( لصٌ في الدَّهْس )
------------------------
في المكان السهل..
تتربَّصُكَ الرصاصات...

أيـُّها الـلـًصُ.....
انتبه!
المدرسة عجوز بلا عكـَّـاز وبوصلة الكتاب عصارة مُرّة.

سأقولها لكم:
- حدّقوا في الخناجر،،لم تتغيَّر الحكاية ،، الشكل فقط أخذ وجهاً تكنولوجياً

كيف للإنسان أن يصبح حيواناً كاسراً؟؟

ربَّما شريعة الغاب اقتضت ذلك..إذاً،، لا بأس إن افترستك الكواسر،، أيها اليتيم الصارخ في داخلي ،، تكحـَّل باليتم وبالصبر وسرْ حيث أسير.

نصف يومي أقضيه في الطرقات،،والنصف الثاني في المزابل..

مَن وهب درع التكريم للقائمين على رعاية أطفال الشوارع أو الاهتمام لم تتقلص معدته جوعاً ولم ينزف جرحه وهو يبحث عن خبز يابس محشور بين القناني القذرة، يمسح عنه الأوساخ ويلتهمه.
سيتصدقون عليَّ بنظرة ويتركون أمـِّي المريضة بالسعال تنتظر عودتي إلى غرفة من صفيح.

تسعل دماً كلما انتابها الخوف على طفولتي ،، تنهض مثلي بنصفين ،، نصف هزيل بانت نتوءات عظامه، ونصف أكله السعال،، لنا الأنصَاف ولهم الكل.

تزحف بنصفها الهزيل وتتوسط مزلة قريبة من كوخ الصفيح... تحفر بنصف عظام ناتئة ونصف تقرَّحت سبله في البحث عن لعبة لأختي الصغرى كي يصمت صراخ الجوع في بطنها.

هي الباقية لي،، احتفظت بها أمِّي في بطنها،، كانت وقتما مات أبي وأخوتي الثلاثة بانفجار في سوق الخضار خارج البيت،، تغسل الملابس في بيت مدير الشرطة وحامل بشهرها السابع.

رحم الله أبي ، رغم شلله كان ينزل السوق بعربة من الخشب يدفعه أخي البالغ عشر سنوات وينزل به السوق ليبيعان الخضار ( الكرَّاث والفجل والبصل الأخضر) ويرجع مع باقي أخوتي بقليل من ربح يقتسمه بين شراء الخبز وشراء الخضار ليوم ثان.. كان عمري خمس سنوات لذلك تعطـّف عليَّ عمري الصغير في البقاء مع أمي لتأخذني إلى بيت مدير الشرطة .

تتحصن بدموعها وتغسل ،، وزوجة المدير تصرخ بها وتشتم زوجها كونه لم يعاقب الشرطي الذي تأخر في جلب الغسَّالة من التصليح.
غنية تهذي وتذرع المطبخ:
- لو لم يتأخر الشرطي في جلب الغسالة من المصلح لوفرنا ثمن هذه الملعونة التي تغسل بيدين نحيلتين.


حين ذهبوا ولا عودة..
لم يكن حصن الدموع واقياً أو كافياً للمّ شمل حزنها .. زوج وثلاثة أولاد في لحظة واحدة،،أي فقد هذا وأية دموع تتحصن بها امرأة تنتظر طفلاً سيرى الدنيا وبخضنها طفل يتعلق بثيابها خشية فقده الطريق كلما توجها صوب بيوت المدراء.

ذات قنبلة،، تهشمت دارنا الأولى ليضعنا رمادها بين يديّ دار من صفيح.
وذات عبوة ناسفة في سيـَّارة ضاع كل شيء لأمِّي .

