في البداية لا بد من التأكيد على أن العرس الفلسطيني، بما فيه من أهازيج وطقوس، له رونق خاص يعكس الروح الجماعية ويجسد شبكة العلاقات الاجتماعية القائمة على التعاون والتكاتف العائلـي، ولذلك فإن المكانـة الاجتماعية للعريس وعائلته تنعكس على العرس من حيث نوع الطقوس وحجم المشاركة.

والعرس البيراوي (أي عرس أهل البيرة، وهي المدينة التوأم لرام الله) هو عرس فلسطيني بامتياز، ولكنه عرس من نوع خاص يعكس بشكله التراثي الثقافـة المحلية الخاصة لأهل هـذه المدينة. وقد حافظ العرس البيراوي على طبيعته منذ القدم، وذلك على الرغـم من بعض التحولات الشكلية الطفيفة، فهو في جوهره ومكوناته الرئيسية لا يزال يحمل نفس المعاني والوظائف والطقوس، وحتى نفس الكلمات والعبارات، وهذا ما يستدعي الوقوف عنـده والحديث عنـه.
والعرس البيراوي في مراحله وطقوسه هو أقرب ما يكـون إلى مهرجان شعبي للتراث الفلسطيني. وأهل البيرة متشددون في الحفاظ على خصوصية أعراسهم بحيث يـُعد أي خروج عـن النظام المتبع للعرس خروجاً على الأعراف والتقاليد، وبالتالي يمكن لمثل هذا الخروج أن يُعرّض أهل العرس إلى انتقادات شديدة. ولذلك فإن التزام البيراوية بطقوس العرس البيراوي هو شرط لحصول أهل العرس على الحضور والمشاركة المنشودين.

توجد في البيرة خمس عائلات رئيسية هي (بالترتيب مـن الأكبر إلـى الأصغر): قـَرعان، وعابـد، والطويل، وحمايل، وقراقرة. وتكون الدعوات للأعراس شاملة لجميـع العائلات، ومـن النادر جداً أن تـُستثنى أية عائلة مـن الدعوة إلى فرح. ولكـن هناك ميزة خاصة بعائلة قرعان (وهي أكبر عائلة في البيرة) حدثني عنهـا "أبو نضال" حلاق البلـد وأحـد الزجالين فـي الأفراح، وهي أن هذه العائلة توصف بأنهـا "عـَيّالـة"، أي أن أفرادها يحبون بعضهـم بعضاً ولا يتغيبون عن أعراس بعضهـم البعض مهما كانت الظروف، ولذلك فأعراسهم تكون أكبر الأعراس وأكثرها مشاركة.[/justify]

[justify]السحجة (السهـرة)


يطلق أهل البيرة على سهرة العرس الرئيسية اسم "السحجة" نسبة إلى السحجة التي تكون في بداية السهرة وتحتل جزءاً كبيراً منها. وتكون السحجة (أي السهرة) فـي مساء يـوم الحنـا، أي فـي الليلــة التي تسبق يوم العرس. وحسب ما قال "أبو عيزر" وهو "مبدع" (شاعر شعبي) في السحجات: "بما أن السحجة تكون في الليل، كانت العادة تقتضى أن تكون السحجة أمام ديوان، ولا يجـوز من الناحية الاجتماعية أن تكـون السحجة أمام منزل العريس، تحت أي ظرف من الظروف. وكانت الإضاءة للسحجة تتم من خلال إشعال نار كبيرة أمام الديوان، يتم جلب الحطب والنتاش لها من قبل الفتيان الصغار الذين كانوا يستمتعون بنقل الحطب والنتاش إلى باب الديوان، وهـذا التقليـد كأنه مهمـة من المهمـات الموزعة بين أقارب العريس. واستمر هذا التقليد إلى بداية الستينيات، وبعـد ذلك أصبحت الإضاءة عن طريق السراج حيث يتم وضع عدة أسرجة يتم استعارة عدد منهـا مـن الجيران والأقارب."

تبدأ السحجة ببعض كلمات الترحيب، ومن ثم ينقسم السحيجة إلى فريقين متقابلين، كل فريق يعيد ما يقول المُبدع، وتستمر السهرة لعدة ساعات يتخللها استراحة لشرب القهـوة.

