اقدم مطبخ في العالم

ترجمة الدكتور حسيب الياس حديد
كلية الاداب/جامعة الموصل





أخبرني ماذا تأكل ؟ اقل لك من انت..!؟
يكشف لنا جان بوتيرو* مترجم الالواح البابلية والمتخصص بفك رموزها – وهو طباخ هاوٍ–عن اول مطبخ في العالم واسراره وفنونه قائلا: يرجع تاريخه إلى ما يقرب من اربعة الاف سنة قبل الميلاد. انه مطبخ بلاد الرافدين الذي لا يزال سائدا من اليونان إلى العراق.

من الكتابة إلى المطبخاولا و قبل كل شيء، نجد أنفسنا اما مهمة القيام بجرد مدهش للمواد الغذائية التي تشكل ما هو مألوف لدى سكان بلاد الرافدين القدامى، مثل: الحبوب والخضراوات المنوعة والفواكه وبصورة خاصة اشجار النخيل والتفاح والكمثرى والتين والرمان والعنب والبصليات و "الكمأة" والفطر والاعشاب الخاصة بالتوابل واللحوم وبصورة خاصة لحوم الماشية والخنزير والدواجن خاصة الدجاج الذي يشمل استهلاكه اللحوم والبيض، فضلا عن وجود سمك البحر والسلحفيات والقشريات والقواقع
والجراد.
ومن المواد الغذائية المهمة الحليب و "الزبدة" والمنتجات الحيوانية الدسمة الاخرى (كدهن الخنزير) والنباتية (السمسم والزيتون) والمن وعسل النحل الذي يستعمل لتحلية الغذاء. وتوجد ايضا منتجات معدنية (الملح والرماد (؟) ) ربما لتنقية المذاق، ان كل هذه المواد الغذائية البلدية والمحلية المنوعة لم يستوردها سكان بلاد الرافدين من الخارج حسب معلوماتنا على الرغم من اتساع الرقعة الجغرافية لتجارتهم حتى قبل الالفية الثالثة.
ثراء المواد والعطوريمكننا ان نذهب ابعد من ذلك بقليل ونقول ان هذا الاكتشاف الذي يعد مدهشا لا يزال سطحيا مثلما يُرى من فوق، ففي مجال مطبخ بلاد الرافدين يعرف العلماء المتخصصون بالآشوريات هذه الحقيقة بصورة جيدة وذلك من خلال وصفتين: الاولى هي الأكثر قدما يرجع تأريخها إلى بداية الألفية الثانية الا انه لم يتم نقلها الينا بصورة جلية. إذ نستطيع ان نستنتج اسم ما يتم تحضيره وقائمة المكونات من خلال وثائق ادارية يتم تقديمها إلى الشخص الذي يقوم بالتحضير والاسم بالاكدية هو "ميرسو" وفي السومرية "نيندا" الذي يعني في جذره "المزج أو الخلط" اما المواد فهي الطحين مع الماء والحليب أو الجعة ولكن يفضل الزيت أو "الزبدة" من اجل الترطيب ويتم استعمال التمور والفواكه المجففة الاخرى مثل العنب (الزبيب) والتين والتفاح وكذلك الفستق مع اربعة انواع من البهارات: الشونيز (؟) والكمون (؟) والكزبرة (؟) واخيرا الثوم (!). وهنا يمكننا ان نقول بأنه تم تشخيص العديد من المعطيات المقدمة وذلك ابتداءً من نباتات عديدة. اما فيما يخص الوصفة، نضيف عادة "العسل" ويبدو ان الخلط يتم في القدر وحسب الذوق وحسب التفضيل.
وفي شكله الثاني نحصل على نوع من "الخبز" وهذا بدوره يسمح لنا بافتراض وجود طبخ في الفرن. وتشير هذه الصورة كلها إلى تحضير نوع من "الكعك" الا ان المدهش في هذه الوصفة هو عدد المكونات وخاصة العطور التي تتضمن اربعة انواع من البهارات. وهنا لا يمكننا ان ننكر وجود تعقيد معين في هذه العملية مهما كان الذوق النهائي الذي ينجم عنه.
ولدينا ذات الانطباع حول الوصفة الثانية إذ تعد اكثر حداثة من سابقتها، حيث يرجع تأريخ المخطوطة إلى سنة (400) قبل عهدنا ولكنها وصلتنا ضمن الصيغ الموجودة وضمن السياق المطبخي. ونقدم فيما يأتي ترجمة تمت مطابقتها مع صيغتنا الخاصة بنا، "يتم تحضير قليل من نبات الحلتيت أو القنة (؟) وحُرْف* (؟) وقليل من الخردل والكمون (كل ذلك يتم تحميصه) تتم اضافة (6) لتر من الماء الذي تم تعطيره سابقا عن طريق النقع (؟) والخردل الطبيعي. ثم يضاف (15) غم من الخيار (؟) ثم يتم طبخ هذه الخلطة إلى ان تصبح ما مقداره لترا واحدا ثم يضاف لحم الحيوان الذي تمت تضحيته ليتم طبخه. وهنا نلاحظ انسجام هذه الطريقة مع ما ذكره ابيسيوش.
ونجد هنا ايضا اضافة اربعة انواع من العطور تم دمجها لتعطير السائل، يظهر احد هذه الانواع على شكلين اثنين: طبيعي ومحمص. ويبدو ان هذا التحضير يضفي نكهة خاصة تمت تهيئتها بصورة حاذقة وعند الطبخ يجب ان يتقلص حجمه إلى السدس وبعبارة اخرى ينبغي ان تكون المرقة مركزة جدا وهذا يجعلها اكثر عذوبة واكثر لذة ولكن هناك دلالة على مزيد من التفنن.
واخيرا لا يتم طبخ اللحم الا عن طريق الغلي الا ان غليانه لا يستغرق وقتا طويلا ويحافظ على مذاقه. ويبدو ان طريقة التحضير مألوفة وبات متضحا ان "نوهاتيمو" هم الذين يحضرون مثل هذه الاطعمة وهم من المتخصصين والفنيين في مجال الطبخ.
ويعكس لنا اكتشاف ما ينشر طريقة مدهشة تسمح لنا حقا ان نبالغ في وصف مطبخ بلاد الرافدين القديم. ففي مجموعة من الوثائق المدونة باللغة السومرية تعود إلى جامعة (ييل) في الولايا المتحدة الامريكية والتي تنتظر النشر منذ فترة طويلة من الزمن تظهر ثلاثة الواح اخذناها بادئ الامر على انها وصفات صيدلانية ولكن سرعان ما اكتشفنا بعد تفحص دقيق، انها مجموعة من طرق الطبخ. فقد كتبت بالاكدية ويعود تأريخها إلى (1700) قبل فترتنا وتعكس مطبخا غنيا ونقيا يدل على تقنية عالية للغاية من جهة والى فن راقٍ من جهة اخرى، ولم يكن بمقدورنا ان نتصور مطبخا متطورا بهذه الصورة قبل اربعة الاف سنة.
ومن المؤسف حقا ان نلاحظ ان هذه الالواح الطينية الثلاثة المهمة، المجففة والمفخورة قد اصابها التلف واقصرها يتضمن (53) سطراً محطمة تماما ولا تقدم لنا شيئا حيث نستطيع ان نفهم اجزاء قصيرة يمكن حل رموزها. الا ان اللوحين الاخرين يمكن رؤيتهما بوضوح على الرغم من وجود ثغرات تقطع فهم الافكار وتسلسلها، ويعد الجزء المحفوظ هو الذي يبدأ بالسطر (75) ويتضمن (25) طريقة: (219 منها تقوم على اساس اللحوم و (4) على اساس الخضراوات. وهي على العموم قصيرة وتتضمن كل واحدة منها بين (2 - 4) اسطر اما اسلوبها فهو مقتضب جدا يشبه إلى حد ما مؤلفات المهنيين المعروفين (مثل دليل الطبخ لاسكوفييه) الذين يكتفون بذكر المكونات الاساسية والعمليات التي ينبغي القيام بها وباسلوب "المهنيين". اما اللوح الثاني فانه اكثر وضوحا وتفصيلا الا انه مبتور ايضا. ففي حالته الاصلية يتضمن حوالي (200) سطر الا انه لم يوضح سوى (15) طريقة تحضير، أي ان هذه الطرق تم توضيحها بصورة مفصلة وتتعلق كلها بتحضير الدواجن
التنقية التقنيّة والفننجد في اللوح المتضمن (25) طريقة تحضير ان كل هذه الطرق تقوم على اساس الماء والمواد الدسمة التي يتم طبخها عادة في قدر. أي ان ذلك يتم عن طريق الغلي الطويل. اما الاختلاف الموجود بين الطرق (21) الاولى والطرق الاربع الاخرى فهي ان الاولى يتم تحضيرها باستخدام اللحم ام في الاربعة الاخيرة فتم اضافة الخضراوات اليها والذي ينوع ذلك هو طريقة التحضير والتقديم واضافة المكونات الاساسية وخاصة اضافة التوابل التي تعمل على تغيير الطعم. ومن الاخيرة هذه والمستعملة بصورة مألوفة هي المجموعة الثومية وبصورة خاصة المجموعة الثلاثية: الثوم والبصل والكراث التي تبدو انها ضمن المواد اللذيذة في القصر. ولكن وجدنا ايضا مواد اخرى لم نتوصل الى تشخيصها بصورة دقيقة وربما تشمل الخردل (؟) والكمون (؟) والكزبرة (؟) والنعناع (؟) وثمرة السرو على سبيل المثال وهي المعروفة بلغتهم (شوهيتينو) و (ساميدو) التي من الممكن حسب اعتقادنا انها تمثل المجموعة الثومية. وهناك ايضا (سورومو) وهي المادة التي لم نتمكن من معرفتها. وذكر ايضا منتجات الحبوب: الجريش والطحين والشعير (؟) والتي يتم تحضيرها على شكل رغيف وتستعمل لتثخين المرقة مع الدهن. ولهذا الغرض تتم اضافة الحليب وفي بعض الاحيان الجعة (او الدم). ويستعمل ايضا الملح والذرة كما يبدو ولكن ليس بصورة منتظمة وهناك وجبات معينة لا يمكن ان يكون لها مذاق الا بمكوناتها وباضافة
التوابل.
وتبدأ طريقة تحضير الوجبة (كما هو عندنا) باسم الوجبة وفي الغالب يشتق اسم الوجبة من مكوناتها او من تقديمها وتبدأ عادة بكلمة (مي) وهي تعني حرفيا "الماء" وربما يدل ذلك على "السَلق" (طالما ان محتوى الوجبة يؤكل كله) وليس فقط السائل او المرقة. ويعتمد ذلك على حالة الوجبة النهائية التي تقدم فيها. وهناك ايضا "سلق اللحم" و "سلق الغزال" و "سلق الجدي" و "سلق الحمام" وكذلك "سلق فخذ الخروف" و "سلق الطحال" ويتم السلق مع الخردل والملح ومع الحامض ايضا (؟). وربما هناك اسم بعض الوجبات من اصل اجنبي وخاصة من العيلاميين ولكن نجد الاسم الاصلي في نهاية طريقة التحضير كما هو الحال مع "زوكاندا".
اما بالنسبة للطرق الاربع الاخرى الخاصة بتحضير الوجبات فلم نجد سوى اسم خضراوات على سبيل المثال "الشلغم" (وربما هذا الاسم الوحيد الذي نعرف ترجمته).ويبدو انه تتم اضافة لحم معين او ان يكون الحيوان باكمله مثل الحمام او قطعة لحم غير محددة ولكن في بعض الاحيان يتم تحديدها مثل فخذ الخروف او المعلاق او الطحال او اجزاء اخرى داخلية، وتضاف الخضراوات ايضا. وهنا تم استعمال الفعل (ايزاز) "IZZAZ" الذي يمكن ان يعني بالاكدية "يجب ان يكون موجودا" في الوجبة، او "يجب ان يتم تقسيمه" او "يجب ان يتم تقطيعه الى قطع" وهناك اكثر من دلالة واحدة تشجعنا على ان نختار المعنى الاول. وربما يعني ذلك ان الوجبة سوف يتم تقديمها وان عمل الطباخ قد وصل الى نهايته وهنا ينبغي على المدعوين ان يبدؤا بتذوق
الوجبة.
