المعتمد بن عباد ملك أشبيلية في عصر ملوك الطوائف من بني عباد، ولد في باجة (إقليم في البرتغال حاليا) وتوفي في أغمات 431 هـ - 488 هـ / 1040 - 1095م, اسمه محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل اللخمي أبو القاسم المعتمد على الله. كان شابا، فارسا، شاعرا مجيدا، يحب الأدب؛ فاجتمع في بلاطه نجوم ساطعة من أرباب ونوابغ القصيد من أمثال أبي بكر بن عمار، وابن زيدون، وابن اللبانة، وابن حمديس الصقلي، وكما كان المعتمد شاعرا مجيدا، كانت زوجته اعتماد الرميكية شاعرة كذلك وكان له ثلاث جواري وداد وسحر وقمر ، وكانت إشبيلية حاضرة دولته آية في الروعة.
***

بوح الشجون

(وقفة على قبر المعتمد ابن عباد)
***
شعر
صبري الصبري
***


سُقِيتَ قطرَ السما يا قبرَ أمجادِ= ونلت كل المنى في برزخ نادِ
وحزت متن العلا في قمة شهدت = جمالَ جو الفضا في صدق أشهادِ
فأنت في فكرنا تحيا وما فتئت= ذكراك في قلبنا تسمو بإرفادِ
وأنت في وعينا .. في روحنا نطقت= أشجان آلامنا في ليل سُهَّادِ
وأنت في فرحنا .. في حزننا سبحت= أطيافُ بلبالنا في يم أضدادِ
تعيش في شعرنا في نثرنا نطقت= حروفُ إبداعنا إبداعك الحادي
وأنت في سردنا تُحْكَى بلا مللٍ= ترويك أشواقنا دوما لأولادِ
تهديك أحلامنا إشراق بارقة= شعت لنا المنى في ركب أحفادِ
تسقيك أورادنا ينبوع ساقية= في مائها ريٌّ للأجدب الصادِ
مازلت بالمرتقى في ذروة سطعت = بالأفق بين الورى في نور وقَّادِ
أسدى صروح الإبا آثار نهضته= في فخر تاريخنا أجيالَ عُبَّادِ
بالأُسْد بين الربى يهوي بلا كللٍ= بالسيف بزَّ العدا بزا بإهمادِ
فجيش خصم الضيا يجثو على طللٍ= في ذل كبت بدا للأحمق العادي
(أدفونش) لاقى اللظى أعييْته رهقا= فارتج بين الثرى يهوي بإجهادِ
بالسيف نال الجوى في ويل ماحقة= أردته قزما ثوى في كهف أندادِ
بالشعر كنت الفتى تشدو لنا دررا= بالحسن ضمختها عطرا بإنشادِ
بالحب نلت المنى يا من له طربت= في سحر أهدابها (سِحْرٌ) بإمدادِ
و(وداد) تشتاقها في سترها بَهِجَتْ= في طي إسعادها في فرش مزدادِ !
والبدر إشراقه (قمر) كما قمر= بالود تهفو له ... للفارس الشادي
قد عشت عيشا سما ضمته أندلسٌ= فردوسنا يزهو في ثوب إسعادِ
والأهل أهل الوفا فيهم (رميكيةٌ)= آفاق أمجادهم بالأغيد الغادي
يا حزنها سكبت (أم الربيع) هنا= دمعا لها غدقا في نزف أكبادِ
والعيش أوقاته أزمانه قلبت= أحوال أيامكم في زحف أعدادِ
ثابوا إلى قصركم هدما له نبشت= أرماحُ تغييرهم تاريخَ أجدادِ
والناس إدهاشهم مما جرى جزعت= أنياط وجدانهم بالسهل والوادِي
إلاَّك أنت الذي تنساب في شمم = تزود عن حصنكم أطيافَ إفسادِ
بالأسر أغلاله أصفاده طبقت = بالحزن أعطافكم ترنو لأصفادِ
(أغمات) بين الربى تحويكمُ حكمت= تشديد إحكامها في قفل شدَّادِ
بالذل أحكامها كانت بـ(معتمد)= تنثال آلامه جهرا بأورادِ
والبنت غزل لها للصوف تغزله = للقوت يأتي هنا بالقدر بالكادِ
والصبر طوق له في ظل نكبته= بالأسر جرح به حزنٌ بأعيادِ
يشكو خطوب الضنا جاءته رامحة= بالضعف رام الرضا في بسط جوَّادِ
بالدمع يرثى التي كانت لها همم = بحنوِّ خفاقها تحنو بآمادِ
في نبع إغداقها إشراقها سطعت= في جو آفاقه في أحسن الزادِ
عانت صعاب الردى تشكو بوحدتها = ما كان في أسرها أحجارَ أطوادِ
يا ويح أعدائها فرحوا لما لقيت= في قهر إذلالها .. يا ويح حُسَّادِ
حين (اعتماد) الجوى أضناك مشهدها= بالضنك دفن لها في ضحل أبعادِ
(أغمات) أرجاؤها ضمتك في جدثٍ= سَطَرَتْهُ بين الورى صفحات أمجادِ
والشعر فيك انبرى في كل نازلة= يهدي إليك الوفا في صفو إيرادِ
ذكراك حزن الملا آلامهم سبحت= في يم أشجانها يا فيض زوَّادِ
تبكيك أشعارنا تحكيك قافية= ترويك أحلامنا في مربع هادي
في زهو إشراقها أبياتنا نطقت= للفذ أشواقنا ليست بإغمادِ
فالبوح منهاجنا يهديك ما طربت= أسماعنا لهفا للشدو بالضادِ
بالشدو أشعارنا تهمي لنا وجعا= ضمته أجسامنا في حزننا البادِ
يا من به لمعت في الغرب أحلامنا= بالأفق بثت لهم تشريع إرشادِ
نهديك أوجاعنا شدوا به نبكي= آلامكم جمعا في ركب مرتادِ
يا زائرا جدثا (أغمات) تحفظه= حفظا به يأبى تعتيم إخمادِ
يا ناظرا قبرا يوما لـ(معتمدٍ)= في مغرب أقصى في وقت إبرادِ
أو وقت قائظة بالصيف لفحته= بالحر تجعلنا في سُعره العادي
أو حين إقباله فصل الخريف به= أوراق دوحاتنا ندَّت بأعوادِ
أو حين إشراقه روض الربيع له= في دهرنا حسن يزهو لعُوَّادِ
أرجوك إبلاغه عنا محبتنا= يا من رأى يوما قبر ابن (عبَّادِ) !!