كشف حساب لعام جديد!

استاذة: سمية رمضان**
ام المدني


أمسكتُ بالقلم، وبدأت في وضع الخطة السنوية، بدأت في تحديد احتياجات السنة الجديدة (ثلاجة، غسالة، تلفزيون، مكنسة، ، موبايل، فواتير ، نثريات ، ...).

فقد اعتدتُ قبل بداية كل عام أن أقوم بعمل خطة سنوية (موازنة)، أحدد فيها مصروفاتي وإيراداتي المتوقعة، وهذه الطريقة تسهل عليَّ كثيرًا أثناء العام، فأقوم بتقسيم السنة إلى شهور والشهور إلى أسابيع، والأسابيع إلى أيام، وهكذا أخطط أعمالي بشكل يومي؛ لأتمكن من تحقيق أهدافي بشكل علمي مدروس؛ فإدارة الوقت من أهم أسباب نجاح أي عمل، فالوقت هو الحياة.

وقد أدرك علماء الإدارة أهمية الوقت، فأكدوا أن تخطيط ساعة يوفر أربع ساعات، وهكذا يمكنني بهذه الموازنة أن أحقق خلال سنة واحدة أهدافًا قد يستغرق تحقيقها أربع سنوات على الأقل.

وعندما أمسكت بالمفكرة لأكتب خطتي السنوية خطر ببالي فكرة جديدة، لماذا أضع لحياتي خطة يستغرق تحقيقها سنة، وأنا لا أضمن عمري لحظة واحدة؟! وبرغم أن التخطيط للحياة واجب ديني ومطلب شرعي إلا إنني تساءلتُ: هل أسعى للتخطيط سنة كاملة لدار الفناء، ولا أكلّف نفسي أن أضع خطة لدار البقاء الأبدي؟! !فقلت في نفسي لماذا لا تكون خطتي هذا العام هي الجنة؟! فما أعظمها من منزلة! وما أسماه من هدف!

عام جديد.. وحياة جديدة

في بداية كل عام هجري جديد نتذكر الهجرة، وكيف جاهد المسلمون من أجل الإسلام، وقد ضحوا بأموالهم وديارهم وأنفسهم، وصبروا وصابروا حتى استطاعوا أن يرسوا دعائم الدولة الإسلامية، وكان هدفهم من أسمى الأهداف، وهو نشر الإسلام، وتغيير الواقع الإنساني المرير قبل ظهور الإسلام، وتحرير العقل من أوهام الجهل والظلام ففَرُّوا بدينهم من مكان إلى مكان طمعا في التغيير المنشود ، لينشروا الإسلام ورسالة الخير في كل الدنيا، حتى يمكن لكل الأجيال من بعدهم ونحن منهم أن تحيا في ظل الإسلام والخير، فكم صبروا على ذلك أيما صبر! ، وكأنهم أرادوا أن يتركوا لنا أعظم القيم البشرية ألا وهي قيمة : الصبر بكل معانيه كان من ذلك الصبر على الطاعات، أوالصبر على النفس وجهادها، أوالصبر عن المعاصي بتجنبها، أوالصبر على تطوير النفس والذات وتحقيق الأهداف المنشودة حتى يكون الإنسان في أبهى قيمة تتناسب مع دوره الحضاري وحتى يتعلم من سيرهم الغالية أنّ كل الأهداف السامية دائما يكون ثمنها غالٍ، وعندها يكون الجزاء عظيمًا، والثواب جزيلاً حتى قال الله فيهم: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} .

الجنة.. الجنة.. الجنة.. هدفٌ ظل يتردد بداخلي، ولكنْ لأول مرة أستشعر كل هذا الخوف، وتذكرتُ القاعدة الاقتصادية التي تقول: إنّ العلاقة بين العائد والمخاطرة علاقة طردية، فكلما زاد العائد زادت قيمة المخاطرة، وبالتالي يزيد الجهد المبذول للحصول على هذا العائد، فلو أن أحد التجار جعل هدفه تحقيق أرباح قدرها مليون جنيه مثلاً، فلن يتساوى مع تاجر آخر غاية هدفه أن يحقق مائة ألف جنيه، أو ثالث يريد أن يصل إلى المليار، فجهد كل تاجر يختلف بحسب عظم هدفه.

أما أنا!!

