الفلول وإفساد الزراعة في مصر:
مصر بلد زراعية ؛ فهي ابنة النيل العظيم وُجدت على ضفافه الممتدة مع تاريخها العريق منذ آلاف السنين ، أحب أهلها الأرض والحرث والغرس
رأينا هذا على نقوش وصور الآثار الفرعونية القديمة ، الفلاح المصري يحرث الأرض ويرويها من النيل ويغرس البذور النقية لتنبت على طمي النيل
أفضل المزروعات وأجود المحاصيل الزراعية ، وكان الخير الوفير يعم البلاد كما يغمر الفيضان الأرض فيسعد به أهل المدن والقرى من المدر والحضر ويحتفلون بمقدمه في أعيادهم بوفاء النيل ويقدمون له القرابين
ونشأت أقدم الحضارات على ضفاف النيل في مختلف المجالات
وتوالت العهود واشتهرت مصر بزراعة القطن طويل التيلة ، ثم صناعة الغزل والنسيج على إنتاجه المحلي وهو ما أطمع الاستعمار الإنجليزي في احتلال مصر من 1882 حتى 1952 وقيام ثورة يوليو المجيدة ، حيث نقلوا الأقطان المصرية إلى بلادهم ليصنعوها هناك ويصدرونها إلى مختلف بلدان العالم .
ثم قامت الثورة المصرية بزعامة الرئيس جمال عبد الناصر ، ليكون من أول اهتماماتها الفلاح المصري والإصلاح الزراعي وتوزيع الأرض على أصحابها الحقيقيين ، وأنشأت لهم الجمعيات الزراعية لمساعدتهم على تحسين الزراعة وتطوير وسائلها وإمدادهم بكل ما يزيد الإنتاج في المحاصيل المصرية
وأهمها القطن والأرز والقمح وبقية الزراعات المختلفة ، وحددت الثورة الملكية الزراعية بما لا يزيد عن مائتي فدان للفرد وأسرته للقضاء على الإقطاع القديم ، وكان الفلاحون يترددون على هذه الجمعيات الزراعية أفرادا وجماعات من النجوع والعزب القريبة التابعة لكل جمعية سعداء وهم يتلقون الخدمات
التي وفرتها لهم الثورة وأهمها :
1- توفير البذور الجيدة المنتقاة لمحاصيلهم الزراعية ، والأعلاف الغذائية لحيواناتهم
2- توفير الآلات والميكنة الزراعية المتطورة في الرش والري والزراعة والحصاد وغيرها
3- توفير الأسمدة والكيماويات اللازمة لنمو الزراعات والمساعدة في تغذيتها بعد قلة نسبة الطمي من النيل بعد بناء السد العالي
4- توفير المبيدات الحشرية لمكافحة إصابات الزراعات المختلفة لضمان جودة الإنتاج
5- توفير عناصر الإرشاد الزراعي للفلاحين لزراعة المحاصيل المهجنة والجديدة ، وتحقيق التنمية الزراعية
6- تسلم المحاصيل من المزارعين لتسويقها للفلاحين ، وتقديم السلف النقدية لحين تسوية حسابات الفلاحين
7- خدمات أخرى للحيازات الزراعية


وتشكلت مجالس إدارة للجمعيات الزراعية بالانتخاب من الموظفين والفلاحين أصحاب الأرض لتنظيم تأدية هذه الخدمات
وتعاونت أسر الفلاحين قبل هذه الجمعيات في الاعتماد على أنفسهم في فلاحة الأرض وزراعتها وجني المحاصيل كالقطن وغيره ، فكانوا يعتمدون
على المقاومة اليدوية لإصابات القطن وذلك بجمع ( اللطع ) وهي بيض الفراشات على ظهر أوراق القطن قبل فقسها وخروج الديدان التي تهلك المحصول
وتفسد الإنتاج حيث تخترق ( لوزات القطن ) قبل تفتحها وتتغذى على ما بداخلها فتتوقف اللوزات عن النمو أو التفتح فتقل قيمة المنتج منه ، ثم بعد جمع تلك اللطع يقوم الفلاحون بحرقها في حفر والردم فوقها
واستطاع النظام السابق من أفراد الحزب الوطني أن يسيطروا على مجالس تلك الجمعيات بغرض النهب والإثراء على حساب الفلاحين البسطاء
وجاءت البذور الضعيفة المستوردة بدلا من البذور المصرية ، وأجبرت الحكومة الفلاحين على رش المحاصيل بالمبيدات الحشرية المستوردة والتي كان
الفلاح يتحمل ثمنها الباهظ عندما تقوم الجمعية بتحصيل قيمتها وفوائد قرضها حين يقوم بتوريد إنتاجه من المحصول ، حتى إنه في فترة من الفترات كانت
هذه العملية تتم بالرش بطائرات الرش المؤجرة من الدول الأوربية بطيارين أجانب عن طريق الرش الجماعي لمساحات كبيرة تحدد للفلاحين بزراعتها
بنوع معين من القطن أو الأرز أو غيرهما من المحاصيل
ولقد عرضت تلك المبيدات صحة أبناء الريف المصري كله لأنواع من الأمراض الخطيرة من السموم الموجودة بهذه المبيدات القاتلة ، وقل الإنتاج وضُيِّق على الفلاحين حتى أهملوا الزراعة واتجه أبناؤهم للسفر بطرق مختلفة والتعرض للأخطار والغرق في البحار ، وتكليف الآباء المبالغ الكبيرة لنفقات سفرهم ، وباتت هذه الأنواع من المبيدات لا تؤثر في دودة القطن أو غيرها لرداءتها وفسادها وإصرار القائمين على استيرادها ليثروا من وراء ذلك الملايين بل والمليارات من الكبار في الحكومة من الوزراء ومعاونيهم حتى موظفي الحزب الوطني الفاسد في الجمعية ورجال الأعمال المحتكرين المستوردين لمتطلبات واحتياجات الزراعة
