لوحات الجليد والثلج

وو بينغ
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
لوحة بأسلوب نثر الملح
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
((شمس الأصيل)) للرسام تاو شي هو
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
((منطقة تشينغليانغ الباردة المنعشة))) للرسام فان تشن
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
جزء من ((منطقة تشينغليانغ الباردة المنعشة)) للرسام فان تشن
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
((نهر ووسولي في الشهر القمري الثالث )) للرسام تشو شنغ هوا
الصين دولة مترامية الأطراف، معقدة الطوبوغرافيا ومتغيرة الظواهر الجوية. في الشتاء تزدحم سماء شمالي الصين بالثلوج ويغطي الأرض الجليد. وفي جنوب غربي الصين تظل الثلوج، بأشكالها المتنوعة، جاثمة على الأرض لا تذوب طوال السنة. أما في منطقة جنوبي نهر اليانغتسي، فمشاهدة الثلوج متعة رائعة. هذه الظروف الجغرافية والإنسانية جعلت الجليد والثلج موضوعا ثريا لأعمال الرسم الصينية.
خصوصية الثلج في اللوحة المائية

في شارع قديم، وبينما تتراقص نتف الثلج في الفضاء، ثمة رسام منهمك في إبداع لوحة مائية .سأله أحد المارة: "الجو شديد البرودة، والماء الذي تستخدمه لا يتجمد، فما السبب؟" رد الرسام مبتسما: "ببساطة لأنني أضفت الكحول إلى الماء". خلال الحوار، واصل الرسام إبداع لوحته حتى أتم رسمها، وبسرعة أخذ حفنة ملح من حقيبة معه ونثرها فوق اللوحة المبللة، فارتفعت ثلوج على اللوحة وبدا أنها تمتزج مع الثلوج المتساقطة من السماء بصورة ساحرة أدهشت من رآها.
عرفت الصين اللوحة المائية، مع اللوحة الزيتية، قبل مائتي سنة عندما قدمت إليها من أوروبا. ولأن اللوحة المائية ترسم بألوان تمزج بالماء فإنها، من ناحية اللوان والمواد، تشبه كثيرا اللوحة الصينية، لدرجة أنه عند إبداع اللوحة المائية يمكن توظيف طرق رسم اللوحة الصينية حرفيا. ولعل هذا هو السبب في حظوة الرسم المائي عند الصينيين حتى صار أكثر أنماط الرسم شيوعا بينهم.
طرق التعبير عن مشاهد الثلج في اللوحة المائية متعددة، ومنها طريقة "نثر الملح" التي أشرنا إليها مسبقا. بهذه الطريقة، عندما يذوب الملح يمتص الألوان القريبة منه فتتشكل قطع من "رقع الثلج". ولكن الملح يمتص الماء من الجو أيضا، ولهذا كلما أصبح الجو غائما عابقا بالهواء الرطب، يصير الجزء المنثور عليه الملح رطبا أيضا، وهذا يؤدي في النهاية إلى تعفن اللوحة. لهذا، استبدل الرسامون فيما بعد الملح بمسحوق الغسيل لمعالجة مشكلة التعفن والحصول على نفس النتيجة. بالإضافة إلى ذلك، هناك أساليب أخرى لرسم الثلج، منها ترك مساحة بيضاء واستخدام التشميع والكشط بالسكين. في أسلوب ترك مساحة بيضاء، يترك الرسام جزء الثلج على اللوحة أبيض بدون رسم، فتبدو المساحات المتروكة بيضاء مثل الثلوج المكدسة الممتدة؛ وفي أسلوب التشميع يدهن الرسام أماكن الثلج على الورقة بشمع البرافين غير الملون، ويرسم ما عداها، فتبدو تلك الأماكن بيضاء بعد أن يتم اللوحة؛ أما أسلوب الكشط بالسكين فيستخدم قليلا لأنه قد يخدش اللوحة ويشوهها، ويلجأ إليه الرسام فقط في حالة وقوع خطأ عند استخدام أسلوب ترك المساحات البيضاء. في السنوات الأخيرة، ظهر نوع من "صمغ المساحة البيضاء حيث يدهن الرسام أماكن الثلج بالصمغ أولا، ثم يزيل الصمغ بعد إنجاز الرسم، فتظهر المساحة البيضاء كأنها الثلج.
