قصة ورؤيا نقدية
قصة الكاتبة رشا أحمد السيد
هذا النص منشور في ملتقى الأدباء والمبدعين
العرب وهو للقاصة المبدعة رشا السيد أحمد وكان واحد من النصوص المميزة التي أثارت انتباهي فكتبت عنه هذه الرؤيا

النص
------------
ليل وملائكة

دون كيشوت : ألم يحن الوقت لبزوغ الفجر يا سانشو ..
لقد أصابتنا كآبة طويلة الأمد
لا أرى فيها إلا ليلاً ورماحا ً تقطر صرخات المعذبين
،
،
سانشو : بعد طول شرود .. وكيف لي يا سيدي أن اجعل الفجر يبزغ سريعا ً ؟؟

دون كيشوت : لم أقصد سواد الليل أيها الذكي
قصدت سواد ثياب تتراكض في كل مكان
تداهم كل المخلوقات فجأة مدججة بلغة القتل
قصدت سواد الإسفلت الذي بات يسكن الماضين فوقه
سواد القلوب الذي يحاول أن يلتهم وجه النور
سواد الحديد المتقاطر في الشوارع بوما ً ينعق بالخراب
ينقض على كل الطيور الجميلة على كل العصافير والعنادل الصادحة
،
سانشو : ولكن يا سيدي يلزمك مصباح علاء الدين
وكل أقارب الجني الذي في المصباح
ويلزمك سيكلوجيا زمنية جديدة ... فكل الطاولات المستديرة لم تصل لنتيجة
ويلزمك مايكل أنجلو لينثر ملائكةً هنا وهناك في اللوحة
عله يلفها شيئا ً من الملائكية التي تنثر الرحمة في أرجاء القلوب
ورامبرانت فهو من أبرع من نثر الضوء في اللوحات

دون كيشوت : ولكنك تعقد المسألة يا سانشو من أين لي بكل أولئك الآن
ونحن في أرض ممنوع بها التجوال حتى خارج نفسك ؟؟؟؟!!!

سانشو اليوم هو عيد الميلاد المجيد
ويقال حسب معلوماتي بأن السيد المسيح سينزل شرقي جلق
ما رأيك أن نصلي في هذه الليلة المباركة
عله يتنزل ملك السلام ولو أن الوقت أسود من جهاته الأربعة ؟؟؟؟

لحظة وجوم تخيم عليهما من إرباكات أصوات ترهق حد الوقوف بوجوم لمدة بلا نهاية

سانشو : يا سيدي ...
،
أرى أن تثمل برائحة البارود التي تعبق في رأس الليل
علك ترى ملك السلام ، يهبط فأني أرى المكان مزدحما ً بالسواد
فلا مكان يتنزل فيه
دون كيشوت : إذا ً سأدعو وحدي ولو على نسيمات أمل
سانشو :هل أشاركك ياسيدي
؟
؟
؟ .
الرؤيا النقدية
اعتمدت الكاتبة على ما يشبه الحوار المسرحي
أرادت أن تربط تلك الحوارات بتداعيات الواقع من خلال استخدامها رموز لشخصيتي رواية معروفة
وأخرى لفنانين كانا من
أعظم فناني أوربا و من أساطير ألف ليلة وليلة ومن وحي شخصية سيدنا المسيح لتد عم بكل هؤلاء نصها
قد تختلف العصور والأفكار لكن النوايا واحده هي السعي لتطبيق القيم الإنسانية

دون كيشوت ، سانشو ،
بطلي رواية الكاتب الإسباني ميشيل دي سرفانتس الأول كان رجلا في الخمسين من عمرة قرأ الكثير من الروايات والأساطير
عن الفرسان الجوالين الذين أرادوا أن ينتصروا للضعفاء والمساكين والفقراء فقاده جنونه إلى أن يحارب طواحين الهواء لأنه كان يتصورها شياطين تمنع عليه تحقيق أهدافه
أما سانشو
فكان فلاح بسيط ساذج اعتمد على وعود كيشوت لتحقيق أحلامه فأصبح تابعا له
مايكل أنجلو
واحد من اكبر رسامي ونحاتي أوربا أستطاع
أن ينجز أعمالا غاية في الروعة وقد ترك أثره الإبداعي (على مر العصور )انطباعا أبهر كل عشاق الفن ومعجبيه
أما رامبرانت
فهو الرسام الكبير الذي عالج بلوحاته نظريات الظل والضوء ،
كانت لديه أفكارا إنسانية وتأملات حول مصير الجنس الإنساني
ومن ثم استخدمت شخصية علاء الدين ومصباحه السحري والمارد كرمز لاستحالة التغيير التي يمكن
أن تنتشل الواقع من هذه السوداوية التي صورتها الكاتبة .. و أخيرا وبعدأن يكون الأمل بحدوث التغيير مستحيل
أذن فليس هناك من سبيل غير قدوم المنقذ مخلص البشرية متمثلة بسيدنا المسيح
تستهل الكاتبة قصتها بالسؤال عن موعد مجيء الرمز (الفجر ) الذي يمحي الظلم ويشيع النور
وهو مدخل رائع استطاعت أن تنقل هذا السؤال لأذهاننا ما نوع الفجر الذي ترومه الكاتبة ..؟. الجواب الذي جاء على لسان دي كيشوت
ولكنها غلفته برمزية عصرية وظفت بشكل جميل لذا جاءت الأسئلة كتفسير لما نريد أن نعرفه نحن أيضا