وتحمل الفلاحون أعباء زائدة من الديون للجمعيات ومنعتهم من تقديم الخدمات إلا بعد تسديدها بفوائدها فكرهوا الزراعة وانصرفوا عنها وبدأت الرقعة الزراعية تتقلص بالبناء على الأراضي وتجريفها ، وعجزت القوانين عن مواجهة هذا الفساد الذي استشرى في البلاد لفساد الحكام والحكومات
ومن أمثلة هؤلاء المحتالين والفسدة الذي شاهدوا فساد الحاكم فساروا على نهجه وتحت حمايته وبصره وزير الزراعة يوسف والي الذي كان يحتل منصبا عاليا في أمانة الحزب الوطني كنائب لرئيس الحزب ( حسني مبارك ) هو ورجاله فقد تعاملوا مع إسرائيل واليهود أعداء الوطن في شئون الزراعة
فجلبوا المصائب على مصر وشعبها عن طريق استيراد المسرطنات والمبيدات والبذور الفاسدة ، وباعوا بذور القطن المصري طويل التيلة واستبدلوه بقصير التيلة بدعاوى باطلة أنه البذور الجديدة خالية من ( الزغب ) الذي يحيط بالبذرة ويؤخر نموها إلا بعد معالجات كيماوية معينة ، وسمحوا لليهود
بدخول مجال الزراعة في مصر ليفسدوه كما أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية
وكذلك الوزير أحمد الليثي الذي كشفت ثورة 25 يناير 2011 مفاسده وما تسببه في عجزه عن مواجهة حملة الجراد وما أثراه بالملايين وهو على رأس الشركة القابضة للزراعة والتحكم في مشاريع النوبارية الزراعية بالكسب غير المشروع ، وقدمته هو ومن سبقوه إلى المحكمة بتهم الفساد
وإذا كانت ثورتنا الشعبية المصرية في 25 يناير 2011 قد نجحت في الإطاحة ببعض رؤوس النظام كالرئيس السابق وأبنائه وعدد من معاونيه
فإن تغلغل الفساد في معظم رجال الحزب الوطني المنحل باقية في فلول النظام المسيطرة على الزراعة والمتحكمة في الفلاحين إلى اليوم
ومن هنا تنطلق الدعوة إلى تحذير وتنبيه الشعب والفلاحين الشرفاء من أبناء مصر المحروسة من حيلهم وألاعيبهم وتدبيرهم لثورة مضادة تسعى لعودة
سيطرة النظام الفاسد ( الحزب الوطني ) وقياداته إلى الحكم البغيض الذي عانينا منه ثلاثة عقود بالقهر والظلم والرشوة والباطل
ولنضرب مثالا على ما نقوله يحدث للفلاحين اليوم في الجمعيات الزراعية :
حكى لي أحد المزارعين أن مخازن الجمعيات تمتلئ بالأسمدة المطلوبة لإنقاذ المحاصيل الزراعية للفلاحين ، فإذا ما توجه أحدهم إلى الجمعية يطلبها
قيل له : إن هناك قرار وزاري يمنع صرفها لأي فلاح لأجل غير مسمى حتى يصدر بذلك تعليمات من وزارة الزراعة في الحكومة الحالية وفيها عناصر من النظام السابق تسانده وتسعى إلى إفشال ثورة الشعب المجيد ، فينصرف حزينا يبحث عنها عند المحتكرين من التجار
وهكذا لم يعد تردد الفلاحين والمزارعين على الجمعيات تلك الأيام ، وهذا متعمد ومقصود بهدف إعطاء الفرصة لعقد انتخابات الجمعيات الزراعية
الجاري الاستعداد لها هذه الأيام بعيدا عن أعين وحضور الناخبين من الفلاحين حتى لا يترشح أحدٌ من مناصري ثورة 25 يناير فيها ،
ويتم تجديد العضوية للمنتفعين من رجال الحزب الوطني المحتلين لمجالس هذه الجمعيات منذ عدة دورات انتخابية أثناء الحزب الوطني المنحل
هذا ما تدبره فلول النظام للزراعة في مصر ، في حركة الثورة المضادة المتزايدة في البلاد ،
ولقد قام بعض شباب الثورة من الفلاحين الشرفاء بكشف تلك المكيدة ، وراحوا يوزعون إرشادات في القرى والنجوع حول الانتخابات الزراعية ويدعون الراغبين من الشرفاء للترشح لهذه الانتخابات
فانتبهوا أيها المصريين لما يحيكه لكم القابعون وراء القضبان بمساندة فلولهم المنتشرة في كل مكان ، وبالبطء في إصدار الأحكام العادلة وبإشاعة الفوضى والفتنة الطائفية في مصر
وإني على يقين أن الله تعالى سينصر الحق بفضله ، مهما كانت القوى المساندة لهؤلاء الظلمة والفاسدين حتى ولو كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة فإن الإرادة الشعبية أقوى ولها السيادة في النهاية.