ديناميكية الشخصية في نص ( سكرات أنثى ) للكاتبة نجلاء نصير

ديناميكية الشخصية في نص ( سكرات أنثى ) للكاتبة نجلاء نصير
نجلاء نصير أديبة متمكنة ولها إبداعات كثيرة ومتنوعة في مجالات القصة وكتابة المقالة والقصيدة النثرية
هذا النص الذي بين أيدينا عبارة عن قراءة نفسية لشخصية البطلة والذي استطاعت من خلاله الكاتبة نجلاء نصير
التوغل عميقا ، لسبر أعماقا سحيقة لامرأة تخلق منها الغيرة شخصا آخر وترسم لنا بدقة تداعيات حالتها النفسية وسلوكياتها العدائية
النص
سكرات أنثى بقلم :نجلاء نصير

جسدي شاهد على خطاياي،وكيف تحولت إلي دمية في يد رجل ،حرك خيوطها ،كيفما شاء،
كنت أشعر بيده وهي تلتهم
جسدي،شيئا فشيئا ، استغل ألمي في استباحة جسدي بأن أطال جلسات العلاج ،وتطرق معي في أحاديث
جانبية ،جذبني إليه بشتي الطرق ،حاصرني بمكالماته التليفونية،ليلا ونهارا،وقعت في شرك الصياد الماهر ، كما ظن هو
لكنني لم أكن مسلوبة الإرادة كما تدعي أخريات،فأنا لست ضحية ..ربما أكون ضحية أحمر الشفاه الذي كان يرصع قميص زوجي و العطور النسائية المتعددة بتعدد نسائه
نعم أردت أن أثور علي المجتمع بعاداته وتقاليده الذي أباح للرجل تعدد العلاقات وتحريمها علي المرأة ربما هذا ...
وربما كانت محاولة مني لأكون بطلة قصة شاب في هواها المحب وأصابته نيران البلبال،فالصياد ظن أنه أوقع بفريسة جديدة وحقق انتصارا،لكنني أنا من أوقعت به بإرادته لأكون إحدي بطلات القصص الخرافية التي تلوكها النساء عن هذا الطبيب الذي يعيش حياته كرحال يهيم بين النساء كالفراشة يرتشف من الزهور الرحيق وينساها،
كنت أدرك أنني رقم في حياة شهريار فقد اعتاد أن يمنح كل عشيقة من عشيقاته رقما إلا أنا فقد جعلته يمحوكل الأرقام ،وأقسم ألا امرأةغيري تمنى أن يتوب علي يديها ويضرب بالحائط كل الأعذار راوغته ،وجعلته يدمن رؤيتي ،ويشتهي اللقاء الذي لم ينل فيه غير هنات ،كنت بداخلي أريد الثأر من كل رجل خائن ، مسني الشيطان وتلاعبت بأنوثتي ووعدته بالمكافأة التي يتمناها لكن بعد أن يخلصني من زوجي
للأبد معللة له أنه من يحرمنا اللقاء ،وبعد أن تأكدت من ولاء هذا الطبيب الشيطان بدأت في تسجيل مكالمات العشق والهوى التي كان يطاردني بها ،وتهديداته بقتل زوجي ،ومن ثم انهرت أمام زوجي وارتديت معطف العفة ،بكيت بين يديه ... دفنت رأسي بصدره وقلت له: حبيبي ،هذا الطبيب يطاردني في كل مكان ،أصبحت أخشى عليك منه،
،أقترح أن نسافر بعيدا عنه ،فأنا لم ولن أخونك.....
كاد زوجي يفقد صوابه واستشاط غضبا وغيظا وأخرج مسدسه أمامي وخرج مسرعا،فقمت بالاتصال بالطبيب أحذره من زوجي الذي قرأ رسائله وقرر الانتقام منه..
والتزمت الهدوء الماكر ،حتي دق جرس الباب لتعلنوا مقتل زوجي والطبيب .


