تردي الأوضاع في الوطن العربي وطغيان السلطات وتمرد الحاكم أدى
الى انتفاضات شعبية أنقلاباً على واقع فاسد هيمنت من خلاله عوائل
سلطوية على مصائر الشعوب الأ ما حدث في العراق مغايراً للدول العربية
التي رفضت التوريث وأختارت الحرية .
فقد دخل المحتل طامعاً وعابثاُ وناهباً لثروات العراق وفرض سياسة
التجزئة والتقسيم والمحاصصة البغيضة لكتل وحركات واحزاب اوجدها
الأحتلال الأمريكي نفسه ، وكعادة الشعب العراقي أعلن رفضه للتواجد
الأمريكي وقاوم ورفع صوته عالياً ضد الظلم والأستبداد والتهجير والقتل العمد .
وكمثيلاتها ساحة التحرير من الساحات الثورية في الوطن العربي حافلة
بالتظاهرات والأحتجاجات والأعتصامات مطالبة بتحسين الوضع المعاشي
وتوفير الخدمات من الكهرباء ومفردات البطاقة التموينية وفرص العمل
والقضاء على الفساد الذي طال كل مرافق الدولة ودون عقاب ومحاسبة تذكر .
وأختلفت الهتافات الرافضة للتواجد الأمريكي في عناوينها واتفقت بجوهرها
بأصوات الشباب الواعي المتحمس للحرية والديمقراطية .
وتنوعت الفعاليات كل جمعة بتزايد اعداد المتظاهرين وأختلف التعبير في السلوك
والتصرف فلم تكن الأ ثورة المثقفين والمبدعين وتفرج القوى الشعبية الأخرى
والدولة في حراك وعراك سياسي لا جدوى من تفاعله سوى أشغال الشعب
بقضايا لا فائدة من أثارتها .
فاليوم أقدم الشاعر العراقي المعروف كاظم الحجاج على نمط أخر ومن المقام
الأول في التعبير عن ثورة ابلغ برسالتها وذلك من خلال أعتكافه في منزله
حتى الموت أحتجاجاً على تردي الخدمات وانقطاع الكهرباء المستمر وتزامن
مع أرتفاع درجات الحرارة حيث وصلت الى درجة 52 درجة مئوية .
فأعلن الحجاج أعتكافه معلناً للعالم بقوله ( لن اخرج من بيتي أحتجاجاً الى أن أموت .
لن أقابل أحد . ولن أرد على الهاتف . عذراً للجميع وداعاً .) أصر أن يلزم منزله
معتكفاً حتى الموت .
هذه ثورة الشاعر الأنسان تفصح عن مدى معاناة الشعب العراقي من تردي الخدمات
والأنقطاع الدائم للكهرباء رغم تخصيص المبالغ الطائلة لقطاع الكهرباء ولكن تذهب
في جيوب المفسدين والتعاقد مع الشركات الوهمية والمفلسة مما حدى بشاعرنا الكبير
كاظم الحجاج الى مقاطعة الناس بعد أن قمعت التظاهرات والأعتصامات .
فقد بادرت السلطة المحلية في مدينته بأهتمام رسمي ووعود بتوفير الطاقة الكهربائية
لمنزله الأ أنه رفض معلناً عن أحتجاجه بقوله ( لن أعتكف ذلك لنفسي ..
افعلوا ذلك للعراقيين إن استطعتم . )
كاظم الحجاج شاعر عراقي معروف من مواليد محافظة البصرة 1942 من جنوب العراق .
أصدر مجموعته الشعرية الأولى ( أخيراً تحدث شهريار ) بغداد 1973
ومجموعته الشعرية الثانية ( إيقاعات بصرية ) بغداد 1987
ومجموعة شعرية ثالثة ( غزالة الصبا ) عمان 1999 ولديه دراسة في كتاب
بعنوان ( المرأة والجنس بين الأساطير والأديان ) صدر في بيروت عام 2002
وله مجموعة شعرية رابعة ( مالا يشبه الأشياء ) بغداد 2005 وكذلك كتب للمسرح
أربع مسرحيات عرضت ثلاثاً منها وفازت أثنتان بجوائز .
ومازال كاظم الحجاج صامت و( يوسف ) أبنه ينقل أنباءاً عن أصراره على مواصلة
الأعتكاف ورفضه مقابلة الأخرين وقد توقف عن كتابة الشعر وترك أعمدته الصحفية
ومقالاته في الصحف العراقية .
فما كان الأ أحتجاج سياسي للمثقف العراقي من طراز أخر لعل الأوساط الأدبية
والمحافل الجماهيرية لها تعبير أبلغ لهذا المشهد الثوري والأحتجاج ضد تردي الخدمات وتفشي الفساد ..
كاظم الفضلي