مشاعر مخبوءة .. قراءة في ديوان ( ذكريات ممنوعة) للشاعرة ريمة عبد الإله الخاني

الوحدة
الخميس29/9/2011
نعمان ابراهيم حميشة
الشعر رفيق الإنسان منذ الأزل , ملتصق بحياته اليومية , وبحزنه وفرحه , وانتصاره وإخفاقه , وهو

المعبر عن همومه وتطلعاته السياسية والاجتماعية . الشاعر مثقل بالكآبة دائماً , مزاجه عصبي , دائم الشك والاعتراف بالخطأ والندم والتراجع , وريمة الخاني شاعرة من شغف وحنين مسكونة بالأدب ومأخوذة به ومتتبعة لخطواته , تكتب أحاسيسها على أوراقها تضيء بها قلوب المحبين مثل نجمة تشق عتمة الليل . في ذكريات ممنوعة تفيض اللقطة الشعرية من عمق طباع أنثوية صادقة , وكأن الكلمات المستحضرة لبناء القصائد غمست وتغلغلت في تجربة حياتية لامرأة يمتد حلمها الإنساني إلى الماوراء , تنوع في استخدام البنى اللغوية والشعرية , تحاول تقديم نبض شعري تختط كلماته من تجارب تبدو مكتملة حيث الكلمات تبوح ببعض المعاناة لكنها تختبئ أكثر في متن القصائد . تتحدث عن أفكارها ومشاعرها المخبوءة جداً , مؤكدة قدرة الأدب على التعبير والتغيير وكشف الزيف وإماطة اللثام عن المستور , فكل يوم هناك شيء جديد يمكن التعبير عنه , ففي قصيدة ( صمت الروح ) جاذبية معطرة بهمسات الحب , ويدغدغ أسماعنا بوح ناعم شفيف بألفاظ تعبر بنفسها عن معانيها , عن أحوال الروح الأنثوية المعذبة القلب التي ما عرفت غير الحب والوفاء والعطاء , كاختلاجات المشاعر البكر المجبولة بعبير التراب بعد زخة مطر بألفاظ ناعمة وإيقاع يطرب الأذن عند سماعه , تتفاءل بالمستقبل وما يحمله من هناء وسرور , وتؤكد أن الحب مسوغ الحياة , وهمساته التي تغلي في مرجل الحنين تعطي السكينة في الروح والاطمئنان في القلب :
أتدري ..؟
.. إنّ صمتَ الروحِ !
سكينٌ يشقُّ فؤادَ أوقاتي .. ؟!
أتسمعني .. أتفهمني .. ؟
وقد كنا كنسمات الهوى الصافي ..
أعيشُ الوقت في خدرٍ ..
وفي طيفِ السّنا الآتي .
ص 31 .
قصيدة ( سرى السم فضاع ) :
تفوح منها رائحة الحلم وضياع الأمل وخيبة الرجاء في الناس تهديها للقابعين وراء صخرة اليأس , تُذوّب الشعر دموعاً ونار العبرات الساخنة تسيل على الخدود المكتوبة بحرارة الملح والدمع الحزين , تذرف القصائد بعيون تحادث الكلمات وصوت رقيق يفتح الأسئلة الصعبة عن العزلة والعمر المهدور والحزن , وتبدو أكثر تشبثاً بالألم بسبب رحيل الفرح عن سهول الودّ , تعيش أزمة انشطار بين واقع ترتهن إليه وبين طموح وأهداف تصبو إليها , متبرمة من حياتها بأسرها تداهمها رغبة ملحة لمغادرة عالم متكرر مقلق , تريد مغامرة حتى ولو كانت غير مأمونة العواقب :
لستُ أدري أين روحي ..
أين نفسي
ذاكَ ما كنتُ أُداري ..
لستُ أحيا دون ودٍّ ...
والورى صاروا متاعا ..
قد يكونُ السوءُ فينا ..
أو يكونُ الوهمُ شاعا .
ص 46
في قصيدة ( وتكلمت السفينة ) :
تتحدث عن التشبث الفلسطيني بالجذور والأرض ..
الوطن الذي يشبه الأحلام الحلوة ..
الملاذ الآمن للحب المتبقي في الوجدان ..
ترثي حالة الخذلان والتشرذم العربي اليوم ما يذكرنا بأيام نكبة فلسطين عندما قام الملك الماجن فاروق بتسليح الجيش المصري المدافع عن فلسطين بأسلحة مقلوبة ترتد إلى رأس الجندي العربي وترديه عوضاً أن تقتل الجندي الصهيوني ..
فكيف سنروي مساحات الرمال الشاسعة من دون أن نملك قطرة ماء ..
والحياة الصامدة ما فتئت تنزف دماً أكثر حرارة وسخونة من البخور الذي يعطر المكان والزمان .. ؟
.. أيا من راعهُ الخذلان من عربٍ لتسألْ عن مدى الآلام في صبري
مررتُ بهمَّةٍ تختالُ في ثقةٍ فعادتْ أسهمي البيضاءُ في نحري
أحياناً يحتاج الكلام عن الشعر وحال الشاعر إلى علبة مناديل كاملة للبكاء على الأطلال وريمة الخاني شاعرة تبتعد عن الذاتية والنجومية وحب الظهور , تسعى لكتابة نصها الخاص في تمارين لا تتوقف من الرنين العالي إلى الهمس والنبرة الخفيفة للجملة الشعرية , ومن يتعقب حياتها الحقيقية يدرك أنها أديبة دائبة الحركة بين الدراسات والشعر والقصة كأن شعرها صورة فنية موازية للواقع العربي الراهن وهو يتحول من شكل إلى آخر , وهذا هو قدر الشاعر ورسالته التي يواظب أن يؤديها بإدهاش لتكون أكثر حضوراً وأثراً في المتلقين .‏
المصدر
http://wehda.alwehda.gov.sy/__archives.asp?FileName=31373868120110928184105