أما أنا فأريد الفردوس الأعلى، ولكن كيف لي أن أحقق هدفي المنشود، وقد فاتني الكثير والكثير من العمر والعمل، والشيء الوحيد الذي لا يعود مرة أخرى هو العمر؟! ولكنْ كما يقول شيخ الإسلام ابن تيميه: ليست العبرة بنقص البدايات، ولكن العبرة بكمال النهايات.

ولذلك طرحتُ جانبًا كل التساؤلات، وقلتُ: فلأبدأْ من الآن، فهيا إلى مفكرتي لأضع خطتي لسنة مقبلة (موازنة إيمانية)، ولْتكن هذه السنة بداية جديدة لحياتي، سأجعل حياتي كلها في طاعة الله، وهذا ليس معناه أن أعيش بمعزلٍ عن الدنيا، لا والله، فالإسلام دين يهدف إلى الرقي بحياة الإنسان، ولا حياة في زمننا للكسالى والمتخاذلين، لتكن حياتي عبادة، وتصرفاتي عبادة، وأعمالي اليومية عبادة، وتربيتي لأولادي عبادة، وطاعتي لزوجي عبادة، وزيارتي لأقاربي وأصدقائي عبادة، وحسن معاملتي لجيراني عبادة، حتى كلامي وصمتي، فلأجعل منهما عبادة عندما يحتاج الأمر ذلك . أراكم تتعجبون، لا تتعجبوا فالأمر بسيط جدًّا، فيمكن أن نفعل كل هذا بإحسان النية؛ فيكون كل عمل نقوم به خالصًا لوجه الله تعالى؛ فنأكل مثلاً وفي كل لقمة تكتب لنا عشرة حسنات! هذا ليس خيالاً ولكنها حقيقة، نعم.. (إنما الأعمال بالنيات)، ولذلك يمكنني الآن أن أحصل على حسنات سنة كاملة لم أكن أحصل عليها بالنية أو بخطتي السنوية، وكأن الإسلام أراد لنا أن تكون نفوسنا تواقة إلى الخير والعطاء.

تاجر مع الله!

ماذا لو عرض عليك أحد الأشخاص أن تشتري قصرًا كبيرًا فخمًا، به كل أسباب الراحة، وفيه الخدم، وبه حديقة جميلة قد زينت للناظرين، وكان بوسعك أن تشتري كل ذلك بشيء من الجهد الذي يمكنك تحقيقه فهل تتردد من قَبول هذا العرض في الدنيا الفانية الزائلة؟! . فما بالك لو كان هذا العرض في الدار الباقية الخالدة وفي جنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فقصور عالية تأخذ العقول والألباب، وغرفٌ يُرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها، وسرر مرفوعة، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة ونعيم ليس فيه من نعيم الدنيا إلا الأسماء، فجنة يسير فيها الراكب تحت شجرة من أشجارها مائة عام لا يقطعها، وطول الخيمة فيها ستون ميلا إضافة لعطاء من الله فوق العقل والتصور!

الأكثر من هذا!

والأكثر من هذا أننا قد نحصل على المال والقصور في الدنيا، ولكن لا نستطيع أن نستمتع بها، بسبب المرض أو الضعف أو الحزن، أو الشيخوخة،أو الموت أو عوارض الحياة أما أهل الجنة فلا يحزنون، ولا يموتون، ولا يفنى شبابهم، ولا تبلى ثيابهم، لأن متعتهم كاملة دائمة خالد خلود الأبد .

أعوام كثيرة مرت، وكان هدفي في نهاية كل عام التخطيط لحياتي الدنيا فقط ، والآخرة خيرٌ وأبقى، وإذا كان التخطيط للدنيا لن أحصل على ثمراته إلا بعد جهدٍ وعناء، أوربما حال الموت بيني وبين تحقيق هدفي، فإن ثمرة التخطيط للآخرة محسوم محسوم ، (فمن هَمّ بفعل حسنة ولم يفعلها، كُتبت له حسنة، فإن فعلها كُتبت له عشرة...)، وهكذا يمكنني في هذه السنة الحصول على ثواب عشر سنين على الأقل، والله يضاعف لمن يشاء والله ذو الفضل العظيم.

والآن، إليك بعض الأساليب العلمية المدروسة التي تعينك على إدارة الوقت وحسن استغلاله، لتطبقها في حياتك ، واستعن بالله، حتى يبارك لك في كل لحظة من لحظات حياتك:

1- حدد هدفك: وهدفنا كمسلمين هو الفردوس الأعلى.

