من أصول التفسير [1]

بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد :
فأشهد أن : لا إلـه إلا الله وأن محمدا رسول الله بالقرآن وأن الناس قد اتخذوا القرآن مهجورا .
ورغم تخصصي في تحرير طرق القراءات الأدائية فقد قررت منذ أكثر من عقد تتبع قراءات القرآن الدلالية أو ما يسمونه بالتفاسير والترجمات ، ولا فرق حسب تصوري القاصر بين التفاسير والترجمات ، إذ كل منها قراءة من صاحبها للمعاني والدلالات قراءة ـ هي مبلغ علمه ـ عامة أو جزئية تناولت الفقه أو النحو والبلاغة أو الإعجاز العلمي ....
وأجزم غير متردد أن العرب الفصحاء الذين عاصروا تنزل القرآن قد علموا عجزهم المطلق عن ترجمة القرآن بلسان عربي مبين ، وأن تلك القراءة أو التفسير أو الترجمة إنما هي التعامل مع مجموع التصورات والمعاني التي تألفت عند القارئ أو المفسر بتحويلها إلى حروف فجمل فمجلدات قاصرة قصور الإنسان في علمه وعقله .
وأول ما وجدت وأجد على المفسرين والمترجمين هو إهمالهم أو تناسيهم أو تجاهلهم إعلان كلية كبرى ، تزيد المعترف بها حسنا وجمالا ويتراءى بها للقراء من بعده باحثا مجتهدا سالما من التدليس وفتنة العامة .
تلكم الكلية الكبرى هي قولهم ـ لو كانوا منصفين ـ : هذا التفسير هو مبلغ علمي وجهدي في فهم الكتاب المنزل وأبرأ إلى الله من تقديمه على أنه هو مراد الله علام الغيوب " اهـ
ووا عجبي من تدليس المترجمين إذ يسطرون في الصفحة الأولى أن ترجمتهم هي القرآن باللغة كذا ، ولو صدقوا لاعترفوا بأن الترجمة هي مبلغ فهم المترجم لا أكثر إن لم يكن أقل .
وكانت ولا تزال أمهات التفسير وأصوله مرجعا مقدسا لا يتصور العامة ولا طلبة العلم ولا المتخصصون دلالة للكتاب المنزل خارجه ، وظل المفسر المتأخر يستنسخ من الأمهات القديمة ويدور في فلكها .
ولا يخفى ما فيه من صدّ الناس عن تدبر الكتاب المنزل ، ومن تعطيل أدواب العلم والبحث ، وأضحى المكثرون من الحفظ هم أشرف الناس وأعلاهم مرتبة ، وإنما هم في الواقع نسخ أخرى إضافة إلى الورقية والإلكترونية .
وهذه نماذج من قصور أمهات التفسير وأصوله وما استنسخ منها حديثا عن دراية الكتاب المنزل:
ـ [ ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير ] آل عمران 189
ـ [ لله ما في السماوات وما في الأرض ]
وأكْدت مدارس التفسير عبر التاريخ عن دلالتها ودراية مقاصدها واكتفوا بالترجمة الحرفية رغم دلالتها العظيمة حيث وقعت في المصحف .
وكذلك النماذج التالية :
ـ [ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ] مريم 39
ـ [ ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة الحكيم الخبير ] الأنعام 73
ولا يخفى أن حرف مريم تكلم عن ثلاثة أيام منها يوم كان القرآن يتنزل والظالمون في ضلال مبين وتقدم ذكر الموعود المتأخر في سياق خطاب المؤمنين بالغيب وهو يوم الحشر وتأخر ذكر الموعود الأول وهو يوم يقضى الأمر وهم في غفلة ووا حسرتا على الخواص ما أغفلهم عن هذا اليوم الموعود في الدنيا قبل انقضائها وما ذا أعدّوا له ؟
وحرف الأنعام في سياق خطاب المشركين والذين اتخذوا دينهم لعبا ولهو وغرتهم الحياة الدنيا خوّفهم الله من يومين اثنين تقدم ذكر الموعود الأول منهما على نسق خطاب منكري الغيب وهو يوم يقول الله كن فيكون أي هو من المثاني مع يقضى الأمر الموصوف في حرف مريم ، وتأخر ذكر الموعود الثاني وهو يوم ينفخ في الصور ، وأجمعت المكتبة الإسلامية ومنها التفاسير عبر التاريخ على تجاهل يوم يقول كن فيكون في يوم الحسرة بقضاء الأمر وهو يوم بعد تنزل القرآن وقبل النفخ في الصور ..