سمعتُ أنينها الخفوت ساعة الطلق،، أنين،، صراخ،، دعاء،، ورجاء ليد تمتد عوناً في لحظتها العصيبة ،، وأمل برؤية أبي قربها يخفف عنها الألم.. لكن الطلق لم يرحمها ،، ضاقت عليها ساعة الولادة ونزلت أختي مشوهة من نصفها السفل،
صرخة حياتها الأولى كانت برجل قصيرة جداً وكأنها أصبع زائد على جسدها،، ويد يمنى زائدة هي الأخرى عن جسد لدن صغير ... أصبعان فقط،،، حين كبرتْ قليلا صارت تُشير به إليَ لأحملها وأدور بها في الشارع.. طفلان يحاولان اسكات الجوع.

حسدتها كثيراً لأنها ترضع من ثدي أمّي،، نعم حسدتها ورجوتُ أمِّي أن تُرضعني معها ،، لكنها قالت لي:
- بُني... لا حليب في صدري،،أختك ترضع رائحتي فقط وتنام.

ذات قنبلة،، ذات عبوة ناسفة ،،، وذات صدفة عبثتُ في القمامة فعثرتُ على لعبة جميلة جداً، استغربتُ كيف رماها أصحابها في المزبلة..
أسرعتُ بها إلى أختي أفرحها بما ملكت يدي..
قذفتُ اللعبة في الهواء واحتضنتها ،، ثم قذفتها ثانية وثالثة والتقفتها،، في الرابعة التقفها منـِّي شرطي كان يراقبني ولا أدري،، شدَّني من أذني:
- كيف سرقت اللعبة مَن أعطاها لمتسول مثلك؟
- مَن هم أصحابك؟ مَن هي العصابة التي اختطفت الطفلة ( مَي) وهي تلعب قرب دارها؟ تكلم أيها الأجرب قل؟
استعطفته بكل الانبياء والأولياء لم يأبه لتوسلي:
- إسمع... نفس اللعبة في الصورة معي،، قل اعترف كيف تساعد العصابة ،، هل تستدرج الأطفال اليك وعصابتك تكمل الباقي؟

- كم كان نصيبك أيها اللـّص؟
قلت له سيدي: لم آخذ نصيباً من الحياة غير الجوع والفقد وها هي حالتي تصف حالتي والطريق شاهد على ما أقول.

دنا منه شرطي آخر،، انتهزتُ فرصة انشغاله معه وهربتُ منه راكضاً لا أدري إلى أين... ركضتُ وركضتُ ،،، ثم لهثتُ كثيراً وتوقفت لثوان حتى أتصالب قليلا وواصلت الركض..

كان الشرطي يركض خلفي ،، العتبات تركض هي الأخرى،، والبيوت... كل شيء تعب من الركض واستقر في مكان ما إلا أنا ،، لم أتوقف ،،، قدماي غمرهما رملٌ متوحشٌ ابتلعهما وغاصا بين سخونته.

أين أنا لا أعرف،، فقط صحراء تمشي خلفي وصراء أمامي ،، وقعت ،، وجدتها رخوة لا تحتضن صغيراً،، لماذا الصحراء لا تُشبه أية أرض؟
أين أمّي ،،، ماذا عساها تفكر الآن ،،، هل مزقها القلق عليَّ،، هل بها قوة لتبقى ظلاً لأختي المسكينة؟

كيف غفوتُ وغاصت أوصالي في خط حفره جسدي في الرمل ؟؟
السماء تضغط على صدري ،،أراها بنصف عين ،، كلِّي مشلول الحركة وعيني تدور نصف دائرة..
سماء وهبتني النصف في كل شيء،، حتى اللعين حين ضمّني لم ينشقّ بقياس جسدي المتخشِّب...
لن أُدفـَن بنصف شبر أيها اللعين .... ثلاث نقاط هنَّ وصمة عار بوجهك،، أية واحدة منهن لا تصلح أن تصبح خال حُسن على خدك .
أنا الإبن الشرعي للطريق،،وأنت وحشٌ في صحراء على هية قبر.
سأنتصر عليك وأنقـِّي جياع المزابل من العُرج ...أصنع لهم أرجُلاً صحيحة من لحم ودم وليست صناعية،،، فالأرجُل الصناعية للمبتورين الأثرياء،، ولنا السماء الماطرة بالأرجُل..