2- اكتب هدفك: حتى لا تنساه مع الوقت، كما أن كتابته تجعلك تسعى إلى تطويره بشكل مستمر، فلو كان هدفك الجنة، فاجعله الفردوس الأعلى. واكتب هدفك في قلبك قبل أن يسطره قلمك.

3- ضع خطة واضحة مفصلة: وذلك بتقسيم الوقت، وتحديد الأعمال التي يجب تأديتها في كل وقت، فالسنة تُقَسّم إلى شهور، والشهور إلى أسابيع، والأسابيع إلى أيام، واليوم يُقَسّم إلى أربعة وعشرين ساعة، والإسلام يعلمنا تنظيم الوقت ويحاسبنا عليه ، لذا جعلت الصلاة على المؤمنين كتابًا موقوتًا، وجعل الوقت قيمة يسأل الإنسان عنها يوم القيامة لذا علينا تحديد زمن كل عمل، وطريقة أدائه.

4- في بداية كل يوم حدد الأعمال التي ستقوم بها من أول النهار، ولا تجعل أعمالاً أخرى تلهيك عما خططتَ له، فهناك فرق بين العمل المهم، والعمل الملحّ، فقد يكون العمل ملحًّا، ولكنه غير مدرج بخطة اليوم، فعليك بتعويد نفسك الالتزام بالخطة اليومية، حتى تشعر بثمرة العمل، وحتى تحققه بنسبة 100%، ولكن إذا أتتك فرصة لا تعوَّض فحاول استغلالها.

5- لا تيأس إذا فشلت، فالفشل قد يكون بداية النجاح؛ لأن الإنسان قد يتعلم من أخطائه ما قد يكون سببًا في نجاحه في المستقبل.

ولكن ستواجهك حتمًا بعض المشكلات والمعوقات، منها على سبيل المثال:

1- التكاسل والتأجيل: ولتفادي هذه المشكلة عليك باتباع قاعدة مهمة جدًّا هي: "أول الوقت"، فلو قُمْتَ بالصلاة في أول الوقت مثلاً أخذتَ أجرَكَ كاملاً، وربما وجدتَ من الوقت ما تؤدي فيه السنن، أو الأذكار مثلاً، أو زيارة الأرحام، فقاعدة أول الوقت ستوفر لك من الوقت الكثير والكثير.

2- النسيان: من أهم المشكلات التي قد تتعرض لها، وللقضاء عليها اكتب ورقة بخطتك اليومية، وعلقها في المكان الذي تتواجد فيه، ولو تذكرت شيئًا مهمًّا أضفه إلى خطتك.

3- سوء الفهم للآخرين: سوء الفهم للآخرين والتفكير في تصرفاتهم قد يضيع وقتك وجهدك، وأنتَ في غِنى عن كل ذلك، فعليك بحسن الظن، وعدم إضاعة الوقت في التفكير في تصرفات غيرك، واستغل هذا الوقت في تحقيق أهدافك، وإضافة الحسنات إلى رصيدك، حتى لا تفلس، فقد يكون هذا أحد مداخل الشيطان لك، ليصبح عملك هباءً منثورًا.

هدف واحد وأداء مختلف!

وإذا كان هدفنا واحد وهو الجنة، فطريقة الأداء تختلف، وكل منا سيحاول الوصول إلى هدفه بطريقة مختلفة، وبخطط متباينة، تناسب حياته وظروفه، فبالإضافة إلى أداء ما فرضه الله علينا من صلاة وصيام وزكاة وحج، وبالإضافة إلى إخلاص النية كما سبق، فإليك عشرة أفكار أخرى تزيد من حسناتنا، وتقربنا من الجنة:

1- حفظ نصف صفحة من المصحف بشكل يومي، فينتهي العام وقد حفظت عشرة أجزاء على الأقل، وبذلك نستطيع حفظ كتاب الله في أقل من ثلاث سنوات، فنصبح في الجنة مع السفرة الكرام البررة إن شاء الله؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرؤه وهو عليه شاق له أجران" .

2- حفظ حديث شريف يوميًّا، فينتهي العام وقد حفظت أكثر من ثلاثمائة وخمسين حديث؛ يقول صلى الله عليه وسلم: " نضر الله امرءًا سمع منا شيئًا فبلغه كما سمعه، فرب مبلَّغ أوْعَى له من سامع" .

