أصابعه النحيلة، كأنها سنابك جرّافة يغرزها بقوة في كومة دمار هي ما تبقّى من بيته..
اقتربتُ منه بحذر.. سمعت همهمة.. ربما بكاء.. ربما بحّة ناي حزينة.. ربما غناء..؟
أصابعه مذعورة، لا تتوقف عن الحفر عميقاً في بقعة واحدة، وكأنه هو الذي أخفى فيها ذلك الذي يبحث عنه.
فجأة.. توقفت حركته.. سحبت أصابعه من قلب الركام.. نصف دمية..!
رفعها إلى فوق ينظر إليها بصمت.. ودهشة..!
فجأة.. صوّب نظرات عينيه نحوي، كأنّه سدّد بين عينيّ فوهة بندقية.. لمحت في حزن عينيه المقهورتين بريق دمعتين وقفتا حدّ الطوفان، رأيت على صفحة مرآتيهما ملايين الوجوه السمراء خرساء تتفرّج..
قبل أن يبعد البندقية عن وجهي سقطت الدمعتان على وجنتيه، ثم أشعلتا ناراً في كومة الدمار..
عاد ينظر إلى نصف الدمية.. كأنه يبكي.. كأنه ناي زادت بحّاته.. كأنه يغني..!
رفع نصف الدمية.. رفعها على مدى مدِّ ذراعيه الصغيرتين.. عالياً.. عالياً.. أصبحتُ أشاهِدها من وراء الصحراء.. والصحراء.. والصحراء..
صرخ بأسى ذابح ألهب رمال الصحارى كلّها:
قتلوا السندباد..
ع.ك