(1)
من تقنيات التنمية البشرية في الوصول إلى أهدافها:
أ- إعادة تصور الأشياء حتى يتغير السلوك.
ب- تشقيق الأشياء وتفتيتها إلى وحدات صغيرة يُركز فيها، وتُسلط الأضواء عليها حتى يراها المستهدفون ويعظمونها ويعطونها حقها من الاهتمام والتفكير.
ج- ربط الإنسان بالقيم الإيجابية ومحاولة تقويتها بوسائل كثيرة، وإبعاده عن القيم السلبية بوسائل كثيرة متعددة.
د- ...
(2)
وفي الهدي النبوي الشريف مواقف تؤصل ذلك وتؤكده، وهي أولى بالاهتمام وبالنشر والإذاعة والتأكيد.
لماذا؟
لما ورد في الموطأ "وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللَّهِ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ".
ولأن ذلك رقي وعبادة، ولأن ذلك أنفع من تلك الوسائل التي يبثها مروجو التنمية البشرية من تكرار جمل التفاؤل أكثر من مرة بصوت مسموع حتى تدخل العقل الباطن وتؤتي أكلها، وتكرار نفي الجمل السلبية بصوت مسموع للغرض ذاته، و... إلخ.
وكلها طرق إيحائية قد تؤتي أكلها وقد لا تؤتي، وإذا أخفقت رد مروجو التنمية البشرية الأمر إلى خطأ في التنفيذ لا في التنظير، وهو ما يذكر بأشياء ليست طيبة على مستوى التعامل.
أما السنة النبوية، وسنأخذ الأذكار التي يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم مثالا- فهي عبادة وقوة وترقية حقيقية لا إيحائية.
لماذا؟
لأنها تحيل إلى القوي سبحانه واهب القوى، ولأنها تربط العبد بربه، و... إلخ.
(3)
وهاكم مثالين راجيا ممن يحب إشاعة دينه ونشره في زمن الغربة أن يبحث ويذكر ويتفاعل.
أ- الذكر والقوة البدنية
صحيح البخاري
(حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلَام أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنْ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ. فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ قَالَ. فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ فَقَالَ: عَلَى مَكَانِكُمَا، فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ).
رأينا كيف عالج النبي صلى الله عليه وسلم تلك المشكلة التي تتصل بالإجهاد البدني بالذكر حيث يكسب الذكر صاحبه قوة تنعكس على ذاته نفسا وجسدا فينهض بما كان يستثقله غير عابئ.
2- الذكر وقضاء الدين
سنن أبي داود
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغُدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا غَسَّانُ بْنُ عَوْفٍ، أَخْبَرَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو أُمَامَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ! قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي).
رأينا كيف علم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي ذكرا يتصل بحل أزمة نفسية تمثل ذروة من ذرى المشاكل النفسية ألا وهي مشكلة الدين. وقد حل التزام هذا الذكر الأزمة وأنهى الدين.
لماذا؟
لأنه استعان بربه واستغاث به، فأعانه الله تعالى بما فتح عليه حل مشكلته.