بعض طرق الطبخبغية اعطاء فكرة اكثر دقة حول كل شيء نقدم الان بعض وصفات وطرق تحضير بعض من هذه الوجبات. ويعد "سلق اللحم" هو من احد ابسط هذه الطرق. وهنا يجب تهيئة اللحم والماء ثم يضاف الدهن وقليل من الكراث والثوم المطحون. وهناك ما يعرف بـ "السلق الاحمر" اذ يتم تحضير الماء والدهن والمعلاق والكرشة والملح والبصل والكمون والكراث والكزبرة، وقبل ان يتم وضع ذلك في القدر يتم نقع اللحم في دم الحيوان الذي تم تقديمه كأضحية ويعد هذا الامر معقدا الا ان اقتضاب النص بارزاً جداً حيث لم يتم ذكر الكميات بدقة ولا الوقت اللازم للطبخ ويُترك ذلك حسب تقدير القائم على العمل.
ونقدم الان طريقة اخرى، حيث نجد ان الطباخين يعرفون، من اجل اغناء الوجبة بمذاق جيد، استعمال طرق مختلفة للطبخ وبالنسبة للوجبة الخاصة بـ "سلق الجدي" يجب تمرير الرأس والارجل والكوارع على اللهب قبل وضعها في الوعاء الخاص بذلك. ثم يحضر اللحم والماء ويضاف الدهن والبصل والكراث والثوم والدم والجبن الطازج (؟) ويتم طحنها سوية.
وفي طريقة اخرى يتم استعمال "فتات الخبز" يُذر بعد انتهاء عملية الطبخ. اما تحضير الحمام فيتم بطريقة اخرى: اذ يتم فتحه ثم يضاف الماء والدهن والملح والبصل والحبوب والكراث والثوم ويتم نقع اعشاب في الحليب قبل وضع الخلطة في الاناء.
ولعل الصيغة المطولة تتعلق بـ "سلق السمان او الدراج" المعروف بـ "تارو". وبموجب هذه الطريقة يجب تحضير فخذ الخروف مع الماء والدهن ويتم ربط السمان او الدراج ثم اضافة الملح والبصل والثوم، وبعد طبخ السمان او الدراج يتم تقطيعه ووضعه في قدر ليتم طهيه على جمر خفيف وهادئ ويخلط بعد ذلك مع المرق ويتم تقديمه. واخيرا نقدم طريقة اخرى تقوم على اساس الخضراوات حيث يتم اخذ مادة "تاهو" وهي غير معروفة بالنسبة لنا واضافة لحم الغنم مع الماء والملح والدهن والجعة والبصل وعشب يسمى "شوك العمود الفقري" (؟) ثم الكزبرة و "الساميدو" والكمون والشوندر ويتم وضع هذه الخلطة في نوع من المرق ويذر عليها الكزبرة.
ومن ناحية اخرى يجب اقتباس اللوح الثالث وهو الاطول ويتضمن طرق تحضير الاكلات بصورة دقيقة وتفصيلية ولكن يشوب هذا اللوح شيء من تعقيد التراكيب وتتعلق الصعوبة التي نواجهها في فهم تتبع عمل الطباخين خطوة فخطوة مع وجود تراكيب ومفردات يصعب علينا معرفة معناها الدقيق فضلا عن وجود مشكلة تتعلق بالعقبات التي يواجهها الذي يفك الرموز بسبب الكسر الذي اصاب اللوح. لذلك فان ما استطيع ان اقدمه هو في الحقيقة جزء غير متكامل.
وتتعلق الطريقة الاقصر بطبخ نوع من الدواجن يسمى "كببو" يجب اولا وقبل كل شيء تحضير هذا النوع من الطيور ويتم فتحه وغسله بالماء البارد ثم يوضع على قدر وعلى جمر هادئ وعندما نرفعه من على النار نضيف قليلا من الماء البارد ثم يرش قليل من الخل والنعناع والملح ثم يصب في اناء ويقدم للمدعوين. ونلاحظ في عملية الطبخ ان هناك مراحل يجب اتباعها وهذا يعني وجود تقنية معينة ومتقدمة في تحضير الوجبات.
