أهمية الموضوع : تأتي أهمية طرح هذا الموضوع الهام , وغير المسبوق مناقشة على أساس شرعي , فيما أعلم من خلال طفوّ ظاهرة تأجير الشهادات العلمية ممن يقومون باستثمارها , من الّّذين يرون أنّ ذلك يؤول بهم إلى المصلحة بوجه ما من الوجوه . لفت انتباهي لهذه الظاهرة حديث جرى بيني وبين أحد الأصدقاء الصيادلة , سأل خلاله عن حكم الإسلام في تأجير الشهادات للآخرين بهدف الاستفادة منها على أكثر من صعيد .
تحقيق مناط الموضوع : علينا أن نعلم أنّ الشهادات العلمية مهما تنوّعت , إنّما منحتها الجامعات لأشخاص معينين بأسمائهم بكل دقة , ولهم وحدهم حقوقها وامتيازاتها , وبهم ينحصر حق استخدامها . وعلى هذا التقت كلمة الشريعة والقانون . ومن هنا نعلم أنه لا يسوّغ أبداً تحت أي سبب من الأسباب استخدام شهادات الآخرين من قبل غيرهم . لأنه مخالف للحقيقة مجاف للحق . فهل يسوّغ مثلاً استخدام شهادتي كمجاز في الشريعة من قبل شخص آخر , ليدرّس في المدارس ويخطب في الناس ويفتي في قضاياهم ؟ بالطبع لا يقبل بهذا عاقل , وهو مرفوض , ومثل ذلك إجازة الحقوق والآداب والرياضيات والعلوم والفلسفة . ولكن الظاهرة الّتي هي موضوع بحثنا تنحصر في دائرة ثلاثة أنواع من الشهادات ليس غير هي : أ- الصيدلة . ب- الطب البيطري . ج - التحليل المخبري . وربما يلحق بذلك شهادات التعويض السّنّي . وبهذا أكون قد حققت مناط المسألة .
هل يجوز استئجار الشهادات العلمية التي حققنا مناطها أعلاه , وهي شهادات الصيدلة والطب البيطري والتحليل المخبري وتقويم الأسنان ؟ الّذي أعلمه أن هذه الشهادات ينحصر حق استخدامها شرعاً وقانوناً بمن منحت لهم فهم وحدهم يحق لهم ممارسه هذه المهن الصيدلة والطب البيطري والتحليل المخبري وتعويض الأسنان . فهم أعلم بأصول اختصاصهم , وبناء عليه يحرم تأجير الشهادات المذكورة لأي من الناس أيّا كان , والدليل على ذلك الخلل الواضح وعدم التوازن الكامن في هذا العقد , بحيث يستفيد صاحب الشهادة المؤجرة من المال , بينما يكون المستأجر لها غير ملّم بأصول الاختصاص فتكثر أخطاؤه مما يسبب الضرر للناس من حوله , ومع توسع هذه الظاهرة يتسع إطار الضرر . وهذا الخلل في التوازن يجعل عقد الإيجار باطلاً للضرر المتمخض عنه . والدليل من القرآن الكريم قوله تعالى في سورة الحجرات : ( قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً إنّ الله غفور رحيم . ) هذه الآية الكريمة بأفقها لا بنصها , نصت على أنّه لا يجوز لمسلم أن يدعي ما ليس له , وهذا منطبق تماماً على من يستأجر شهاده غيره . فهو يمارس الصيدلة وليس بصيدلي , ويمارس الطب البيطري وهو لم يدرس أصول هذا الطب , ويمارس التحليل المخبري وليس عالماً بطبيعة هذا الاختصاص . ومثل ذلك التعويض السّنّي . وهذا في الحقيقة كذب وتزوير , فمستأجر الشهادة يقول أنا صيدلي وهو واقعاً ليس كذلك , ومثله أقرانه ممن عرفنا . وخلاصة القول : تأجير الشهادات حرام يرفضه الإسلام لما يفضي إليه من الضرر من جهة ولأنه كذب وتزوير من جهة أخرى .
وأخيراً : هذه رؤيتي للمسألة أقدمها لأبناء الأمة للقراءة والاطلاع والتقيّد بها بداية , كما أضعها أمام علماء الأمة ليقولوا كلمتهم في هذه القضية , بعد أن فتحت لهم باب البحث فيها , خدمة للدين والأمة وإخلاصاً للحق .