكن أن ألوم الروّاد، نعم! أخطؤوا ولوكنّا مكانهم لأخطأنا مثل أخطائهم وربما كانت أخطاؤنا أفحش، نحن بشر نعمل ونتعلّم من أخطائنا. أؤمن بقاعدة عامّة هي مبدأ عندي: إن الإشارة إلى خطأ إنسان لا تفرض حتماً أني أصبت أنا، وأنه أخطأ هو، ثمّ ليست هذه الإشارة لوماً على خطأ إنها سلسلة إنسانيّة متواصلة، أخطأ هو وأفادني خطؤه، بدأ هو فأخطأ، ولو بدأت أنا فقد أخطئ الخطأ نفسه أو خطأ غيره. بل لماذا لا أقول: الإنسانية - وهي الكيان الواحد – في مسارها تعمل وتزلّ، وتصحّح، وهذا لا يمنع أن ننسب الفضل لأهله، وما على العامل سوى أن يُحسّ أنه خادم – صدقاً، لا تزلّفاً – لأمته وللإنسانيّة.

خطوات ضرورية في هذا الاحتكاك:



أولا: مرحلة اللقاء الأوّل


وصلتنا الحضارة الغربيّة إما عن طريق اطلاع الروّاد الأولين عليها بعد أن درسوا اللسان الذي نطقت به، وإمّا عن طريق تعريب نصوصها ومراجعها.

وما من سبيل لنا للاطلاع على هذه الحضارة غيرهما، ولا يخلو الأمر من صعوبات وأخطار تتسبب في الخطأ عند النقل.

أول الأسباب أن يكون المعربون والمطّلعون متفاوتين في الاطلاع على الثقافتين الشرقية والغربية، فللمفردات والتراكيب ارتباطات وثيقة بالثقافة بعد ارتباطاتها باللغة.
هذه معلومة يعرفها كل مثقف، إنّما يعنيني أن أشير إلى أسباب الأخطاء لاختلاف في النقل بين ثلاثة فرق:

- فريق تمكّن في أصالته، ثم أخذ يطّلع علة ثقافة الغرب.

- وفريق بدأ يطلع على ثقافة الغرب في شبابه قبل أن يتمكن من معرفة ثقافته الشرقيّة.

- وفريق آخر "كالمستشرقين المتمكّنين في ثقافتهم" بدأ – غالباً– بالاطلاع على ثقافة الشرق بعد مرحلة الشباب( لنعلم أن أخطاء المستشرقين ليست دائماً بسبب سوء النوايا، وإنما تكون أحياناً بسبب الجهل، كنت أستمع هنا في فرنسةإلى من ينتقدكلمة–حنيذ– الواردة في القرآن الكريم: ولقَدۡجَآءتۡ رُسُلُنَاإبرَاهِيمَ بالبشرى، قَالُوا:۟ سَلاَمًا، قَالَ: سَلاَمٌ، فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بعجلٍ حَنِيذٍ- هود 69. وقرأها– حنيد– بالدال المهملة بدون نقطة، وقال:لم يجد لهذه الكلمةأصلاً في اللسان العربي، طبعاً يريد أن يخرج بالقول بأن هذا القرآن– بزعمه – ليس من عند الله تعالى. فشككت في حفظي، وقلت في نفسي: ويلتاه، ماأضيع العمر إن عشت على مثل هذا الخطأ، ورددت قول الشافعيّ: شكوت إلى وكيع سوء حفظي..! ولما تأكدت من صواب حفظي ذكرت النصّ، فبهت، وحلف بأغلظ الأيمان أنه ما كان يعلم!! لست أدري، قد يكون صادقا!!- لا يمكن أن ترسخ قدما إنسان في علم كما ترسخ إذا عاشها في الصغر- العلم في الصغر كالنقش في الحجر).


ثانياً: مرحلة الموازنة بين الأصيل والدخيل:



ثالثاً: مرحلة التمثّل والتفاعل:


يتبع لاحقا بإذن الله