ظلم الأقارب
ظلم الأقارب ظاهرة متفشية، وخاصة ظلم النساء في الميراث وقد ذكرنا آنفاً صورة وتبريراً ظالماً لذلك الفعل الشنيع،
ومن صور الظلم في الميراث في واقعنا –أيضاً- قيام بعض الناس بقسمة التركة قسمة شرعية فيعطي أخوته الذكور حقهم،
أما أخواته فإنه لا يعطيهن شيئاً؛ بسبب زواجهن فلو أعطاهن شيئاً فقد يعطينه لأزواجهن،
فيخرج مالهم إلى أجنبي عنهم فلأجل ذلك يبقى المال عنده يحفظه لهن -على حد زعمه-
وقد يبقى المال عنده سنوات طويلة بل قد تموت هذه المرأة وهي لم تأخذ نصيبها من الميراث وهذا قد نشاهده في وقائع قريبة منا،
والعياذ بالله.
ولا ندري ما سبب هذا الظلم أهو أن هذا الرجل لا يعلم أن الإسلام أعطى المرأة -إذا كانت حرة رشيدة-
حقها في التصرف بمالها كيف تشاء، ولها أن تعطيه من تشاء، وأنه لا يجوز له ولا لغيره أن يقوم بحفظ مالها إلا بإذنها،
وأنه حين يتصرف في مالها بغير إذن منها فإن ذلك يعتبر من التعدي على حقها، والظلم لها فهل هذا الرجل وأمثاله يجهل هذا الحكم؟
أم أن سبب هذا الظلم هو حب المال، وتقديم الدنيا على الدين والعياذ بالله؟.
ومما يشاهد أيضاً في ظلم الأقارب قيام بعضهم بقسمة التركة قسمة شرعية، ولكنه يجمع نصيب أخواته إلى نصيبه،
ويقوم بالمتاجرة بذلك المال كله وهو لم يستأذن أخواته في ذلك بل ولعلهن لم يعلمن بمقدار حقهن،
ثم يقوم بإعطائهن جزءاً يسيراً من حقهن في كل فترة من الزمان وهو يبرر عمله ذلك أنهن لم يطالبن بحقهن
وكأنه نسي الطبيعة التي جبلت عليها المرأة من الحياء الذي قد يمنعها من المطالبة بحقها.
وبعضهم يعتذر لنفسه أنه يسعى لمصلحتهن، ويقال له - كما قيل لسابقه -:
إن ذلك لا يجوز إلا بإذن صريح منهن من غير إكراه فان رضين بذلك فحسن،
وإن لم يرضين فهذا حق لهن ولا يجوز لأحد أن يجبرهن على شيء من ذلك ومن فعل فإنه من الظالمين.
تلكم –عباد الله- بعض الصور التي يكون فيها الظلم في قسمة التركات، وهي منتشرة عند بعض المسلمين هداهم الله.
وكما أن المظالم تكون بين الأرحام بتضييع حقوق الرحم، فإنها تقع بين الزوجين بترك حقوقهما،
وتقع بين المستأجرين والعمال بسبب سلب حقوقهم وتكليفهم ما لا يطيقون. والرسول –عليه الصلاة والسلام- يقول:
(أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ)9.
ولقد وقع من بعض الناس هضم لبعض العمال لمنعهم حقوقهم أو التحايل عليها أو تأخيرها،
أو عدم مخافة الله فيهم وارتكاب ما حرم الله تبارك وتعالى نحوهم، وذلك ظلم شنيع يخرب البيوت ويمحق بركة المال
وينذر بعقوبات لا طاقة للإنسان بها، ومن صور الظلم التعدي على الآخرين بغيبة
أو وشاية أو التشويه بنشر الدعايات زوراً وبهتاناً وغير ذلك من الأساليب الظالمة.
فندعو كلَّ من وقع في شيء من تلكم الأمور، سواء في حق الأقارب أو غيرهم، وسواء كان الظلم في التحايل على الميراث
أو غيره أن يبادر بالتوبة ورد الحقوق إلى أهلها؛ ما دام الأمر بيده وهو في هذه الدار قبل فوات الأوان؛
فكم مات من الورثة خصوصاً النساء وقد حرمن من حقهن طيلة حياتهن،
وبعضهن كانت بحاجة ماسة إلى ذلك لها أو لأولادها، بل وعُلم من حال بعض النساء
أنها قبل موتها تدعو على من ظلمها ومنعها حقها، وقد جاء في الحديث الصحيح عنه -
عليه الصلاة والسلام- قوله: (اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلالُهُ:
وَعِزَّتِي وَجَلالِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ)10.
واحذروا الظلم -عباد الله- أيَّاً كان نوعه، فإن الله تعالى ليس بغافل عما تعملون،
واعلموا أن الظلم محرم ولو وقع على كافر، قال الله تعالى:
**وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ*
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء}
(43) سورة إبراهيم.ويقول –صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ)
11. وفي الحديث اللآخر: (دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ)
12. فإذا كان هذا في حق الأجنبي بل في حق الكافر، فكيف بمن ظلم أخوه وقريبه المسلم
الذي ربما كانت منزلته عند الله خيراً منه؛ بتقربه وطاعته لله، وكان ممن أوجب الله على نفسه أن ينتصر له،
إذ ثبت عن رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ)13.
فبادر -يا أخي- برد الحقوق إلى أصحابها، وأعطِ كل ذي حق حقه، وخذ السماح والعفو ممن ظلمت في هذه الدنيا؛
فهو خير لك من أن يأخذوا منك حسناتك يوم تكون أحوج شيء إليها.
نسأل الله أن يمُنَّ علينا بالهداية والتوفيق، وأن يعيننا على أداء الحقوق إلى أهلها،
وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد،
وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين14.

---------------
1 رواه مسلم -4674- (12/455).
2 رواه مسلم -4679- (12/460).
3 رواه مسلم -46789- (12/459).
4 رواه البخاري -6355- (21/151).
5 رواه البخاري -6893- (22/455) ومسلم -2137- (6/245).
6 رواه البخاري -4318- (14/268) ومسلم -4680- (12/461).
7 رواه البخاري -2125- (8/66) ومسلم -2924- (8/205).
8 بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار للشيخ السعدي (1/150-151).
9 رواه ابن ماجه -2434- (7/294) وصححه الألباني في تحقيق سنن ابن ماجة برقم (2443).
10 رواه الطبراني -3630- (4/108), وصححه الألباني برقم (117) في صحيح الجامع.
11 رواه أحمد -12091- (25/137), وانظر: السلسلة الصحيحة -مختصرة-767- (2/395).
12 رواه أحمد -8440- (17/482), وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب -2229- (2/265).
13 رواه البخاري -621- (20/
مقتبس بتصرف