من فطاحل الرسم المائي المتخصصين في لوحات الثلج، الفنان تاو شي هو (1948- ) الذي حقق شهرة واسعة في السنوات الأخيرة. تتميز لوحاته بواقعيتها الشديدة حتى يظن مشاهدها أنها صورة فوتوغرافية. في عمله النموذجي ((شمس الأصيل))، الألوان غاية في الشفافية وشظايا الثلج شبه ذائبة في أثر عجلات المركبات على الطرق الجبلية بعد سقوط الثلج. هذه الصورة المرسومة بالألوان المائية بدقة بالغة يصعب على غيره أن يصل إليها، ففي هذه اللوحة نجح الرسام في جعل لون الثلوج النقطة الصارخة في اللوحة. يجيد تاو شي هو أيضا رسم نتف الثلج التي تبقى على أغصان الشجر، وتلك عملية إبداعية مرهقة تحتاج براعة فنية فائقة وقدرة احتمال عالية.
اشتركت أعمال تاو شي هو في معارض فنية وطنية إحدى عشرة مرة، وحصلت على جوائز ذهبية وفضية، وعرضت في كندا والنمسا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث نالت ثناء وتقديرا عاليا من الخبراء الصينيين والأجانب.
ولد تاو شي هو في شانغهاي، وانتقل إلى شمالي الصين منذ التحاقه بجامعة المعلمين بمنطقة منغوليا الداخلية الذاتية الحكم. وقد أدهشت الثلوج الجليلة في شمالي الصين المختلفة تماما عن المناظر الرقيقة العاطفية في جنوبي الصين، هذا الرجل القادم من الجنوب.
يختلف تاو شي هو عن نظرائه من رسامي اللوحة المائية في أنه بدأ رحلته مع الرسم من الرسم الصيني ونضج في الرسم الزيتي قبل أن يصبح أبرز رسامي اللوحة المائية. تساعده قدرته القوية على التشكيل وشعوره الحاد بالألوان على إبداع مشاهد ثلجية حقيقية بأسلوب ترك المساحة البيضاء التقليدي، بدون استخدام أسلوب نثر الملح وأسلوب الكشط بالسكين وغيرهما من الأساليب الخاصة. في إبداعه للوحته، يحافظ تاو شي هو على أبرز سمتين للوحة المائية وهما الشفافية والصفاء، ويدمج فيها مزايا التشكيل للوحة الزيتية، مع تطعيمها بالسحر الرومنطيقي للرسم الصيني، وهكذا يجمع مزايا ثلاثة أجناس من الرسم في تناغم وانسجام، في أسلوب فريد يجمع بين المهابة والقوة والبساطة، مؤسسا مذهبا جديدا في أوساط الرسم في الصين المعاصرة.
الجليد والثلج في الرسم الصيني

ورق شيوان المستخدم في الرسم الصيني يتسم بالرقة البالغة ولا يمكن كشطه بالسكين، ولهذا فإن أساليب نثر الملح والتشميع وترك المساحة البيضاء هي الأكثر شيوعا في رسم الثلج. وتذكر السجلات الصينية القديمة أن الصينيين عرفوا "نفخ السحاب ونفض الثلج"، وهو أسلوب غمس الإصبع بصبغة بيضاء ونفضها على الورقة. ومازال بعض الرسامين المعاصرين يغمسون فرشاة الأسنان بالصبغة البيضاء وينفضون مقبض الفرشاة خفيفا لنثر اللون الأبيض في الأماكن التي يريدونها بيضاء.
وقد ابتكر الفنان المبدع يوي تشي شيويه (1935- ) أسلوبا للتعبير عن الجليد والثلج باستخدام المطاط والشبة، حيث تضاف مادة الشبة إلى محلول مطاط حيواني يستخدم في رسم أشكال الجليد والثلج على ظهر قطعة من ورق شيوان الأبيض، ورسم الجبال والأنهار والأشجار والحجرات بالحبر على وجهها، فتكون الأماكن المرسومة بمحلول اللاصق والشبة بدون لون وتبدو مثل جليد متراكم. لذلك يعتبر يوي شي شيويه مؤسس رسم لوحات الجبال والأنهار التي موضوعها الجليد والثلج.
تشتهر منطقة شمال شرقي الصين برذاذ الثلج الذي يرصع أغصان الأشجار، فيبدو وكأن الأرض مغطاة بالثلج الأبيض. على شاطئ بحيرة سونغهوا في مقاطعة جيلين أشجار كثيرة وضباب كثيف، مما يجعل مشهد رذاذ الصقيع في مقاطعة جيلين عظيما مدهشا يجذب كثيرا من الزوار الصينيين والأجانب. وقد أقامت حكومة المقاطعة لجنة لبحوث رسم رذاذ الصقيع، وشكلت فريقا من الرسامين المهتمين بلوحات رذاذ الصقيع لبحث فنون وصف رذاذ الصقيع. كان من نتيجة ذلك إبداع بعض الأعمال الرائعة، من أبرزها لوحات الفنان فان تشن.
ولد فان تشن في بكين سنة 1972. درس الفن وبرع في رسم الأرض المغطاة بالثلج وتفوق في استخدام أسلوب ترك المساحات البيضاء التقليدي. من أشهر أعماله سلسلة لوحات ((منطقة تشينغليانغ الباردة المنعشة)). خلال بضع عشرة سنة، تجول في أنحاء البلاد لاستلهام أفكار وموضعات لوحاته. وقد جعلته تجربته في البحث ذات ليلة عن فرشاة الرسم تحت الثلج الغزير، عاشقا للمساحات الفسيحة المغطاة بالثلوج.
يقول إن تلك التجربة لها مغزى رمزي، فهي بمثابة رحلة البحث عن الذات. ذات ليلة، بعد سقوط الثلج خرج فان يبحث عن فرشاته المفقودة. وبينما كان الرسام يسير في الظلام على غير هدى، ذهب عنه ما كان يقلقه وعادت إلى قلبه الطمأنينة والهدوء، وصار لحياته معنى وهدف. فقد عثر على بيئة هادئة جعلته يتواصل مع السماء بعيدا عن ضجيج المدن وصخبها. يشعر دائما بالحنين إلى البيئة الباردة المنعشة المملوءة بالثلج. وكلما رسم الثلج، لا يرسم منظر بعينه لمكان محدد في زمن معين، ولكنه يخبر مشاعره الروحية في تلك الليلة، ويستعيد صفاء نفسه وسط الضجيج. اختار للوحته عنوان "منطقة تشينغليانغ"، السبب لذلك أن بوذا ونشو الذي يمثل الذكاء يسكن جبل تشينغليانغ. كلمة "تشينغليانغ" مأخوذة من كلمة هيما في اللغة السنسكرتية. وفقا لقواعد السنسكرتية، عندما يستخدم جذر كلمة هيما كالفعل، فإنها تعني البرد ونزول الثلوج ودخول الشتاء، وعندما يستخدم كالاسم، تعني البرد والثلوج والشتاء وغيرها.
يرى فان تشن الثلج عالما هادئا ولكنه ليس جامدا ساكنا. لا يأتي الثلج بالبرد القارس وإنما بالدفء والطمأنينة والهدوء. في لوحاته بعض حملان تقفز في الحقول، وتمرح على الأرض المغطاة بالثلوج، أو يستريح أو يمر واحد أو اثنان من العقعق في الوادي الهادئ، تاركة من خلفها صدى زقزقاتها يتردد في هذه البيئة الساكنة الهادئة.
الجليد والثلج في فن الحفر

فن الحفر في الصين له تاريخ عريق، فقد عرف الصينيون منذ فترة مبكرة أعمال الحفر على الخشب المطبوع بالألوان المائية لعيد الربيع. ولكن فن الحفر المعاصر يؤرخ لبدايته بحفل دعا إليه الكاتب الصيني الكبير لو شيون في أربعينات القرن الماضي موضوعه فن الحفر. وقد تأثر الفنانون الصينيون بفن الحفر على الخشب للفنانة الألمانية كاثي كولوفيتز (Käthe Kollwitz) (1867 - 1945) وأبدوا فن الحفر على الخشب باللونين الأسود والأبيض ذا الخصائص الصينية. في ستينات القرن الماضي، اشتهر مجموعة "بيداهوانغ" بقيادة تشاو مي (1931- ) وهاو بوه يي (1938- ) في أوساط الفن. هذه المجموعة من الفنانين تأثرت بأساليب التركيب والتكنيكات التي كانت معروفة في الاتحاد السوفيتي السابق، وأعادت تقديم الألوان بالشكل الفني السابق للأبيض والأسود، وأبدعوا نمطا من الحفر الملون حمل اسم "رسم بيداهوانغ المحفور" الذي يتميز برسم الجبال السوداء والأنهار البيضاء لموطن الجليد والثلج. وهكذا أصبح الجليد والثلج موضوعا مهما لإبداع رسم بيداهوانغ المحفور.
هاو بوه يي، رسام الحفر المولع برسم الجليد والثلوج، يتخذ في لوحته ((بعد الثلج))، السماء الزرقاء الصافية بعد سقوط الثلج كخلفية للرسم، وعلى السياجات الخشبية التي تتباعد بطريقة فنية تبدو قطع الثلج البيضاء مثل الآيس كريم المكشوف من غلافه. وفي لوحته ((السير على النهر))، يقود شخص خمسة كلاب تجر عربة زلاجة للسير على النهر الأبيض المتجمد. يصور هذا المشهد حياة الإسكيمو في المحيط المتجمد الشمالي، ولذا عندما عرضت هذه اللوحة في دول شمال أوروبا، لم تكن غريبة على أهلها.
الرسام هاو بوه بي ليس غزير الإنتاج فحسب، وإنما أيضا يسعى دائما لاكتشاف وتربية عدد كبير من الأكفاء لمجموعة بيداهوانغ الإبداعية. وبإرشاد ودعم منه، أتى الرسام الشاب تشو شنغ هوا رسام شاب من منطقة نائية إلى مؤسسة إبداعية متخصصة.
في سنة 1965، غادر تشو شنغ هوا (1949 - 2000) مدينته الكبيرة إلى الريف ضمن فرقة من الشباب المثقفين. كانت حياتهم شاقة ولكنها مفعمة بالمتعة. كان تشو شنغ هوا يتردد على الجبال الجرداء المغطاة بالثلوج الثقيلة لجمع الأغصان اليابسة، ثم ينقلها إلى مقر الفرقة لاستخدامها كحطب. كان يعمل في الأرض المغطاة بالثلوج ويسير عليها طول الشتاء.
هذا الفنان الذي عشق الرسم منذ نعومة أظفاره لم يتوقف تدفق إبداعاته وهو منهمك في أعماله الأخرى. وقد صار العالم المملوء بالجليد والثلج أمامه الموضوع الرئيسي في أعماله. بعد وقت غير طويل، اشترك في الجماعة الإبداعية لرسم بيداهوانغ المحفور بمساعدة الرسام هاو بوه يي. وبعد ذلك، حصل أحد أعماله على الجائزة الذهبية للدورة العاشرة للمعرض الوطني لأعمال الحفر، وشاركت أعماله في معارض وطنية وعالمية غير مرة، وجُمعت بالمتحف الوطني الصيني للفنون ومتحف لو شيون التذكاري ومتحف شنتشن للفنون وبعض المتاحف الأجنبية، ويقتنيها كثير من هواة جمع الأعمال الفنية. كان تشو شنغ هوا عضوا دائما بالجمعية الصينية لفناني الحفر.
أحب تشو شينغ هوا رسم الثلج، وترى في لوحاته دائما حيوان الألكة (حيوان خاص يعيش في الأرض المغطاة بالثلوج). الألكة حيوان وديع يستخدمه أبناء الأقليات القومية بالصين الذين يعيشون في الغابات لنقل البضائع. في لوحته ((اليشم المتراكب - الشمال))، تقف بعض حيوانات الألكة بجانب خيمة بسيطة لصيادين من قومية ألونتشون، تنتظر أصحابها بهدوء، وخلفية اللوحة غابة على جبال متراكبة. بذل الرسام جهودها مضنية لوصف قوة الحياة التي تعكسها الزهور والأشجار اليشمية في أرض يكللها الجليد والثلج، والتناغم بين الإنسان والحيوان. أما لوحته ((بدء الصقيع)) التي تجسد فرحة الإنسان والحيوان عند سقوط الثلج لأول مرة ففازت بالجائزة الفضية للدورة السابعة للمعرض الوطني للفنون، وضمها المتحف الوطني الصيني للفنون إلى مقتنياته. وفي لوحة ((الشتاء الدافئ)) ولوحة ((شياوتشوانغ)) وظف تشو شينغ هوا السحر الخاص واللغة الفنية البليغة للحفر فعبر بطريقة بالغة الإيجاز عن الجمال والصفاء. وفي لوحة ((نهر ووسولي في الشهر الثالث القمري)) يصور القوارب أثناء استراحتها على ضفة نهر ووسولي المغطي بالجليد والثلج، ومصابيح الإشارات البحرية، وصياد ينقل قارب صيد بعربة زلاجة. يبدو المشهد في اللوحة هادئا ودافئا مفعما بحب الحياة في منطقة حدودية نائية.
http://www.chinatoday.com.cn/Arabic/2009n/0912/p13.htm