تفاح جولاني...
ملف مرفق 1186
كنت على يقين من أنني خذلت والدي عندما قتله الصهاينة حتى ولو كان راضيا بذلك!,كان ذلك ,ونحن ماضون مع إخوتي ووالدتي بناء على رغبته,إلى سوريا بصمت رهيب وطاعة عمياء.....
هذا ما فهمته عندما رحلنا معا من دارنا الكائنة في أطراف مجدل شمس... وبقي وحده صامدا أمام ريح مكرهم ودهائهم, وآلة الغدر الرهيبة هناك, يمسك بتراب الأرض لئلا تضيع منه حفنة!.
مازلت أحتفظ بكتبي التي كنت أدرسها هناك حتى المرحلة الإعدادية...لقد رحلت والدتي حينها وصحبتنا إلى سوريا مرغمة عندما عرف أن أرضه بقيت يتيمة وسط كل الأراضي من حوله ليبقى شوكة عصية في حلوقهم,كانت قد أخذت نسخة من مفتاح دارنا على أمل العودة من جديد إلى هناك
نعم .. لم تكن أمي راضية بالرحيل...كان قد دفعها دفعا وهي تشيح بدموعها عنه وكأنها تعلم تمام العلم من أنه لن يعود...
نعم ..لقد استشهد والدي هناك وهو يناضل ضد عدو يجمع كل أرض غفل عنها أصحابها وحملوا معهم فقط مفتاحها !! وأي مفتاح سيعيد الوطن؟وماذا ينفع ونحن لسنا هناك؟..كان والدي يزرع أرضه تفاحا كان أفضل تفاح في مجدل شمس كنت أعرفه من بين جميع الأنواع التي عرفتها ,وأكاد أميزه من كل ما أراه من تفاح في سوريا و الذي عرفته بعد ذلك, كان يرسلها عن طريق الأمم المتحدة التي تحسب أنها ترفق بأهلها ,تصريفا لبضائعهم وموقفا إنسانيا هاما جدا على الأقل بالنسبة لنا,..كنت أعرفه جيد وكان هذا حسبي وعزائي الكبير... ربما كنت أعتقد ذلك,...كان كبير الحجم لونه أحمر قاني قد سقته دماء الشهداء هناك...
قالت لي جارتنا يومها ونحن راحلون.. وقد كانت جدة الجميع ومنزلها العالي يكاد يشق الغيم بكبريائه:
-يا بنتي كاميليا , لا ترحلي لأنك لن تعودي ولن ينفع المفتاح مهما فعلت..من يحب أرضه لا يفارقها أبدا , يجب أن تعودوا إليها يوما ما ...لا تنسي وقريبا جدا..
لم أفهم تلك العبارة في حينها فقد كان العدو قد أحكم علينا قبضته جيدا ..وخشيت والدتي الفقد والحرمان ونحن نتألم من سطوتهم الحارقة,و دون أن يسمعنا أحد...فكم سمعنا قصصا عن قتل وخيانات ومواقف عصيبة لم نستطع دفعها ولا معرفة سرها ...أو على الأقل الاقتناع بواقعيتها! كم كانوا ينسجون الأساطير ليخرجونا من أرضنا بالقوة!وكم من بشر صدقوا تلك الأوهام ...بئس البشر هم...
لقد رحلنا ..ودروس العبرية الإجبارية التي كنا ندرسها هناك بقيت معششه في ذهني أجمعها حرفا حرفا ,كي أعلمها لأولادي الذين يجب أن يعودوا لبلادهم يوما ما.. ,.. خاصة بعد زواجي و الذي رأته أمي نوعا من إنقاذ لمصيرنا الأسود..فنحن لاجئون..وهؤلاء مهجرون وعن بعد كان النازحون...يا أمة شتتها مرض الأنا..فلم ترث لحالنا سوى الكلمات! !
*******************
طار الأولاد ..وكبروا وتركوني وحيدة ...هنا أتجرع ذكرياتي..وحدي وندائي لا يسمعه إلا القليل..
أقلب ذكرياتي وجمر الشوق يكاد يحرق ما تبقى من عنادي..
مازالت صورة والدي تلوح لنا من بعيد..تعيد لنا الأمل بغد آت لا محالة...
****************
أفقت صباحا لآتي بتفاحي كالعادة...فما كان يحلو لي الصباح إلا به..وريح المظاهرات تلفح وجوهنا الحزينة تذكرنا بالذي مضى...وشتان بين الصورتين!.ولكن هل غير العدو من صورته وتلبس بأثواب الجن؟
دماء في الأرض تعيد لنا زماننا المفقود والذي كنا نقاوم من خلاله الاحتلال!ووجوه كانت قد أكلتها الشمس وعذوبة الكفاح كان له طعما آخر...
كل كان له ألمه الخاص وكان لي ألمي كذلك و الذي لا ينتهي.. ومازال يتجدد كل يوم ..أين إخوتي العرب الذين غابوا عنا؟هل مازال حيا من يسمع نداءنا؟
صحوت على صوت البائع الذي يصدح اليوم بقوة دون أن أجد له تفسيرا ..
-هل لديك تفاح جولاني يا أبو خالد؟
-وما علاقتك أنت بتفاح جولان؟هو إسرائيلي وليس بجولاني لذا نصيحتي ألا تشتريه بعد الآن, أنت مدرّسة على ما يبدو ولا تعرفين التفاح الحقيقي بعد!. ولا ما أعرفه..أنا فلاح ابن فلاح وأعرف حقيقة كل شيء...
-ما أعرفه لن تعرفه أنت يا ذا الوجهين.. لا أحد يعرف بتفاح بلادي غيري..
بدأ يصرخ ويزبد ويجمع بائعي الحي...وبدأت أمسك بتلابيبه وبقوتي العنيفة التي خرجت ماردا حينها..حتى أبعدوني عنه لأنني كنت امرأة . وسط الرجال .
لقد تغير أبو خالد...وتغيرت ملامحه...وتغير وجه الزمن الذي أعرفه...فيه..
وصرخت ملتاعة:
-أين أبو خالد ؟
ما أجاب أحد...وما سمعني احد وسط اللغط...
تركتهم حينها يتناوشون ..ومضيت قافلة من بين الجمع الذي بات يضرب في كل شيء...وكأنه الحمم!التي أخرجت الحمأة من وسط البركان...
عدت لمنزلي دون أن التفت.. وأنا على علم حينها بأنه يجب أن أعود إلى بلادي..,رحت أبحث عن سيارة تقلني لحدود الجولان من فوري لأترك رسالة سريعة هامة لأولادي ..
.صائحة به من بعيد:
-هناك سيكون موعدنا القادم وسترى, أيها الخائن.
ريمه الخاني 6-9- 2011