جناح النساء في القصور الملكية في بلاد الرافدين



هبة حازم النعيمي

كلية الاثار –جامعة الموصل









يعد الجناح الداخلي من القصر مخصصاً لاقامة الملك والعائلة المالكة ,ومن الممكن ان نتصور الجناح على انه يتكون من أجنحة سكنية عديدة خاصة بنساء القصر , فهناك جناح الملكة الزوجة Sinnisat-ekalli وجناح الملكة الأم ummi sa sari , وجناح أولاد الملك الصغار وبناته الأميرات mar mart sari , الا ان هذه الأجنحة منعزلة تمامآ عن بعضها البعض , وجناح البيتان ( اي جناح الحريم كما كان يسمى) كان أيضآ بدوره منعزلأ عن باقي أجنحة القصر الى حد ما اذ لم يسمح لأي شخص من غير العاملين فيه بالدخول اليه دون موافقة الملك. فقد احتوى قصر أشور ناصر بال الثاني ((Assur-nasir-apli (883-859 ق .م) في كلخو النمرود*. الذي يعد من أكمل القصور الأشورية المكتشفة وأكثرها رونقآ وجمالآ , فقد أحتوى هذا الجناح على أربع وعشرين غرفة وتم العثور فيه على مجموعة نفيسة من الحلي الذهبية والمجوهرات الخاصة بنساء القصر.

اما فيما يتعلق بادارة هذا الجناح هناك مجموعة من الموظفات اللواتي كن يضطلعن بهذه المهمة و تقف على رأسهن الشاكنت (Sakintu) أي الحاكمة وهي أهم موظفة في هذا الجناح وتعد المشرفة أو المديرة للجناح والمسؤولة عن حركة الخدم ووجودهم وتأديتهم لعملهم بالشكل الصحيح , والى جانب الشاكنت كان هناك موظفة ثانية تساعدها في الأشراف والأدارة تسمى الشانيت (Sanatu ) أي الثانية وبالأضافة الى الشاكنت والشا نت كانت هناك ال بصوت (Pisutu) أي الوصيفة وهي أيضآ من الموظفات اللاتي يتمتعن بمكانة مميزة داخل جناح الحريم ( مثلما يطلق عليه في ذلك الوقت) فهي تعمل مع الملك باستمرار وهي في الواقع امينة السر علما أنها تكلف بعدد من الواجبات التي تنجزها نيابة عن سيدتها ,ففي نص للملكة نقية زاكوت (Zakute) والدة أسرحدون (Assur-ahu-iddin)(680-669 ق . م) أرسلت وصيفتها نيابة عنها من أجل أتمام طقوس خاصة في المعبد .

ومن الاهمية بمكان ان نشير الى ان الكتبة يعدون من الموظفين المهمين أيضآ في هذا الجناح وكشفت العديد من النصوص النقاب عن ان عدد من النساء كن يحملن لقب كاتبات وعلى الأخص من صنف الكاهنات , وقد نجد في بعض الأحيان أن هناك’ أثنتين من الكاتبات الخاصين بالملكة من أجل تغطية كتابة مراسلاتها وتنظيم وثائقها وعقودها الخاصة لأملاكها ,ويبدو أن للكتبة مركز مهم حيث أصبح لهم امتياز يتمثل في تخصيص حصة من الغنائم التي توزع على أعضاء القصر الملكي وكادره الاداري.

ولايفوتنا ان نذكر الكهنة ودورهم الكبير في شؤون جناح الحريم ,حيث كان لكل ملكة كاهنة عليا خاصة أوكاهنة أعتيادية تستشيرها وقت الحاجة ,و تم العثور على العديد من الرسائل التي ارسلت الى الملكات من الكاهنات توضح فيها أتمام تقديم القرابين الى الآلهة في المعابد.

__________________________________________________ ____________



* كلخ (( Kalhu نمرود : تقع أطلال مدينة كلخ نمرود على الضفة الشرقية لنهر دجلة وعلى بعد 37 كم الى الجنوب الشرقي من الموصل , ويظن الكثيرون أن نمرود أسم الملك الجبار الذي حاجه النبي أبراهيم عليه السلام , الأ انه لم يرد ذكر الأسم بين ملوك بلاد بابل وأشور. كما يظن ان أسم نمرود هو تصحيف من أسم ننورتا الذي يشير الى أسم اله الحرب عند الآشوريين واله مدينة كلخ. ومما يلاحظ بهذا الخصوص أن أسم نمرود لم يستخدم في النصوص المسمارية أذ ورد أسم المدينة بصيغة كلخ , الذي أنتقل الى العهد القديم التوراة بصيغة كالح.

ويضاف الى العاملين في هذا الجناح ( الطواشي ) والذين يكونون عادة حليقي اللحي لغرض تميزهم عن الرجاال الأعتياديين , وهولأء الطواشي مكرسين للعمل في القصر خدامآ للأعمال و الخدمات المنزلية ’ كالطبخ والتنظيف والأعمال القريبة من النساء لأنهم أميني الجانب ولهم أن يعملوا قرب النساء خلافآ للأشخاص الآخرين من الذكور الأعتياديين وما يترتب عن مخاوف اختلاط الجنسين, ففي هذا الجناح كانت تقيم جميع نساء القصر وأميراته كما ذكرنا ,لذا فأن عملية أدارته كانت بالتأكيد بحاجة الى مواصفات خاصة , ومجموعة من الموظفين والخدم الذين هم محل ثقة عالية , لذا كان يمنع دخول أي شخص الى هذا الجناح دون موافقة حاكمة الجناح أو من ينوب عنها هذا من جهة ومن جهة اخرى يراعى أن يكون من العاملين فيه جميعهم من النساء أو الطواشي لضمان عدم أثارة مشكلات أخلاقية داخل الجناح. وقد تصدر تعليمات ملكية بين فترة وأخرى خاصة بهذا الجناح للمحافظة على حريم القصر, وبعض التعليمات الملكية الصارمة الأخرى التي تحد من تصرفات الحريم داخل الجناح بعضهم مع بعض,حيث يلاحظ أن النزاعات النسائية والمشكلات التي كانت تحدث في جناح الحريم متعددة وقاسية , ومن أهم أسبابها أحساس كل سيدة من العائلة المالكة بأنها سيدة القصر وعلى باقي النساء أبداء الأحترام المناسب واللائق بها.

ويوجد داخل الجناح أيضآ عدد من المغنيات والعازفات , وعدد من الأماء و العبيد الذين هم من سبايا الحرب , كما كان هناك عدد من العاملين للملكة كأمين الصندوق والحارس الشخصي وسائق العربة , وأخيرآ كان هناك عدد من الجواري اللائي يعملن في الجناح , ويتمتع كل من يعمل في القصر بامتيازات خاصة حيث يحضى بالعناية والاهتمام من لدن الملك نفسه. ففي رسالة من الملك أشور بانيبال (Assur-bani-apli ) 668-627 ق .م ) اشارة واضحة لذلك اذ أمر أحد الأطباء التابعين للقصر بالذهاب ومعالجة أحدى الجواري التي تدعى (باو-كاميلات Bau-Gamelat) مما يدل على الرعاية والعطف الذي كان يتلقاها جميع من يعمل في القصر من قبل الملك نفسه.

Dr. Haseeb HADEED