الكاتبة نجلاء نصير واحدة من الكاتبات اللواتي لهن حضور مميز لها نشاطات مختلفة في أدب القصة والمقالة السياسية والاجتماعية وأدب الطفل تنناول هنا واحدة من النصوص التي أثارت وجهات نظر متعددة حولها ، أخذت الجانب النفسي من النص وعالجته وفق رؤيا علمية (سيكلوجيةحتى لايغمط الكاتب حقه بتقييم النص عشوائيا
فالنقد ليس طريقة تنظيرية بل هو عملية تفكيك وتحليل للنص وفق رؤيا جديدة تكتشف مكامن الضعف والقوة فيه ، أحببت أن أجمع بين التنظير والتحليل لأعطي صورة واضحة لنصها الجميل ،
، البطلة هنا لم تكن امرأة سوية فهي مريضة بواهمة تندرج كحالة مرضية تحت مسمى ( الغيرة الزوجية الذهانية ) إن الأمراض النفسية لا يحتاج أصحابها إلى مبررات لكي يقدموا على أفعالهم وإلا ما المبرر الذي يجعل الأب يقتل أولاده وقد أشارت الأستاذة نجلاء إنها كانت تراجع طبيبا وواضح إنه و من خلال تعدد الجلسا
((بأن أطال جلسات العلاج ،وتطرق معي في أحاديث
إذن من سياق الحديث إنه كان معالجا نفسانيا ،
ظاهرة الغيرة الزوجية

pathological jealousy
تبدو ظاهرة غير مرضية حيث تخدع المعالج والمجتمع بأن المريض شخصا سويا وأنه يتمتع بكامل قدراته الجسمانية والنفسية لكن يبقى هناك كتمان وهمي لتلك الغيرة قد تؤدي إلى محاولات عدوانية انتقامية كالقتل ، أو محاولات الانتحار للتخلص من الضغوط النفسيةالحادة حيث الشعور باليأس والقهر ،
هذا في حا لة أنها مصابة بدالة مرضية
أما كون المرأة تتعامل مع واقع تعيشه ولم يكن وهما ، فتختلف ردة الفعل من شخص إلى آخر حسب درجة الوعي والتقبل النفسي والثقافة والارتباط العاطفي بالزوج فكلما زاد الحب كلما تكون الغيرة أشد فتكا ،
و ربما للثأر للكرامة المجروحة ردة فعل مغايرة تتحكم بها قدرة الفرد على السيطرة على سلوكياته وانضباطه النفسي ،
وتأتي وفق ردود أفعال متباينة ، ربما التخطيط( بالخيانة مقابل الخيانة ) ، أو الانتقام من العشيق أو العشيقة ، أو الانتحار، لذا فنحن أمام عالم خفي من ردة الفعل الناتجة من تجربة انفعالية مؤلمة ، تشكل (الديناميكية) الشخصية فيه لغز لا يمكن التكهن به . و بناء على ذلك يعتبر علم النفس علما افتراضيا، إذن فالقاص لا يمكن أن يعطي الحلول التي تتواءم مع شخصية معينة فقد تكون وجهة نظر المتلقي صحيحة مئة بالمائة لأنه بنى استناجاته من زاوية قد تكون لشخصية أخرى، ولكن وجهة نظر أ .نجلاء صحيحة أيضا فهي تتناول شخصية مرضية تختلف قوى الردع والدفع ، فالقوى الرادعة هي القوى المسيطرة على الأفعال في حين تكون القوى الدافعة هي القوى التي لايمكن السيطرة عليها فتخرج على شكل أفعال عدائية أو إحباط نفسي . أو محاولة إيذاء للنفس
تبدأ القاصة بمحاولة عرض للنتيجة التي أوصلت البطلة إلى حالة من الاستسلام الطوعي بإرادة واعية تحركها إلى الطبيب الذي كان يعالجها ، لكن ثمة قوى رادعة تحول دون اكتمال الفعل وبمعنى آخر إن جانبا من شخصيتها مقتنعة بردة الفعل وجزء آخر يرفض ، لذا جاء كلام القاصة وفق مفهوم نفسي علمي صحيح
(جسدي شاهد على خطاياي،وكيف تحولت إلي دمية في يد رجل ،حرك خيوطها ،كيفما شاء،
كنت أشعر بيده وهي تلتهم
جسدي،شيئا فشيئا ، استغل ألمي في استباحة جسدي بأن أطال جلسات العلاج ،وتطرق معي في أحاديث
) استسلام تام ( للذات الدنيا ) ولكن الذات العليا تقول( هذا فظيع ) فتهيأ لها إنها نصبت شباكها للدكتور .لكنها جزء من محاولة إرضاء الذات وفق رغبات مكبوتة لمتطلبات ( الذات الدنيا )التي لم تستطع ردعها فاستسلمت ليد الطبيب كما جاء في البداية
(،جذبني إليه بشتى الطرق ،حاصرني بمكالماته التليفونية،ليلا ونهارا،وقعت في شرك الصياد الماهر ، كما ظن هو