والسحجة بمعنى السهرة تتألف من ثلاثة أقسام:

1 - السحجـة
2 - التغريبـة
3 - الدبكـة الشعبية من نوع "الدلعونـا"

1) السحجـة
هي عبارة عن مجمـوعـة من كبار السن والشباب الكبار (وليس مـن الفتيان).
وفـي السابق كان مـن النادر أن ترى شخصاً يسحج دون أن يكون مرتدياً على رأسه حطـة وعقالا، وذلك إشارة إلى المكانة والاحترام.


ويقف في الوسط رجـل يحمل عصا فـي يـده ويسمى "المُبدع".
والمُبدع هو شاعر شعبي يحفظ آلافاً من الأبيات يلقيها على الرجال بيتاً بيتاً، والرجال بدورهـم ينقسمون إلى صفين يقوم كل صف بإعادة إلقاء البيت الأخير الذي يقوله المبدع بالترافق مـع حركـات إيقاعية تتألف من تمايل الجسم والتصفيق باليدين. وعلى المُبدع أن يلهب حماس السحيجة مـن خلال طريقة الإلقاء وحركات معينـة تشبه الرقص، ولفن استعمال العصا أهمية كبيرة هنا، ويرد السحيجة على المبدع بنبرة عالية وتمايلات سريعـة تتناسب مع حماسية البيت المـُلقى. وتكون هـذه الأبيات الشعرية متنوعـة المواضيع، منها ما هـو اجتماعي ومنها ما هـو سياسي، وبالطبع لا تخلـو مـن الحث على مقاومة الظلم والاحتلال. إلا أن المقطع الافتتاحي للسحجة ثابت لا يمكن تغييره أو الخروج عنه، وهو كالتالي:


الفاتـْحـَـة للـنـبـي ياللـِّـي قـَريـتـــوهــــا هِـيِّ عـَـلــى بالـْكـُـمْ وِالا نـْســيـتــوهــا
والفاتـْحـة للنبي والخـَضِـر أبو العـباس
الفاتحـة للنـبـي شـَـرَّف جمـيـع النــاس

خـُذلك كلام زيـنْ واعطيني كلام زَيـّـُـه
ياللـِّي كلامـَـكْ عـسـل والسَّـمِنْ فـوقِـيّـُه

يـا احبـابْ يوم العـِلـِم لافراحكـُـمْ جيـنـا تـَنـْزَهـْـزِه القــلـْـب ونــرَوِّح لاهـالـيـنا
صِبيان قوموا العبوا والنوم وايش مِنـُّه
العـُمُـرْ مـثـِل الـقـمر مــا يـِنشـبع مـنـّـُه

خاتـِمْ صاحـبي وقـِع في البـيرْ لـُه رنـَِة
واللـّى سـِـمِـع رِنـتـُه مَدخــولـُه للجــنـَِة

سلامات يا خاتمي ياللـًي أخذوك النـاس
أخـذوكْ مِـنّي ذهـَبْ رَدّوكْ عليِّ نحـاس

يـا قـلــبْ عـلـَّـتـنـي كـُـثـرِة مَـواجـيعـَــك الناس ما هُم سِـوى طـُلـِعْ في أصابيعَـك
القـلب وجـْعـانْ شـاكي مـِن ثلاثـةِ أيـام
وايشْ حالْ يا قلب هاللي إلِم سْنين وِايَام

مَكحولة العـين، مش كل الرّجال رْجـال
فيهـُم صْـميـدَع وفـيهـُم للهـَــرَجْ أبـطـال

غـاب الطـير يـا صـاحـْبي قـوم وَدّيـني
أنـا بـْوَدِّيـــكْ، وانـا مـيـــــن بـِـوَدِّيــــنـي

فـَزَِيتْ إلك دَمِع عيني في غـَطاة نـْحاس
نـُصـُّه مَحـبِّـة ونـُصـُّه مـنْ كـلام النـاس

فـَزِّيتْ إلك دمِع عـيني في غطاة ابريقْ
نصـُّه محـبِّة ونصًّه مِن نـَشـاف الرِّيــق

