بورصة

أعماه الطمع وحب المال فانخدع بالكلام المنمق المعسول من ابن أخيه الذي أقنعه بأن يستثمر له أمواله مقابل أرباح خيالية. وهكذا وعلى مدار سنتين صار يأتي بالمال لابن شقيقه من الغرباء ويتعهد لهم بأنه مسؤول عن أي خسائر قد تحدث .
وكلما حذره أحد المعارف من عواقب الطمع وأن الولد سيورطه أخذ يدافع باستماتة عن المستثمر الفذ الذي يجيد كسب المال، يبيع باخرة محمّلة بالحديد في المحيط الهادئ ، ويشتري أخرى تبحر في الأطلسي محملة بالنفط ، وفجأة بدأ المستثمر الخطير بارتياد المسجد كل صلاة وأطلق ذقنه وأغلق هاتفه المحمول ، شعر الناس بالقلق على أموالهم فبدأوا بمطاردته ، وفي ليلة ظلماء ضبط المحتال يهرب كالفئران من أحد الأنفاق ، أعادوه ليحققوا معه ، وبينما كان يعترف بخطته الجهنمية للاحتيال كانت الناس تلتهم كل ما تملكه عائلته ، خاصة عمه الذي كان يتعهد لهم بالسداد ، فأضحى الكل مفلسا والشيطان يقهقه جزلا على طمع بني آدم .


بيت الله !

ما أن انتهى الناس من صلاة الجمعة حتى وقف رجلٌ عجوز تبدو عليه علامات المرض والوهن ، وأقسم بالله أنه لا يملك مالا يشتري به ما يقيت أبناءه ، راجيا المساعدة ، فجأة برز رجلٌ من السطر الأول في المسجد ليصرخ به : ويحك ، انصرف ، المسجد للعبادة وليس للتسول ، نهره وطرده خارج المسجد ،استهجن الناس فعل الرجل الذي كان للتو يتصدر المصلين والذي نسي قول الله عز وجل " وأما السائل فلا تنهر" لكنهم خافوا من الرجل الآخر الذي يبدو عليه النفوذ والسطوة ، فوقف أحد المصلين غير آبهٍ بأحد ، وأخرج محفظته ومنح الرجل بعضا منه ، ومضى بثبات تحيطه نظرات الرجل الفظ وكأنها وعيدٌ بالانتقام ، وما أن فعل حتى انطلق الكل يخرج ما تيسر ويعطي العجوز المحتاج وكأنهم كانوا ينتظرون أن يتجرأ أحد ويخالف ما أمر به فضيلة المرعب! .




حمار ثورجي

استيقظ حمار ثورجي على رنين الهاتف ، مد يده والتقط السماعة ،، سمع صوتا دافئا يطلب منه تصريحا عن ليلة الأمس ، لم يكن يعلم أن عدة مواقع قد قصفت وأن شهداء قد سقطوا ، ولم يستوعب شيئا سوى الصوت الناعم وليلته الحمراء فقال عبر الهاتف:
نعم ، كانت ليلة حامية جدا ، لم نتوقف عن الرد والصد ، والدفاع والهجوم ،واستطعنا أخيرا إطلاق ثلاثة صواريخ ولكن العملية استغرقت وقتا طويلا حتى تمت بسبب صعوبات تكتيكية للوصول للهدف .
أتاه الصوت : هل تتوقع سخونة أكثر في الساعات القادمة ؟
تثاءب وأجاب : لا أعتقد ذلك فالميدان الآن هادئ ونحن بحاجة لاستراحة محارب ، ربما في ساعات الليل يتغير الموقف إن توفرت الظروف الملائمة .. سننتظر ونرى ..
أغلق الهاتف ، وعاد ليغط في نوم عميق .


الشاعر المنفوش

دعوهُ ليحضر أمسيةً شعرية ، فأتى كالقط المنفوش يتبختر مختالا بِصيتِ مخالبه الجارحة ، وما أن بدأ الشعرُ يُتْلى
حتى بدأ يموءُ يتمتمُ لا يعجبه ولهٌ أو غزل ، لا يرضيه مدحٌ أو قدح، ولا يسكته وجل .
حتى ختم الشعراء قريضهم مضى للحلبة يَسِنُ مخالبه وأخذ ينهش حَسنَ القول بسوءِ ملافظه ، ورصيد ما حفظه من جمل ، وحين عاتبوه على إجحافه هاج وماج واتهمهم بحب الدجل ، فأتاهُ أحد العارفين بحقيقته
وهمس بأذنه كلمتين ، فانكمش القطُّ و فَرَّ من المكان على عجل .


الانتصار

في منطقة تسمى عزبة عبد ربه والتي هدمت بالكامل تقريبا في الحرب على غزة
وتعرضت لقصف عشوائي هائل من طائرات ومدفعية الاحتلال ومعظم أهلها يقبعون في الخيام بعد توقف النار وعدم انقشاع الدماء والبؤس
أوقف الصحفي ذو اللحية المشذبة عجوزا في الثمانين من العمر وسألها : يا حجة ما قولك في انتصارنا العظيم على أرض الرباط ؟
فقالت العجوز بكل عفوية : يا ولدى في انتصاركم هذا هدمت العزبة وبقي عبد ربه ، وفي الانتصار القادم يفنى العبد ولا يبقى إلا ربه ، فلا تتعجلوا انتصارا آخر أرجوكم .