-
بيـــــاض ضائـــــــع
بيـــــاض ضائـــــــع
عالية عالية، كأنما أجنحة السماء لا تخفق دونما تلويحة منك، تلويحة واحدة، تعيد استدارة الأنفاس والرغبات والأرواح، ولا تستدير الروح وتكتمل، دونما عطش إلى اللانهائي في الحب، الذي لا يكف عن اكتشافنا وتسميتنا، وترسيم معنى وجودنا أن تطرق باب الحب أو يقرع الحب أجراسه في دمك، فذلك يعني حاجتك إلى الكون بأكمله ليصغي إليك، ويفهم اندلاع صمتك، ووثوب أسرابك، وراتجافة حروفك، وصهيل نظراتك، في كل شروق أو غروب تأخذك الأمكنة إلى أمكنتها، تتقافز النوارس خلف قميصك تزهو تحثك على البوح أو الطيران.
صحوة عنيدة تمتلك حواسك دفعةً واحدةً، تدنو أو تنأى لافرق، فالشغف هو الشغف.
لا تستطيع الذهاب تماماً، لا تستطيع العودة أبداً، كبداية لا تكفّ عن بدايتها، تعلن ميلادك على بلاط الأبدية، لذلك بتُّ أخشى الذهاب تماماً أو العودة أبداً، فالكتابة عنكِ تسرق كتابتها، واضحة وغامضة، معلنة وسرية، كما البحر في هديره، في مده وجزره، ذلك العميق الطائش تحت الشمس، يرنو بعينين زائفتين وشهوة صاخبة أي أسرارنا، يسرقنا منافي حمى انتظارنا أو توقنا أو هروبنا، يحتوي ما لا يحتوي من جمر قلقنا، ويدفعه إلى العصيان، فمن الصعب الكتابة فيه أو عنه مثلك تماماً، نعم مثلك، عندما تحتاجين إبصار رعشتك، كموجة يُعرّيها لهاث الفضاء، ويعانقها خيط نظرته الجارحة، مثلك تماماً، حيث الكتابة تبحث عن مفرداتها خارج القواميس الميتة، خارج المكشوف والمألوف و(المنقال)، فكل ما ينبثق أو يبزغ أو يشبّ ليس أكثر من بداية لأبجدية أخرى لا تشبه سواها.. أهي القصيدة!؟ كلما رغبنا في امساكها تملصت كسمكة مدربة ماهرة، أم هو البحر ذاته يضفي مهابته على كل ما حوله ويشده إلى التمعن والتأمل والغليان كموج إثر موجة.. دون أن نستطيع السؤال لماذا وكيف؟؟.
يأخذنا الحب كما القصيدة نحو حتفنا باسمين، تجلجل في أعماقنا الحياة ونحن نققز إلى من لا نعرفه، نستمتع باتقاد جمرتنا، واستنفار حرائقنا، وسهر ليالينا، ربما هي حالة سعي إلى البراءة الأولى، وبياضها الضائع في أعمارنا، أو الاعتراف بوجودنا في التماس تحقق هذا الوجود، لكننا في كل الحالات يستغرقنا، ويهيمن على مشاعرنا كساحر، ويجتاحنا كاعصار جارف، فأن تحب يعني أن تكون، أن تشتهي حرية أكثر اكتمالاً وحلماً وموتاً، إذ تستقيل الفكرة ويغيب المنطق أمام غواية جنون يتجاوز المعادلات، والخرائط، والاعمار، والمسميات، وفي الكتابة كما في الحب أجمل ما تكتبه هو المفارق والمختلف والمتناول من زوايا لم يفكر بها، ولم تستهلك طزاجتها، وكلما اقتربت أكثر من الداخل احتدمت رؤيتها، وتجلت صورها، وتعددت مستويات بنائها، أوليست الكتابة هي الحب والحب هو الكتابة في جريانه وتقلباته، وطقوسه، وكشفه، ودهشته، والمدهش لا نعثر على ضالته في القوانين والنماذج وتموضع المشاهدات الحسية السائدة، ومخيلتها المؤسسة والمسيجة بالقبول والرفض و...
فهل يعني كل ذلك أن اسميك بالتأكيد لا، فالمسمى قابل للاحتواء والشمول والقول، يصبح جزءاً مستهلكاً من التصوّر والذات، وأنت الإضافة، والإضافة حرية لا تُمتلك ولا تنتهي امكانيات اكتمالها.. يالحبي ويالكتابتي..
محمود السرساوي
جريدة البعث السورية
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى