هذه الأيام ثمة سؤال يطرح نفسه بحدة حول سر التحول الغربي للتعاطي مع الأحزاب الإسلامية في الوطن العربي واعتبارها النظم السياسية الجديدة التي ستقود العالم العربي وفقاً للقراءة الأمريكية والغربية الجديدة لواقع الوطن العربي فبعد سنوات طويلة من العمل في مراكز الاستخبارات الأمريكية والغربية وتدريب العديد من كوادرها لنشر ثقافة كراهية المسلمين في العالم وإضفاء صفة الإرهاب عليه أينما كان وتحت هذه الذريعة دمرت واحتلت دول عربية وإسلامية. والعالم الغربي لتاريخه لايصنف الإسلام كعقيدة مستقلة لها رؤيتها المستقلة للكون بل ينظر إليها على أنها هرطقة مسيحية وانحراف عن الجوهر الديني الصحيح ومع غياب قيم مطلقة يمكن الاحتكام إليها تكون القوة والإرادة الدولية هي الإطار الذي تمركز حوله العالم الغربي وبدأ ينظر إلى العالم الإسلامي والعربي تحديد اعلي انه كيانات استعماليه من حقه التدخل في شؤونها وتوظيفها لحسابه باعتباره الأقوى .
وفي ظل هذه النظرة نرى أن الجيوش الغربية تتحرك لاستعمار هذه الشعوب من جديدو نهب ثرواتها والاستيلاء على مصادر الطاقة والنفط والأسواق لصالحها وبالتالي لم يقبل العالم الغربي يوماً من الأيام قيام تكتل عربي أو إسلامي يقاوم هذا المفهوم الاستعماري ويحمل لواء الدفاع عن القومية العربية ووجودها وتاريخها الحضاري لذلك هي تقاوم هذا النهج العربي والإسلامي بكل ماتملك من أدوات في الخارج والداخل من عملاء وموالين والحلفاء كما يسمونهم .
ونرى أن الضراوة التي استخدمت في قمع الفكر العربي المقاوم قابلها تعاطي مع بعض الحركات الدينية بهدف صرفها عن المقاومة والعمل السياسي والاتجاه نحو فكر العبادة.
ومع تراجع الفكر العربي القومي في العقودالأخيرة تنامت الحركات الإسلامية ودخلت معترك السياسة وبدعم من الغرب على اعتبار إن أحزاب الإسلام السياسي هي البديل عن الأنظمة التي تمانع قيام المشاريع الأمريكية والغربية في المنطقة والتعامل معها قد يكون أقل صعوبة من تلك الأنظمة للأسباب التالية "
1ـ استعداد تلك الأحزاب الدائم للوصول إلى السلطة حتى لو كان الضامن لذلك الغرب الذي يعادي الإسلام ويصفه بالإرهاب .
2ـ تأثير الفكر الديني في الشارع العربي وجذب شريحة من الشباب تؤمن بفكرة تغير الأنظمة العلمانية .
3ـلاتملك هذه الأحزاب نهج تنظيمي وبالتالي هي كثيرة الانشقاقات والتشظي بسبب التنازع على السلطة والمكاسب وتقسيم ا لعالم العربي إلى طوائف وكيانات هزيلة متناحرة فيما بينها وهذا يصب في مصلحة الغرب بالطبع لمزيد من التدخل بحجة الأزمات ت وماشابه ذلك للسيطرة على الثروات وإبقاء التخلف والفوضى عنوان المرحلة .
ولهذا أوصت لجنة الكونغرس الأمريكي الخاصة بالحريات الدينية بأن تقوم الدول الغربية بتشجيع الحركات الصوفية فالزهد في الدنيا والانصراف عنها وعن عالم السياسة يضعف ولاشك صلابة مقاومة الاستعمار الغربي.
وانطلاقاً من ذلك لاتمانع الدول الغربية من وصول تلك الأحزاب للسلطة في بعض البلدان العربية أو الإسلامية والتي ترى أنها ستعمل لصالحه وتحفظ أمن إسرائيل فقد ساندت في السابق الحركات الإسلامية في الوصول للسلطة في أفغانستان أثناء الوجود السوفيتي . وقد دلت المؤشرات الأخيرة لما يحدث في الوطن العربي على أن احزاب الإسلام السياسي قد تجني الثمار من ما سمي بالربيع العربي ففي تونس حصلت حركة النهضة الإسلامية بزعامة الغنوشي على أكثر من 40بالمئة في الانتخابات الأخيرة وسرعان مااعلن الغنوشي أ ن الحركة ستحافظ على علاقاتها التاريخية مع أمريكا .
ومصر هي الأخرى في طريقها لسيطرة الأخوان المسلمين على السلطة . وفي ليبيا يتوقع المراقبين سيطرة الا.سلامين على مفاتيح السلطة هناك .وتسعى الدول الغربية الآن لخلق الفوضى من خلال جماعات إسلامية تعادي الأنظمة القومية العلمانية في المنطقة وبالتالي تمد تلك الجماعات بالمال والسلاح وهنا ينتاب المراقبين القلق من وصول الجماعات السلفية إلى السلطة في المنطقة العربية في ظل التغيرات التي تشهدها المنطقة
أ‌. جلال سفان الطائي