وكذلك النماذج التالية :
ـ [ قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين ] يونس 102
ـ [ قل انتظروا إنا منتظرون ] الأنعام 158
وتجاهلت التفاسير والمكتبة الإسلامية عبر التاريخ تكليف النبي الأمي صلى الله عليه وسلم بانتظار يوم الفتح مع المنتظرين أي كيف يتأتى انتظاره بعد موته مع المنتظرين المتأخرين عنه .
وكذلك قوله :
ـ [ والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ] محمد 4ـ5 في قراءة حفص والبصريين أي بتجهيل قتلوا ، وإنما هو الجزاء في الدنيا وحين أبينه لن يتمكن معاند من رده لأن الحق أبلج
وكذلك قوله :.
ـ [ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ] الأنبياء 18
ـ [ ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته ] الشورى 24
ـ [ ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ] الأنفال 7ـ8
ولا يخفى أنه وعد لم يقع نفاذه بعد وأعرضت عنه المكتبة الإسلامية وجعلته من التسلية .
وكذلك قوله :
ـ [ وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ] الزخرف 4
ـ [ كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة ] عبس 11ـ16
ويستحيل تكليف البشر بالتذكرة في صحف لا وجود لها في الدنيا موطن التكليف والتذكرة وكذلك قوله :
ـ [ قل أرأيتم عن كان من عند الله وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم ] الأحقاف 10
ـ [ فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ] البقرة 136
ولم يتضمن تفصيل الكتاب المنزل في الحرفين مثل قولنا فإن آمنوا بما آمنتم به ولا مثل قولنا وشهد شاهد من بني إسرائيل عليه فما هي دلالة هذا المثل الذي أعرض عن تفصيله وبيانه المفسرون ؟.
وكذلك قوله :
ـ [ لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا ] طـه 102
ـ [ ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون ] الأنبياء 2
ـ [ وما يأتيهم من ذكر من الرحمان محدث إلا كانوا عنه معرضين ] الشعراء 5
وإنما هي نماذج من القرآن الذي كلفنا الإيمان به جملة وتفصيلا وجدير بمن لم يتبين الهدى والبيان من الكتاب المنزل يوم يصبح غيب القرآن شهادة في الدنيا أن يرتد على عقبيه بنقض الميثاق بدل الوفاء بعهد الله وبقطع ما أمر الله به أن يوصل بدل وصله وبالفساد في الأرض بدل الإصلاح فيها أي سيفسق مع الفاسقين .
نماذج من القرآن ذي الذكر هي شطر الكتاب المنزل وشطره الثاني هو الكتاب الذي أوتيه النبيون والرسل من قبل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أصول التفسير [2]

توطئة : إن النبي الأمي صلى الله عليه وسلم قد بيّن للناس ما نزّل إليهم كما هي دلالة قوله  وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون  النحل 44 أي أنه قد علّمهم أن المقروء كذا وكذا هو السورة كذا من الكتاب المنزل إلى الناس ليتبعوه ويتدبروه ولقد بيّن النبي الأمي للناس القرآن بنهيهم أن يكتبوا عنه غير القرآن لئلا يختلط بالقرآن وتلاه عليهم وكتبوه من إملائه عليهم وعلّمهم إياه فتم بيان النبي الأمي صلى الله عليه وسلم القرآن وتركه معلوما للناس لم يختلط عليهم بالأحاديث النبوية ، وهكذا كان القرآن منزلا إلى الناس ليتسابقوا إلى تدبره ، وأحسن الناس عملا هو السابق إلى فهمه بتدبره ويومئذ سيتفكر الناس أن القرآن ليس كما يتخيلون غير جدير بالتدبر والتدارس .
وكذلك بيّن النبي الأمي صلى الله عليه وسلم للناس ما نزّل إليهم من التكاليف الشرعية في الكتاب المنزل فعلّمهم كيف يسلمون وكيف يتوضأون ويتطهرون ويصلون فيخشعون ويضرعون إلى ربهم وكيف يحجون وكيف يتمثلون سائر التكاليف الفردية ومتى وكيف يتمثلون التكاليف الجماعية كالصلح والجهاد والأقضية وللمسلمين مجتمع له سلطانه أو خليفته .