هــذي فـلسـطــين بالأرواح نـفــديـهـــا
مهـد النبي الهاشِمي ومهد المسيح فيها

هـذي فلسـطين حايـِطها بُحـور وجـبالْ
وخـْسارَة يا بـلادْ يـُحكـُم عليـكـُـم انــذال

هـذي فلسـطين عـُمـْر الحـُزُن ما جاهـا
فيهـا جَمَال الحُسـيني والمـُفـتي تـوَلاها

بعد هذه الافتتاحية تستمر السحجة حوالي الساعة، إلى أن يحين موعد استراحة القهوة فيقول المبدع:

البـَكـْرَجْ اللـِّي انتـَصَبْ يـِشكى لهـيب النار
البـَكـْرَجْ اللـِّي انتـَصَبْ رنـَّـتْ فـَـناجـيـنـُه

ثم ينهي المبدع استراحة القهوة بقوله:

يا قـَهـوَجي ذوِّبْ بـُنـَّـَك مع فناجينـَكْ.
2) التغريبــة

يشترك في التغريبة الصغار والكبـار من الرجال والفتيان، وذلك لسهولة الحركات والحاجة إلى القوة والنشاط.



ومع أن التغريبة تحتاج إلى الحركة أكثر من السحجة، إلا أنها أسهل من السحجة في إيقاعها وحركاتها، فيكون فيها صف واحد يلف بشكل دائري على إيقاع كلمات المبدع. وتبدأ التغريبة بقول المبدع:

ويــنْ ييجـي مْـغـَرِّبْ وين يا زين ِ ســارِحْ
مـِرخـــي المـَسـايـــح علـى صحـن خــدِّي
والله لاطـلـّـقـــك وألبـَـسْ واتكحـَّـــلْ
من قاعة الصوري دوري بيضـَـة يا أم الوشـام
حـيـُّــوا حسـن نصرالله حـيـّوا القوة والثـورة
وحيـُّوا لــي عبد الناصر زعيم الأمـة العربيـة

ثم تستمر التغريبة لأكثر من ساعة دون توقف، وإذا شعر أحدهم بالتعب يمكنه الانسحاب بهدوء ليحل محله رجل آخر. والحركـات في التغريبـة أكثر حماسا، والأصوات فيها أكثر علواً، وهي بشكل عام أكثر صخبا ونشاطا من السحجة، في حين أن بساطتها وسهولة حركاتها تتيحان الفرصة لمشاركة كل الحضور في تأدية الواجب.


3) دبكة الدلعونــا


الدلعونا هـي عبارة عن دبكـة شعبية يصاحبهـا عزف على الشـُّـبّـابة وغناء لأبيات من الدلعونا من قبل أحد الزجالين، وفي العرس البيراوي لا يمكن أن تتم دبكة الدلعونا بدون الشبابة. و"أبو عيـّاد" هو الرجل الوحيد الذي يجيـد عزف الشبابة في البيرة الآن، وهو رجل كبير على عتبة العقـد الثامـن من عمره، يقـول أنه تعلم الشبابة مع الغنم في الخلاء ولم يتعلمهـا مـن أحد، وهو فخور جداً بهـذا، ويقول أنـه تعلمهـا منذ الصغر حين كان يرعى الغنم في أيام عزوبيته، أي قبل أن يتزوج مـن "أم عياد"، وزواجه من "أم عياد" هو بداية التاريخ بالنسبة له. ويضيف "أبو عياد" أنه لا يمر يوم واحد دون أن يعزف على الشبابة، ولكنـه لا يشعر بحلاوة العزف على الشبابة إلا في السحجات (أي سهرات الأعراس) لأن النفـَس الجماعي في السحجة هو الذي ينعشه ويعطيه القوة والمتعة.
ودبكة الدلعونـا هي للشباب فقط، لأنهـا تحتاج إلى طاقة كبيرة ومقدرة على التحمل. وهي كذلك تحتاج إلى مهارات معينة لا يمتلكها الجميع، وتعلمها لا يتم بين ليلة وضحاها كما هو الحال بالنسبة للسحجة والتغريبة التي لا تحتاج إلى أكثر من الاشتراك لمرة واحدة كي تتقنها. فدبكة الدلعونا لا تحتاج للقوة ومرونة الجسم فحسب، بل هي تحتاج كذلك للمقدرة على التركيز، فعلى الدَبّــيك أن يظل مفتوح الذهن والسمع لكي يتابع كلاَ من تعليمات اللـّوّيـح الذي يقـود الدبكـة، وإيقاع الشبابة، وغناء الزجال الذي يعطي الدبكة وتيرتها، وحركات أقرب الدبيكة إليه لكي لا يخرج عن السرب. ولذلك ففي حين أن عدد المشاركين في السحجة والتغريبـة يكـون كبير جداً (فيضطرون إلى إغلاق عدد من شوارع المدينة) ، فإن عدد المشاركين في دبكة الدلعونا يكـون دائما محدودا ومقتصرا على من يجيدها من الشباب. وإذا كان العريس يجيد الدبكة فإنه ينزل ليلـوِّح في الوسط محاطا بأصدقائه الذين يدبكون حوله بطريقـة حماسية تضفي على الدبكة رونقاً خاصاً.