\ ) ولكن الكاتبة تعطي مبررا لما ستقدم عليه بتعليلها الذي هو محاولة استبدال وظيفي فالرجل باعتقادها أتيح له أن يمارس التعددية في العلاقات في حين حرمت المرأة منها ، وكأنها تريد أن تعاقب المجتمع أو تثور عليه ، لهذه الازدواجية في التعامل والكيل بمكيالين، وهي هنا لا تنسى كونها امرأة ولها وضائف بيولوجبة مغايرة للرجل وإن العرف الديني والاجتماعي قد وضع حدودا للمرأة لا يمكن تجاوزها ، وكذلك الرجل لكن ضمن شروط أخف ،وببدائل كثيرة منها شرعية الزواج بأكثر من واحدة ، يقول( البروفسر كارفر) إن التنازع صفة أساسية في البشر ، ويرجع هذا التنازع إلى استحالة إشباع الحاجات البشرية كلها ، وحب الإنسان لذاته أكثر من كل شيء ، وكلا من الرجل والمرأة يمتلك هذه الخاصية ، ويبقى الرادع الذاتي والاجتماعي والديني هو من يحول دون أن تطغي الظواهر السلبية في العلاقات الزوجية أو ما تسمى ب
(العقد الرومانتيكية) وهي ظاهرة اجتماعية سببها النضوب العاطفي ،فكل لذة تتناقص تدريجيا مع مر الأيام إن لم تجدد
ويكون بديلا لها الشكوك والأوهام والبحث عن البديل
إنها لم تعرف سبب اختيارها لهذا الطبيب أهو شبيه لزوجها في تصرفاته وأفعاله الدونية
، أم إن هناك رغبات مستترة داخل شخصيتها ، فهي تريد أن تكون واحدة من عشيقاته تلوكها ألسن النسوة ، وهي محاولة للتكيف مع مبدأ التعويض عما لحق بها من إحباط نفسي ، وإن ما تخطط إليه هو حالة منفصلة عما يدور في عقلها الواعي لأنها تسلك سلوكين متضادين في آن واحد فهي تريد الانتقام وبذات الوقت تحاول أن تشبع غرائزها ( الإحساس بمبدأ اللذة ) ولا يشترط أن يكون إشباعا للغرائز الجنسية فقط فالسادية نوع من العقد يوصل الفرد إلى مبدأ اللذة عن طريق تعذيب النفس ،
هي رسمت خطتها المزدوجة وفق مخطط يبقى رهين الصدفة فهناك عدة احتمالات يمكنها أن تحول دون أن ينفذ مخططها ، لأن الرغبة في القتل لم تكن هاجس الزوج فهي وليدة لحظة انفعال آني
قد تتبدد كل طاقة الشحن المتولدة لديه وهو في الطريق ، وبذا يعدل عن فعلته ،أو أن يتصل بالشرطة ويطلعها على المكالمات ليفوت عليها فرصة الانتقام وتكون هي الضحية ، فهي لم تنصب شراكها بشكل تصل فيه إلى الجريمة الكاملة ، كما إن أشخاصا مثل الدكتور عادة ما يكونون أشخاصا غير انفعاليين ولا يقعون فريسة سهلة للأفعال العدوانية وهو وحسب القاصة زير نساء
(هذا الطبيب الذي يعيش حياته كرحال يهيم بين النساء كالفراشة يرتشف من الزهور الرحيق وينساها، )
لذا فإن النهاية جاءت مسألة افتراضية لا تعتمد ذكاء وفطنة من قبل البطلة بل إن القاصة أرادت أن تعطي حكمها هي ليكون عقابا لكل من تسول له نفسه الخيانة ، وهي رواسب ذاتية لها أسباب كامنة في حالة اللاوعي كما حللها( فرويد ) ضمن منهجه التحليلي فحتى الإبداع في أي من مجالات الأدب والفنون ، والعلوم هو خاضع لطرق التحليل النفسي
الشكل البنيوي للقصة
لم تكن القصة من النوع المعقد أو المركب فهي اعتمدت الحوار الدرامي الداخلي وبنت
أساسها على عقدة واحدة . وارتقت بالحدث بشكل
تصاعدي وعلى وتيرة بطيئة الوقع
من دون إسفاف ولا زيادة فقد كانت القصة مكثفة بشكل يتناسب وموضوعها فهناك اقتصاد باستخدام الجمل التصويرية والفكرة ،رغم تكرارها لبعض الكلمات إلا إن ذلك لم يخل ببناء النص ،لأن وحدة البناء كانت متينة ،لكن هناك إرباكا في التصوير البلاغي لجملتين بدتا كمتناقضتين مع الحقيقة المفترضة برأيي كان يجب الانتباه إليها
(كنت أدرك أنني رقم في حياة شهريار فقد اعتاد أن يمنح كل عشيقة من عشيقاته رقما ) ثم تستدرك (إلا أنا فقد جعلته يمحي كل الأرقام
) لذا كان من المفروض أن يكون التصوير بهذا الشنت أدرك إني سأكون رقما في حياة شهريار ،فقد اعتاد أن يمنح كل عشيقة له رقما ، لكنني جعلته يمحي كل تلك الأرقام ) والجملة الأخرى
((وارتديت ثوب العفة)
، هي في قرارة نفسها لم تخن زوجها بل كانت تدافع عن كبريائها الممتهن لذا فأن هذه الكلمة توحي بأنها فرطت بنفسها فمن الأسلم أن تقول( ثوب البراءة )
ليعطي الجملة اختيارا دقيقا للكلمة المناسبة
ويبقى النص له سماته وخصوصياته وجمالياته العائدة لأسلوب القاصة نجلاء نصير الرشيق في القص
ومقدرتها على السرد الواقعي والعميق مما يعطينا الثقة بأن ( الساحة لم تكن ولن تكون خلوا من الإبداع