3- التركيز على اكتساب صفة حميدة شهريًّا، والتدريب عليها طوال الشهر، كالصدق أو سعة الصدر أو الحلم ، فينتهي العام، إن شاء الله، وقد اكتسبت 12صفة حميدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا" .

4- تحديد صفة يجب التخلي عنها شهريًّا، والتدريب عليها، كالكذب أو النفاق أو الأنانية مثلاً، فينتهي العام وقد تخلصت من 12 صفة ذميمة؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه" .

5- التبكير للصلاة، وبخاصة يوم الجمعة، فمن بكر في صلاة الجمعة، فكأنما قدم بدنة، وبذلك تحصل على ثواب التصدق بمائة جمل، وعلى أجر خمسين أسبوعًا في السنة، أي خمسين بدنة، فلا تفوتوا الفرصة؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر" .

6- ترديد التسبيح عند نزول السلم، والتكبير عند الصعود، فنحصل على ثواب الذكر، ونحيي سنة؛ فعن جابر رضي الله عنه قال: كُنَّا إذَا صَعَدْنَا كَبَّرْنَا وإذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا .

7- محاولة التزاور وخلق روح من الود والحب بين الأقارب والجيران والمعارف، فالمؤمن يألف ويؤلف؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس" .



8- القيام بجميع كل الأعمال العضلية بمصاحبة الذكر إن أمكن ذلك ، فيكون العمل أكثر بركة، ويزيد في ميزان الحسنات إن شاء الله يقول صلى الله عليه وسلم: " ما كسب الرجل كسبا أطيب من عمل يده وما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة" .

9- اكتساب مهارة واحدة سنويًّا، مثل تعلم اللغة الإنجليزية مثلاً، أو الكمبيوتر، أو صنعة محددة يمكنك استعمالها في مستوى أسرتك وتكون قريبة إلى نفسك ، أو شيء مفيد تحب أن تطور نفسك به، فينتهي العام وقد اكتسبت مهارة جديدة على الأقل؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع" .

10- حسن اختيار الصديق المناسب ، فإذا كنا في السفر نحتاج إلى رفيق، فنحن في حياتنا أشد احتياجًا إلى الصديق الصالح الذي يعين على الطاعة، فالمرء على دين خليله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة" .

فليحاول كل منا بذل ما في وسعه ليفوز في هذا السباق الإيماني؛ الذي سيدخله الجنة –إن شاء الله-، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وباب الفضل واسع، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وذلك بدلاً من التنافس المذموم على الدنيا الفانية.

تحديد نسبة العجز

وإذا كانت الموازنة هي عبارة عن خطة للمستقبل، فيجب متابعة تنفيذ هذه الخطة، وذلك من خلال نظام المحاسبة اليومي والأسبوعي والشهري، وهو ما يطلق عليه (الرقابة) في علم الإدارة، ففي نهاية كل يوم يقوم المحاسب بعمل قيود اليومية الخاصة بكل حساب، ويرحّل أرصدة حسابات اليومية إلى دفتر الأستاذ، وقد يكون هناك عجز أو فائض في أرصدة حسابات معينة، فلو فرضنا أن أحد الأرصدة بحساب معين كان به عجز وتُرك، فسيزيد حتمًا هذا العجز، ليصل إلى ذروته في نهاية السنة، ولكن مع الرقابة الجيدة، تستطيع الحد من نسبة العجز أولا بأول.

وقد قسم علماء الإدارة الرقابة إلى ثلاثة أنواع، هي: قبل الأداء، وأثناء الأداء، وبعد الأداء، والرقابة قبل الأداء (الرقابة المانعة) وذلك بالتذكير وإحسان النية حتى يكون العمل خالصًا لوجه الله، وثاني أنواع الرقابة: هي الرقابة على الأداء، وذلك بأن تتقن العمل لتنال ثواب الله العظيم، أما ثالث أنواع الرقابة فهي: الرقابة بعد الأداء (الرقابة المصححة)، وذلك بنظام المحاسبة اليومي، الذي يتم من خلاله تصحيح الخلل في العبادات والسلوك.

