صحيفة الشرق القطريه الأحد 10 ذو الحجة 1432 – 6 نوفمبر 2011
مصر تحت وصاية العسكر – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/201...g-post_06.html
أسوأ ما في إعلان المبادئ الأساسية للدستور الجديد في مصر أنه يضع المجتمع تحت وصاية المجلس العسكري في الفترة الانتقالية، ويضع المؤسسة العسكرية فوق القانون في الظروف العادية

ــ وليس ذلك كل شيء لأن في الإعلان ما هو سيئ أيضا، إلى جانب ما هو مقبول ولا غضاضة فيه لكني سأركز أولا على الأسوأ، لأنه الأخطر الذي يمكن أن يفتح الباب لشرور ندفع ثمنا باهظا لها، نحن والأجيال التي تأتي بعدنا.
فيما خص الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور نص الإعلان على ما يفيد بأن أعمالها ستكون تحت رقابة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
فإذا ارتأى المجلس أن المشروع الذي أعدته الجمعية تضمن نصوصا تتعارض مع المقومات الأساسية للدولة والمجتمع أو... أو...إلخ ــ فله أن يطلب من الجمعية أن تعيد النظر فيها خلال 15 يوما.
فإذا لم توافق يعرض الأمر على المحكمة الدستورية العليا (التي قلت أمس إنها غير مختصة بالموضوع) ــ وهو ما يعني أن المجلس العسكري سيظل يراقب عمل الجمعية التي يفترض أنها تمثل كل أطياف المجتمع.

وفي النص أيضا أنه إذا لم تنته الجمعية من وضع الدستور خلال الأشهر الستة المقررة، فإن المجلس العسكري له أن يشكل جمعية تأسيسية جديدة لتعد مشروع الدستور خلال ثلاثة أشهر، ليعرض بعد ذلك على الاستفتاء العام.
ذلك في المرحلة الانتقالية، أما في مشروع الدستور ذاته فإن الإعلان أورد أمرين أضفيا على المؤسسة العسكرية حصانة خاصة تمثلت في نقطتين،
الأولى نصت على اختصاص المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره بالنظر في كل ما يتعلق بالقوات المسلحة ومناقشة بنود ميزانيتها، على أن يتم إدراجها رقم واحد في موازنة الدولة.

كما يختص المجلس دون غيره بالموافقة على أي تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره (البند التاسع من الإعلان).

الثانية وردت في البند العاشر وتمثلت في النص على إنشاء مجلس للدفاع الوطني برئاسة رئيس الجمهورية للنظر في الشؤون الخاصة بتأمين البلاد وسلامتها. ويعين القانون اختصاصاته الأخرى (القابلة للإضافة).
حين وقعت على هذه النصوص تذكرت على الفور ما فعله العسكر في تركيا عقب نجاحهم عام 1923 في تحرير الأناضول وإعادة توحيد تركيا، ودورهم اللاحق في تأسيس الجمهورية،

إذ ظلت هذه الخلفية مسوغا استندوا إليه في الاحتفاظ بدور متميز في المجال العام، عانى منه المجتمع التركي طوال السنوات اللاحقة، حيث فرضوا أنفسهم على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
منذ صدر في عام 1935 قانون يحمل الجيش مسؤولية الدفاع عن الجمهورية في الداخل والخارج،

ففي أعقاب الانقلاب العسكري الأول الذي تم عام 1960 أصدروا دستورا قنن تميزهم ونص على إنشاء «مجلس الأمن القومي»، الذي ضم قادة القوات المسلحة فقط، واختص ببحث كل ما يتعلق بالأمن القومي، أي حاضر البلد ومستقبله.
كما أسسوا مؤسسة «التكافل العسكري» التي أصبحت ذراعهم المهيمنة في الساحة الاقتصادية.

وفي عام 1970 صدر قانون فصل في صلاحيات رئيس الأركان الذي أصبح أهم من وزير الدفاع، وأعطى له حق الاتصال المباشر مع الوزارات والمؤسسات فيما يخص الجيش، وبذلك تحول إلى دولة داخل الدولة.
بعد انقلاب عام 1971 صدر قانون بتأسيس «المجلس العسكري الأعلى»، الذي ضم كل الجنرالات الكبار واختص بنظر كل ما يتعلق بالجيش منفصلا عن الحكومة. وسمح لرئيس الوزراء ووزير الدفاع بحضور اجتماعاته كمراقبين فقط، ودون أن يكون لهم أي دور فيها.
(لاحظ أن المادة المقترحة للدستور المصري مطابقة تماما لهذا القانون).

وفي أعقاب انقلاب عام 1980 صدر دستور جديد نص على إنشاء «مجلس للأمن القومي» الذي ضم عشرة أعضاء نصفهم عسكريون والنصف الآخر مدنيون، وهذا المجلس هو الذي يقرر كل شيء في سياسات البلد في صورة «توصيات»، تلتزم الحكومة بتنفيذها.
هذا الوضع المتميز للقوات المسلحة التركية الذي قننه الدستور في عام 1960، كان وراء الانقلابات الثلاثة التي تعاقبت لاحقا، وظلت البلاد تعاني آثاره طوال أربعين عاما، ولم يتغير الوضع إلا حين تولى حزب العدالة والتنمية السلطة في عام 2002، واستطاع أن يعيد تشكيل مجلس الأمن القومي بحيث أصبحت أغلبيته من المدنيين، كما نجح في جعل المؤسسة العسكرية تحت القانون وليست فوقه، الأمر الذي أدى إلى إحالة بعضهم إلى القضاء ومحاكمتهم حاليا بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم لأول مرة في التاريخ التركي الحديث.
إن أحدا لا يستطيع أن يقلل من شأن القوات المسلحة، التي هي محل تقدير الجميع، لكني أزعم أن أحدا لا يقبل أيضا أن تصبح فوق القانون أو أن تكون دولة أخرى داخل الدولة. وهو الانطباع الذي يخرج به المرء خصوصا من قراءة البند التاسع من الإعلان المذكور، الذي يعيدنا إلى الوضع الذي عانت منه تركيا طوال أربعين عاما.
لم أفهم لماذا أقحمت تلك المواد على الإعلان الدستوري، خصوصا أن ثمة شائعات غير بريئة حول هذه النقطة، لكن الذي أفهمه أن أهداف الثورة انحصرت في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ولم يكن من بينها شيء مما سبقت الإشارة إليه.
لقد استبعدوا مشكورين فكرة المبادئ غير الدستورية في ديباجة الإعلان، لكنهم استبدلوها بابتداع مؤسسة فوق الدستور ــ يا للهول!
.....................