ولا يتأتى القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فسّر وبيّن وأوضح مراد الله من جميع القرآن لأن فواتح السور المعلومة من القرآن ولم يقع بيانها ومرادها من النبي الأمي صلى الله عليه وسلم بل إن من القرآن العربي غيرها ما لا يزال مغلقا إلى يومنا هذا ولن يزال مغلقا حتى يأتي تأويله في الدنيا أي يصبح غيب القرآن شهادة في الدنيا فإذا البشرية في آخر الحياة الدنيا قد شهدت وحضرت حوادث قد سبق بيانها وذكرها في القرآن العجب منذ عشرات القرون ، ولا سبيل إلى الهداية يومئذ إلا بالقرآن كما في قوله [ وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها ] ومن المثاني معه قوله [ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ] أي يعرفون الحق ومنه الآيات الخارقة للتخويف والقضاء بالقرآن الذي تضمن الوعد بها وتضمن تفصيلها ووصفها .
لقد انشغل عن تفصيل القرآن وتدبره خواص المسلمين وعوامهم بالمتون الفقهية وغيرها ومنها مختصر خليل في الفقه المالكي الذي لم يحو حرفا واحدا عن الغيب في القرآن وسائر مسائل العقيدة ، فأنى لمن أفنوا أعمارهم في المتون الفقهية أن يعرفوا الحق بالقرآن وقد اتخذوه مهجورا .
إن الأمة اليوم لفقيرة فقر المضطر إلى تأصيل جديد للتفسير تتبين منه كليات تيسّر لكل باحث ومتدبر أسباب فقه الكتاب المنزل ، كليات كثيرة منها النماذج التالية :
أولا : الفرق بين لفظ الكتاب ولفظ القرآن وسياق كل منهما
ثانيا: تفصيل الكتاب المفصل أي تبيّن التناغم والتناسق بين كل معنى مع الذي قبله وبعده وبين آخر كل سورة مع بداية السورة بعدها أي هو الدليل العملي على توقيف ترتيب السور والآيات كما في المصحف العثماني .
تقديم الموعود الأول وتأخير الثاني في سياق خطاب منكري بالغيب
تقديم الموعود المتأخر وتأخير الموعود المتقدم في سياق خطاب المؤمنين بالغيب
دلالة الوعيد في الكتاب المنزل
دلالة الوعد في القرآن
فعل الأمر في الكتاب
فعل الأمر في القرآن
صيغة الاستقبال
ثالثا : الخطاب والتكليف
ـ خطاب الأعلى يشمل من دونه رتبة
ـ خطاب الملائكة والنبيين
ـ خطاب النبيين
ـ خطاب الرسل
ـ خطاب الذين آمنوا
ـ خطاب المؤمنين
ـ خطاب الأمتين قبلنا اليهود والنصارى
ـ خطاب أهل الكتاب ويشمل منافقي الأمة
ـ خطاب الذين أوتوا الكتاب يشمل خواص الأمة
ـ دلالة خطاب بني إسرئيل
ـ دلالة خطاب بني آدم
ـ دلالة خطاب الناس
ـ خطاب القرون الأولى المبتلاة بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء
أصول أو قواعد للتفسير تبينتها بالاستقراء أو باستنطاق كل موضوع على حدة فإذا بها تطرد ولا تنخرم لها فروع يهتدي بها الباحث إلى أن القرآن العطيم أعظم مما تخيله المفسرون ، تتراءى بها معانيه أكثر عمقا ودلالة ليعلم علم اليقين أنه لم يؤت من العلم إلا قليلا .
إن التفاسير السابقة واللاحقة لن تحيط علما بتفسير القرآن وبيانه لأن من القرآن غيبا كلفنا بالإيمان به جملة وذكرا من الأولين ونبوة نبّأ الله بها وأمثالا ضربها للناس لا يتأتى تأويلها ولا إيقاعها قبل أن تصبح شهادة في آخر أجل الأمة .
وهكذا كانت حاجة الأمة إلى أصول تتبين بها وتستنبط من هداية القرآن ومعانيه ودلالاته .
يتواصل
طالب العلم
الحسن