وإذا كان حساب الأرباح والخسائر من أهم الحسابات في كل منظمة؛ لأنه التعبير الرقمي عن كل العمليات التي تمت بالشركة، وهو الذي يبين الخسارة أو الأرباح السنوية المحققة، ويعتبر مؤشرًا مهمًّا في تحديد مدى تحقيق الشركات لهدفها المنشود من الأرباح، فأنت كذلك.. انظر إلى خسارتك بسبب السيئات، وحاول تجنب أسبابها، وحاول البحث عن أسباب الربح (الحسنات)، وليكن رصيدك دائمًا أرباحًا وحسنات، تاجر مع الله بكل ما أوتيت من حيلة، ، والبداية سهلة يسيرة.. فابدأ من الآن، وأقبلْ على الله بنفسٍ تواقة إلى الخير، وجَرّبْ أن تحيي سنة حسنة، وحتمًا ستجني ثمار السعادة في ظل طاعة الله، فللطاعة لذة لا يعرفها للأسف كثير من الناس، فجرب تلك اللذة، وقل في نفسك: سأعيش سنة كاملة في طاعة الله، لا تضيع من وقتك ثانية واحدة، فالعمر قصير، وحساب الآخرة عسير، تَزَوّدْ للآخرة، ولا تنسَ وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتهيئوا للعرْض الأكبر).

فحاسب نفسك قبل أن تُحاسب، واعرف مواطن الضعف والقوة، لتزيد من مواطن القوة، ولتتجنب مواطن الضعف وتقوّمها، حتى تستطيع أن تحصل على فائض من رصيد الحسنات، لتنال الهدف المنشود.

ماذا لو...؟

والآن.. ماذا تفعل لو جاء الموت ؟ فهل ستقول له اتركني ولو ساعة أصلي وأستغفر، وأرد الحقوق لأصحابها؟! مؤكد سيشعر كل واحد منا وقتها أن هذه الساعة عمرًا كاملاً، ويريد كل واحد منا أن يعود للدنيا ليعمل صالحًا، فها هي الفرصة التي ترجوها.

- ها أنت حيٌّ في هذه الدنيا، وربما داهمك المرض بعد طول الصحة والعافية، وربما حال المرض بينك وبين الطاعة، لذا عليك باستغلال وقت الفراغ، فربما جاء ما يشغلك في المستقبل، وإذا كنت تنعم الآن بشبابك وقوتك، فغدًا يضيع الشباب وتفنى القوة، فاغتنم الفرصة، وردد حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- :" اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هَرمك، وغناك قبل فقرك" ‌

- عليك أن تستشعر أن عمرك كله يوم واحد، ولتركز كل اهتمامك في هذا اليوم الذي تعيشه، واعتبر أنك وُلدت في أول اليوم، وفي نفس الوقت ربما يكون اليوم الأخير، وهذه الطريقة ستجعلك تنسى هموم الماضي وأحزانه، ولا تفكر كثيرا في المستقبل الذي لا تملكه إلا في حدود تعود عليك بالفائدة؛ واسأل نفسك كيف ستصلي بين يدي الله إذا كنت تعلم أن هذه هي آخر صلاة؟! وأن هذه آخر أذكار ؟! وكيف ستعامل مع الناس في اليوم الأخير من حياتك؟! وكيف ستكون مع ربك ونفسك وأولادك وذويك والآخرين؟!

إذ كنتُ أعلم علمًا يقينًا بأنّ جميع حياتِي كساعـةْ

فلِمَ لا أكونُ ضنينًا بِها وأجعلُها في صلاحٍ وطاعةْ

- اغتنم وقتك لأن حياتنا كلها ساعة ، ولا تضيع منها ساعة إلا بقدر وفائدة .

- حاسب نفسك أولاً بأول، وقدم لنفسك كشف حسابٍ يومي، فإنّ "الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت".

تأكد أن هذه الطريقة المثالية في محاسبة النفس ستجعل منك شخصًا آخر، شخصًا نافعًا لنفسه ولمجتمعه، شخصًا يراقب الله في كل أعماله، ويفهم ما له من حقوق وما عليه من واجبات، شخصًا يحبه الناس؛ لأن الله يحبه، شخصًا نتمنى أن نصبح جميعًا مثله، وأن يجمعنا الله به في الفردوس الأعلى إن شاء الله. لأ

-----------------------------------------------------------

** كاتبة وداعية إسلامية بمصر