بحث في القول الشائع:
حرّيّة التعبير


السمع الصيّاد
و
اللسان الصدّاح






كتبها : فيصل الملوحي





يقولون- والعهدة على الأدباء والكتّاب -: إن فلاناُ حكيمَ الزمان الكاتبَ الكبيرالمفكّرَالعظيم يتواضع للناس، ويتفهمهم، ويحترم آراءهم.
هذا القول لاغبارعليه بشرط أن يُربط بفكرةغيرجديدة نتعلّمها من علماء التربية والنفس والأطباء، والفلاسفة – وآخرين..

يقول العلماء: يتكوّن الإدراك من مجموعة خبرات تلتقطها الحواسّ – وعلى رأسها الأذنان – و تتفاعل في الإنسان – وبخاصّة في عقله، وقد تُولّد فكرة معنوية جديدة أو اختراعاً تنتفع منه البشريّة – طبعاً وقد يضرّبها -.
تُبنى اللغة عند الأطفال من معلومات تختزن في فكر الطفل– وفي وعيه الباطن..-،فيبدأ بالمناغاة وبالكلمات– التي هي أقرب إلى الحروف– ثم ينتقل إلى الكلمات الأعقد ثمّ إلى العبارات السهلة وبعدها المعقّدة.
وهو ما يحدث للكبار في لغتهم وغيرلغتهم.

نعم! ليس الناس سواسية في قدراتهم العقلية والخيالية، هم يختلفون في درجات هذه القدرات، وفي تنوّعها – ليس هذا مجال بحثنا -، ولكل إنسان أن يعتزّ بآرائه وأفكاره ومخترعاته، هذا حقّ مشروع.
ولكن ّ الحق كذلك أن على الإنسان حين يعتز بما يفكّر معبّراً عنه بلسانه بما يملك من حجج وبراهين وبما أوتي من قوّة البيان ألا ينسى أن ما أنتجه كانت بدايته من الأذن – مع الحواسّ الأخرى كالبصر– التي التقطت ماعند الناس من فكر ومافي الدنيا من حقائق، أي أنه إذا افتخر بلسانه الصدّاح وعقله الرشيد ألا ينسى أن يفتخربما سبقهما سمعه الصيّاد الذي لا يستطيع الاستغناء عنه.
لك أن تفتخر برأيك، ولكن لا تَدّعِ أنك الملهم الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أنت دائماً بحاجة إلى أن تستمع إلى الناس، أنت بحاجة إلى حسن الإصغاء لتحاكم رأيك، وتنظر فيما سمعت لتصحح الخطأ وتُبقيَ على ما يتأكّد لديك أنه صواب.

الدفاع عن حريّة الرأي، عن لسانك المعبر حقّ مشروع، وعليك – في الوقت نفسه - أن تدافع عن سمعك، فالكارثة في فقدان اللسان والسمع، ولكن الكارثة ستكون أكبر لو فقدت سمعك– وغيرها من الحواسّ-، وكلنا نعلم أن فاقدي السمع خِلقةً فاقدوا النطق حكما.
أرأيت إلى المهندس المعمار؟! لا شكّ في أنّه يتميّز على غيره بإبداعه في العمران، ولكنه لن يبنيَ عمارته من العدم، لقد سبقت المواد عمارته، ولها فضل كبيرعليه فيما أبدع.

النتيجة أنك في مدحك إنساناً بحصن الإصغاء واحترام الآراء ليس منّة منه على أحد، بل هو الفضل الذي عليه أن يشكره للآخرين، فمنهم انطلقت ألقابه السيّارة: حكيم الزمان، الكاتب الكبير،المفكّرالعظيم!!