قصدت سواد ثياب تتراكض في كل مكان
تداهم كل المخلوقات فجأة مدججة بلغة القتل

هذا الفجر الذي يجب أن يبدد كل ما هو أسود وينزع عن الأجساد ا( ثياب الحداد )التي أجبر الناس أن يلبسوها دون سابق إنذار كلما سقط شهيد ، كلما سقط لواء دفاعا عن هذا فجر

قصدت سواد الإسفلت الذي بات يسكن الماضين فوقه

هذا الإسفلت كثير هم السائرون عليه ولكن الكثير منهم قد رحل ، رحلوا بعد أن أدوا رسالتهم كانوا سكانه الذين لا يفارقونه افترشوه يوما
باتوا على أسفلته في ظلمة الليل الداجي ينتظرون
انبلاج الفجر ثم أصبحوا في عالم آخر ،
استخدمت الكاتبة زمني الماضي والحاضر بتضافر ينسجم وشكل النص

سواد القلوب الذي يحاول أن يلتهم وجه النور
سواد الحديد المتقاطر في الشوارع بوما ً ينعق بالخراب
ينقض على كل الطيور الجميلة على كل العصافير والعنادل الصادحة

ومضة جميلة جدا وظفت باتقان واقتدار لتعطينا من رموزها دلالات واضحة ومتممه لتساؤلات ما عناه دون كيشوت بهذا اللون الأسود
هذا اللون الذي أرخى سدوله على كل ماهو إنساني جميل يحول الفرح إلى حزن يحيل النور إلى ظلام والأحلام لكوابيس و حين تتقاطر
تلك الشظايا التي تحمل نذر الموت على أولئك الشباب
والذين شبهتهم بحمامات السلام والعصافير والعنادل فكل تلك ا لمرموزات تنطلق من مفهوم واحد هي الوداعة والحب والجمال بالضد منها
يظل البوم الذي يرمز للقبح والفأل السيئ جاثم على النفوس يقتل تلك الحمائم
وكأن الأمل تلاشى وكأن كل الأحلام لا تعيش الا في قوقعة رأس محمل بالهموم ، سانشو يقول لسيده يلزمك مصباح علاء الدين لكي نغير هذه
الصورة القاتمة للعالم المهووس بالقتل والخراب والدمار ، ليس من السهل أن تلغي ثقافة التغيير بالقوة وأن تقيم على أطلالها ثقافةالحب و التسامح
.. وحين أيقن كيشوت أنه من غير المعقول أن يحضر كل هؤلاء للتغيير المنشود وفي قمة يأسه طلب من صاحبه
ان يدعو لحضور المسيح كي يبدد هذه الظلم
القصة غارقة في يأس قاتل بارقة أمل بذلك جعلتها تنظر إلى عملية التغيير وكأنها عملية مستحيلة أشبه بضرب من الجنون ،
فأسلمت بطلها إلى حل أخير هو الدعاء لظهور المسيح المنتظر

ويقال حسب معلوماتي بأن السيد المسيح سينزل شرقي جلق
ما رأيك أن نصلي في هذه الليلة المباركة

ورغم هذا النزول والذي يفترض أن تكون بأرادة ربانية لكنها ظلت ترى بعين الريبة و التشكك في تلك الإرادة أو القدرة
(وهو من باب المبالغة لامن باب اليقين المطلق باستحالة قدرة الخالق )
حيث تقول

علك ترى ملك السلام ، يهبط فإني أرى المكان مزدحما ً بالسواد
فلا مكان يتنزل فيه

ولكن حتى هذه السوداوية وهذا الظلام الدامس الذي يكتنف الحياة هناك بصيص أمل
قد نجده يوما ما وربما هذه النهاية هي التي أنقذتها من مطب التعتيم الكامل الذي أصطبغ به النص من بدايته وحتى آخره
الكاتبة رشا أرادت أن تقول شيئا مفاده .إن الظلام مها أكتنف محيط العالم فهناك بصيص أمل وهو حقيقة لابد من الإقرار بها
ولكن الأماني والصلاة والتضرع لا تخلق التغيير (ومن يتهيب ً صعود الجبال فليعش أبد الدهر بين الحفر ) لذا لابد أن يكون هناك
حث دائم لصنع هذا التغيير ولابد من دماء لأن الطغاة لن يسلموا عروشهم بسهولة وإلا ما كانوا طغاة
النص جميل ومؤثر وهو بحاجة لفك بعض من ضبابيته وقتامة مشاهده علما كلمة سواد ذكرت 9مرات وهذه الجملة كررت مرتين
(عله يتنزل ملك السلام ولو أن الوقت أسود من جهاته الأربعة ؟؟؟؟ )
(علك ترى ملك السلام ، يهبط فأني أرى المكان مزدحما ً بالسواد فلا مكان يتنزل فيه)
لينتهي النص عند فسحة صغيرة من الأمل