(1)
النفس الإنسانية مجبولة على تفريغ طاقاتها السلبية كطاقة الغضب إذا امتلأت النفس بها لأي سبب من الأسباب؛ فلو أن إنسانا يعبر طريقا، ووجد شابا يضرب هرما- لامتلأت نفسه غضبا مرة واحدة، ولقفز يضرب الشاب من دون أن يسأل أو يستفسر.
ولو أن إنسانا وجد رجلا يضرب امرأة لفعل الفعل ذاته من دون أن يستفسر، ومن دون أن يفكر في العواقب و ... و...
لماذا؟
لأن هذه الطاقات السلبية يضر كبتها؛ لذا امتدح الله تعالى ضبط هذه العاطفة وجعل ذلك من صفات المتقين والمؤمنين، فقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، وقال: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 36، 37].
وصار ذلك خصلة مدح عند الناس أن يمدحوا الذي يحلم ولا يجهل سريعا، والذي يصبر على جهل الآخر، وما ذلك إلا لعلمهم أن ذلك صعب وليس سهلا.
(2)
ومن يقرأ عملا أدبيا أو يشاهد عملا فنيا، ويعايش أحداثه الرئيسة والفرعية، وينفعل بها ويتخذ مواقف حيال ما يحدث فيها- تنمو داخله مشاعر تجاه ما يحدث، وينبغي أن تأتي الأحداث بما يفرغ هذه المشاعر إذا كانت سلبية قبل أن ينتهي العمل.
فلو أن عملا كان عماده بغي شخصية من شخصياته، وانتهى من دون وجود ردع لها- لكان ذلك سلبيا على المستوى النفسي والمستوى المعرفي عند المتلقي وإهدار لقيم، وذلك في الحبكات المباشرة المتصاعدة مع الحدث من البدء حتى الذروة إلى الانطفاء، إلا إذا كان غرض الأديب إبقاء طاقة الغضب تجاه قضية عمله لأسباب أُخَر.
وفي الأعمال التي تكون حبكتها غير مباشرة كالأعمال الحوارية أو الأعمال التي تعتمد حبكات لا تزرع الشعور زرعا، لكنها تعمل على الفِكَر فلسفة أو عرضا أو غير ذلك حسب ما يرى الأديب- فإن نصرة اتجاه ضد ما يراه المتلقي وعدم سرد أدلة الرأي الذي يراه المتلقي على لسان إحدى شخصيات العمل يجعل المتلقي صاحب طاقة شعورية سلبية لكنها فكرية أكثر منها عاطفية نفسية.
(3)
والتطهير هو ذلك الفعل الذي ينهجه الأدباء بأن يجد كلٌّ جزاء فعله لا لغرض فني فقط إنما لغرض مراعاة نفسية المتلقي وعقليته، وهذا هو العدل الذي يمثل قيمة حياتية ونفسية وواقعية؛ فالإنسان لا ينبغي أن يعيش في منطقة سلبية فقط من دون إشارة إلى المنطقة المضاءة حتى يظل التوازن النفسي والعقلي محققا.
ومن خلال هذا العنصر يؤثر العمل الأدبي والفني في تغيير نفسية المتلقي وقناعاته.