إليك يا سيد الكلمات

إلى روح الأستاذ الكبير
الدكتور عبد الكريم الأشتر

( فيا أيها الغريب النازح من فرح التاريخ ، قدر هذه المرحلة أن تسكت البلابل و تحوم الغربان في فناء الدار ، و لكن الأمة التي أحببتها و أفنيت حياتك في خدمة لغتها و ثقافتها ما تزال جذورها تضرب في الأرض ، و ما تزال شمسها تسطع في الأفق ، فنم مطمئناً ، فإن التاريخ لا ينقطع .
رحمك الله قدر ما علمت و علَّمت ، رحمك الله قدر ما أحببت ، رحمك الله قدر ما عانيت ، لم يقدَّر لك أن تعرف السكينة بيننا ، فلعلك تعرفها بعيداً عنا ، على أن مثلك لا يموت و إن انتزعه الموت من القلوب )
أتذكر هذه الكلمات يا عماه ؟
تلك كلماتك التي رثيت بها زميلك و صديقك ، والدي أحمد راتب النفاخ قبل عشرين عاما .
أهناك مثلها لهذا الموقف ؟ و أنت و رفيقك رصيفا دهر و فكر .
أأرثيك أنا ؟ حقاً لا أصدق هذا .
أيها الكبير .. لا أدري ما أقول و قد حلقت بعيداً في سموات الغياب ، حيث استقر كثير ممن أحببت و صادقت و عاشرت .
لا أدري ما أقول .. و قد لا تعلم من كنت لي .
كنت أستاذي الذي لم أقرأ عليه ، و معلمي الذي اقتبست من روحه ، و الأديب الذي تلقيت عن نفسه .
ودعتك آخر مرة ، و لم أحسب أنه الوداع الأخير .
و رغبت بالبقاء معك ، و لم أشعر أنه اللقاء الأخير .
و خجلت في أزمتك الأخيرة أن أكلمك ، فما وجدت كلماتي إلا عهناً منفوشاً أمام جبروت الألم الذي حل بك .
لكنني ما حسبت أبداً .. أنني سأفقدك هذه الأيام .

أيها المعلم القدير ... عرفت بسمتك ، فرأيت وراءها دنيا من الآلام ، و عرفت مرحك ، لكنني استشعرت وراءه كبداً متصدعة ، و عرفت إخلاصك ، فرأيت وراءه نفساً طيبة صادقة ، بل ينبوعاً رقراقاً فراتاً من ينابيع القلوب المرهفة .
لم تكن لدي صديق والدي الذي عرفت فحسب .
كنت أكبر كثيراً
لا أصدق أني فقدتك ، و أن غشاوة الموت حلت بيننا و بينك ، و أن ابتسامتك التي طالما فتكت بالهموم قد باتت من مآثر الماضي .
لا أصدق ..
لا أصدق أنك أيها الحبيب غادرتنا ، قد كنت بيننا نوراً يضيء ، فحللت غصة في القلب لا تبرحه .
أستاذي ... و ربما لم تعلم أنك كنت لي ذلك .
إن كان فقدك حقاً ، فإن للموت يداً عند كل بر و فاجر ، و لكلٍ منا يوم هو لا بد ملاقيه ، و لئن حرمنا منك اليوم فإن حاجتنا إليك لا تبلى ، و اسمك باقٍ بيننا حجة كبرى ، و أنت دوماً بيننا أستاذنا و معلمنا الكبير القدير الذي لا تذهب بذكراه عاديات السنين .
رحمك الله ..
رحمك الله قدر ما علمت و علَّمت ، رحمك الله قدر ما أحببت ، رحمك الله قدر ما عانيت .
يا من يعز علينا أن نفارقهم
وجداننا كل شيء بعدكم عدم



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي