من المجموعة القصصية( بعضٌ من لياليها)
( ليلة الزائر المؤجّل )
--------------------
1
ما لي اليوم، أشعر كأنِّي كائن ناقص؟
جسدي قاصر على أية حركة من حركاته المعتادة... لن أترك له متعة التملص منـِّي، أنا هو، أنا الجسد المحروم المنغـّص المكبوت الكابت على غرائزه ورغباته، ديمومتي بقدر كبتي وكبح كياني الجامح .. هل أدين وحشية وقسوة أصحاب القرار؟
هم جعلوا انتمائي إلى الضلع... بمعنى الجزء ولست الكل ... ومن الضلع الناقص، جعلوا منـِّي كائن فرجة واستمتاع، لا أدين اليوم، لا ألوم، لكنه يخذلني، يحاول الإفلات منـِّي، ربما لم يعد صالحا للمتعة والفرجة،أو وصل الثقب المنطقي لوهمه... لعله أمسك بخيط فوضاه، بحرية اعتماده على رغبته ورغب بالتخشب أو الشلل... أحيانا الرفض لا يعني الصرخة، بل الموت والشلل خاصة عندما يأتي الرفض من جسد.
دخلتُ تجربة استنطاقه، رفعت يدي، حرَّكت كتفي، قدمي ، ما بالهم اليوم تمردوا؟
حرضتهم مرارا على التمرد والعصيان، لم أحرضهم ضدي،هل فقدتُ حواسي؟ لا أشتـَّم رائحة عطري، لم أعتد مفارقة العطر، أرشه على جسدي وتحت أذني ورقبتي ثلاث أو أربع مرات في اليوم.
مال رأسي وانطوت رقبتي على الوسادة كما لو أن التضاؤل يلغيها.
بدأت أنسى أن لي يدين أتعبتهما في الطبخ وجلي الأواني ومسح البلاط، أين أوعيتي الدموية؟ لا يخفق قلبي كعادته أو بنبض خفوتا ويزفر كسولا.
مازلت أتذكر تحضيري عشاء زوجي وأولادي، شجار ولدي الكبير مع أخيه لأخذه مفتاح سيارته والتجوال في شوارع المدينة الرئيسية من باب حرصه على أخيه الصغير كونه لا يجيد السواقة.
مازالت قـُبلة زوجي ونفـََسه بين شعري. ريقي ناشف اللحظة لم يتحرك بلعومي لبلع الريق ، عطشانة جدا، قدح الماء قريب مني نظرت إليه تخيلته بين يدي. عيناي لا ترمشان، حركتهما قدر المستطاع، السجادة الحمراء، ذاتها اشتريتها قبل البارحة... توسلت زوجي ثمنها وبعد إلحاح يومين جاءني بنصف ثمنها ، أكملته بما ادخرته لمثل هذه اللحظات.
بحلقتُ بحدة حتى دمعت عيناي، استطعت تحريكهما فقط ، قميص نومي الزهري معلق على الحائط ، القطعة الأخرى منه مرمية على الأرض، من عادة زوجي رميه أرضا، لا يحب رؤيتي مقيدة بثوب ساعة جموح رغبته.
لم استطع رؤيته كاملا لان عيني دارت ربع دورة،صوت شجار زوجي مازال يرن بأذني وإصراره على حمل صورة عشيقته في جيبه وقلبه، مازلت أذكر قوله:
- أول يوم تموتين فيه أعلق صورتها على الحائط .
أذكر تماماً يوم موتي الحقيقي وكيف رفع صورة زواجنا من حائط غرفة نومي وعلـَّق بدلها صورتها، كان الإطار قديما والصورة باهتة لذلك وضعتها في مكان مخف مع صور أخرى، لكنه حين وجدها مخفية فزع، وكانت ردة فعله قوية، لهذا علقها بدل صورة زواجنا. بقيت الصورة مدة على الحائط حتى تحولنا من الدار وعلى ما أذكر أنها عشر سنوات.
في المساء أتمنى لو أهدّ غرفة نومي خصوصا حائط الصورة، وفي الصباح أندم لعدم تنفيذي رغبتي، حتى صرتُ سماءً بلا نجوم وصار المنظر مألوفاً، مجرد خطوط سوداء في غرفتي أقرأ سطورها كل يوم وأكتبها ضمن مفكرتي اليومية.
يا ربي أعنـِّي، لساني مال هو الآخر، لم أعذبه أو أرهقه مع الجارات بالثرثرة، ربما كونه محبوسا صامتا أكثر الأحيان لذا تواطأ مع باقي أعضاء جسدي.
زوجي مازال يشخر، نومه عميق خاصة بعد شرب خمس زجاجات بيرة.
فتح الباب رجل يقارب الستين يرتدي منامة بيضاء حاسر الرأس وقف إلى جانبي.
بذلتُ جهدا كي أسأله عن هويته، سال لعابي من شفتي وأزبد فمي، فقط قلت: من أنت؟
سمعته يردد كلامي ويجيب على سؤالي وكأنه سمعني.. أعتقد أنه يجيد حوار الأرواح: جئتُ إليكِ.
بما أنِّي فقدت الإحساس بأي عضو من أعضاء جسدي سال الزبَد على حنكي، قلتُ سأستند إلى رمشي، بإمكاني تحريكه فهو لا يخطئ أبدا، اعتدت اللجوء إليه في أصعب اللحظات وفي حضنه خبأت دمعي كي لا يراه أحد ويتشمَّت بضعفي، الرمش لا يخذل صاحبه، لا بديل لي غيره الآن.