ونقدم فيما يأتي طريقة اخرى ولكنها طويلة تتضمن (49) سطراً مقابل (11) سطراً للاكلة السابقة. ولكن بسبب وجود فجوات من جهة وهناك نقص في التنقيط من
جهة اخرى (علما ان التنقيط غير معروف في اللغة المسمارية) سوف لا نجد سهولة في تبسيط الاشياء ولذلك ينبغي تلخيص العملية ومحاولة اعطاء صورة واضحة الى درجة كافية ولكنها ليست مضمونة لما وجدناه في وثيقة جديدة ومعزولة. ونجد ان بداية الوثيقة مفقودة الا اننا نفهم انها تتعلق بتحضير وجبة طعام من لحوم الطير. ويبدو انه يتم تحضير الوجبة في عدة اوقات. اولا يجب تهيئة القطع: "يجب نزع الرأس والارجل ثم يفتح الجسم لاخراج المعلاق والحواصل (ومن الطبيعي كل الاحشاء الداخلية). ثم نشق الحواصل ونقشرها. ثم نغسل جسم الطير ويتم نتف ريشه ولغرض الطبخ يجب تهيئة القدر ونضع فيه الطائر مع المعلاق والحواصل ثم يوضع على النار (مع سائل او بدونه او مع دهن او بدونه) (؟) ويبدو ان العملية مألوفة. وبعد تعريض ذلك الى النار نسحب القدر وتبدأ عملية الطبخ الثانية حيث نأخذ قدراً ما ونضع قليلاً من الحليب ونضعه على النار وبعد ذلك يتم اخذ محتوى القدر (الطير والمعلاق والحواصل) ثم يتم تنشيفه ونزع الاجزاء غير القابلة للاستهلاك وتتم اضافة الملح ويوضع المحتوى في القدر وهنا يجب اضافة قليل من الدهن والكراث والبصل والثوم واثناء عملية الطبخ لا بد من تهيئة جميع اللوازم الضرورية لتقديم الوجبة. وبعد الطبخ يمكن جعل المزيج كله على شكل عجينة يمكن تقطيعها وتقديمها ويجب ان نذكر ان النص يتضمن عدة كسورات بحيث تجعل فهم المعنى امرا صعبا.
المطبخ الرفيع والمطبخ الشعبينلاحظ استعمال قطع العجين كخبز ويستعمل هذا النوع من الخبز لتحضير وجبة طعام. ويترك هذا النوع من الخبز في قدر لكي ينتفخ ويسهل ذلك عملية تقديم الوجبة للمدعوين. ثم يتم اخذ قطعة كبيرة تتضمن الدواجن ونضع عجينة في الصينية بحيث لا تنكسر وتوضع على النار وعندما تطبخ نسحب الصينية وينثر عليها لحم مفروم مع الثوم والبصل والمعلاق والحواصل ويضاف قليل من "الصلصة" وتغطى الصينية وترسل بهذه الهيئة الى منضدة الطعام ليتم كشفها امام المدعوين.
ان أي تعليق يعد غير ذي جدوى اذا ما عرفنا ان هذا النص او ذاك غير مؤكد وغير واضح فالنصوص تعبر عنها. ونلاحظ تكرار كبير من النصوص كما نلاحظ مراحل عديدة عند تحضير الوجبة مع اضافة التوابل وغيرها عدة مرات، وكل ذلك من اجل تقديم المذاق الجيد والوجبة اللذيذة للمدعوين، ويذكر ان المذاق الذي ينتج من تحضير الوجبة لا يعكس نوعا واحدا فقط من المكونات وانما المكونات كلها مجتمعة.
واخيرا لا بد من ان نشير الى مسألة تقديم الوجبة بالطريقة التي يجب ان تلبي حاجة المدعوين فهي تشبع العين قبل الفم. ويعكس ذلك الذوق الرفيع لدى العاملين أي الطباخين المهرة والتقنية التي يستعملونها فضلا عن "المهنة" التي تعبر عن فن معقد ومشهود.


--------------------------------------------------------------------------------

* Jean Bottéro: “La plus vieille cuisine du monde” , L’ Histoire, No. 49, Octobre, 1982. (pp. 72 - 82). Paris , France .
* الحُرف نبتة مائية تنبت في الجداول ورقها يؤكل. (المترجم)


نشرت هذه المقالة في: اضاءات موصلية من اصدارات مركز دراسات الموصل،عدد خاص 2006