( --- رحمتنا بستيف جوبز وأمثاله --- )
د. محمد هشام راغب
بعضنا – نحن المسلمين – يتحمل مسئولية مباشرة عن حياة ستيف جوبز البائسة وعن وفاته على البوذية. هذا الرجل العبقري والمخترع الشهير، أبوه مسلم عربي من سوريا اسمه عبد الفتاح جندلي، هاجر واستقر في الولايات المتحدة وعمل بها أستاذا جامعيا في العلوم السياسية. تعرف عبد الفتاح أثناء دراسته في جامعة ويسكونسن على زميلة له مسيحية اسمها جوان سيمبسون، وأراد أن يتزوجها، لكن أباها رفض تزويجها من عربي مسلم. مضى عبد الفتاح في علاقة غير شرعية مع تلك المرأة وأنجب منها ولدا (ستيف) وبنتا (منى). بعد ولادة ستيف بقليل أخذه والداه إلى ملجأ للقطاء وعرضاه للتبني، واشترطا للتنازل عنه أن الأسرة التي تتبناه تكون على مستوى اجتماعي مشابه لمستواهما، وأن يتعهدا بإدخاله الجامعة عندما يكبر!.بعد أسابيع التقطه زوجان محدودا الدخل (كان الزوج ميكانيكي سيارات لم يتم تعليمه الثانوي وزوجته لا تعمل). وافق عبد الفتاح وزوجته وباعا ولدهما ولم يشاهداه بعد ذلك إلا عبر الإعلام ولم يلتقيا به أبدا. بعد سنتين أنجبا طفلهما الثاني (منى) وأودعاها نفس الملجأ وتبنتها أسرة أخرى. هذه البنت أصبحت فيما بعد روائية شهيرة ، وكانت ثاني رواية كتبتها بعنوان "الأب الضائع"، جعلت فيها بطلة الرواية فتاة نشأت بتبني زوجين لها (ولكنها عكست الصورة فجعلت أباها الضائع مسيحيا، والذي تبناها مصريا مسلما !). هذه النشأة البائسة لستيف جويز جعلته كارها لأبيه الذي رماه في ذلك الملجأ ولم يعبأ به، ولم يظهر إلا بعد عشرات السنين، ولا شك أيضا أن تلك النشأة خلفت عنده كراهية ونفورا من الإسلام، وجعلته فيما بعد يرفض أيضا المسيحية ويتحول إلى البوذية، وحتى عندما تزوج دعا راهبا بوذيا ليعقد له زواجه، ومات بالفعل بعد ذلك بوذيا مشركا. كم من المسلمين الملتزمين قابلهم عبد الفتاح جندلي في حياته، وكم منهم فكر في دعوته واستنقاذه من الضياع الذي يعيشه والدمار الذي ألحقه بأسرته. إن هذا الرجل يبلغ الآن 81 عاما وقد ترك التدريس بالجامعة وتدرج في الإدارة ويشغل حاليا نائب رئيس مجمع ترفيهي به فندق وملهى وكازينو للقمار. كيف يترك المسلمون أخا لهم في هذا الضياع؟ ومثله ملايين في الغرب، كثير منهم إما تركوا دينهم أو تركه أولادهم وأحفادهم من الجيلين الثاني والثالث من أبناء المغتربين، وما قصة الرئيس الأرجنتيني السابق كارلوس منعم ببعيدة. كثير من الهيئات والمنظمات الإسلامية وكثير من الدعاة يركزون دعوتهم على غير المسلمين ويقومون بجهود مشكورة في نشر المواد الدعوية وعقد المؤتمرات التعريفية بالإسلام أو ينشئون مواقع لعرض الإسلام ودفع الشبهات التي تثار ضده. وهذا كله حسن، ولكن أهم وأولى منه أن تتوجه دعوتنا للمسلمين وأبنائهم المقيمين في غير بلاد المسلمين. هؤلاء رأس مالنا الدعوي، منهم نبدأ وعليهم تقوم الدعوة إلى الله. إنهم سفراء للإسلام حيث ما كانوا، فإما أن تكون حياتهم وسمتهم ومعاملاتهم دعوة للإسلام، أو ضده. إن الاهتمام بشئون المسلمين في غير ديار الإسلام مهمة عظيمة، وكل جهد يبذل فيها سيكون أجدى وأولى وأيسر وأنفع وأسرع من دعوة غير المسلمين (على أهميته). لقد قدر الله تبارك وتعالى على زماننا هذا بحكمته البالغة أن ينتشر المسلمون في كل بقاع الأرض، في كل مدينة وقرية، في الجزر النائية والجبال الشاهقة، في أدغال إفريقيا والبلاد المتجمدة وفي كل طبقات المجتمع. إن غير المسلمين يأخذون أول وأقوى انطباع لهم عن الإسلام من معاملاتهم مع المسلمين. إن المسلمين في بلاد الأقليات المسلمة هم الواجهة الطبيعية للإسلام يُظهرون صورته الناصعة أو يطمسون معالمه المشرقة. إن القوى والتيارات الإسلامية عليها مسئولية عظيمة في العناية بأجيال المغتربين من المسلمين، والتجربة تثبت أن أكثرهم قريبون جدا من العودة إلى رحمة دينهم. أذكر في رحلة للولايات المتحدة منذ سنوات، كان أكثر المغتربين هناك إذا دعوا إلى المسجد يحضرون ويستمعون، وكان مشهدا مألوفا أن ترى بعضهم ينفجر في بكاء شديد وعندما يهدأ يحكي قصة متكررة عن انتباهه فجأة لضياعه وضياع أولاده. وكم كنا نرى الفرحة والأمل يعلو وجوههم وهم يتعرفون على معالم دينهم ويدخلون من الباب الواسع للتوبة إلى الله تعالى والرجوع إليه.