وفي دبكة الدلعونا حركات لها مسميات خاصة يطلقها اللويح الذي يقود الدبكة لكي يضبط إيقاع الدبكة ووتيرتها، وتكون هذه الحركات عادة في نهاية كل "شوط" وبداية "الشوط" الذي يليه من الدبكة. ومن هذه الحركات في دبكة الدلعونا البيراوية: "تكسي"، وهي ثلاث قفزات في الهواء وثلاث ضربات بالقدم اليمنى في الأرض، "ثلاثة ثابت"، وهـي ثلاث قفزات في الهواء ثم "تثبيت" (سكون تام) ثم ثلاث ضربات بالقدم اليمنى في الأرض، وهناك كذلك حركات "شـَمِّـل" و"رَوِّح" و"عيلـِب" و"غزال" و"خالص" و"رَيـِّح". كل هـذه التشكيلات الحركية تحتاج إلى تناغم دقيق بين اللوّيح والشّبيب (عازف الشبابة) والزجال والدبيكة.

ومن الأبيات التي ترافق الشبابة في الدبكة:

أوَّل ما نـِبـدا بســورِة تـَبـارَكْ
وعـُرسَك يا محمد يا ريتـُه مْبارَكْ

ســألـنـا، الفـَـرَحْ هـــذا لمـين ِ
قالــوا لمحمــد عـيـــني اليـمــيـن ِ

يا ابـو الشـُّبابة شبِّبْ ع سِنـَّك
خـَـلـِّي الدَّبـّيـكة تتـعـَلـَّـــمْ مـنــَّـكْ

شيـخ الدََبّـيكــة لـَـوِّح بيْمينـَكْ
جرَحِـــتْ قـلـــبي وانا دخـيـــلـَكْ


وإذا كان العريس ينتمي إلى أحد الفصائل الفلسطينية، فإن الزجال يُدخل بعض الأبيات التي تمتدح ذاك الفصيل، من باب المجاملة السياسية، كأن يقول:

أوَّل ما نحـَـيِّي نحـيِّي الشعـبيِّة
ونـْحَـيِّي حـَبِـشْ والبُـنـدُقـيِّـة

أو:

أوَّل ما نحـَـيِّي نحـيِّي القـِـيـادِة
ونـْحَـيِّي ياســرْ وأبـو جهـاد ِ


ودبكة الدلعونا هـي مسك الختام في سهرة السحجة، حيث يبدأ المدعوون بالمغادرة ولا يبقى سوى الأقارب والأصدقاء، فتدخل النساء من أهل العريس إلى حلبة الرجال ويرقص الجميع ويدبكون دبكة مشتركة لبعض الوقت، وفي هذه المرحلة لا يتم استخدام مكبرات الصوت، ثم تنتهي السهرة ليبدأ العرس في صباح اليوم التالي.

والسهرة (السحجة) في البيرة لا تـُحدث إزعاجاً كبيراً كما هو الحال في بعض القرى، وتبقى محصورة في حي من الأحياء دون أن تزعج الأحياء الأخرى. وللسهرة روتينها الثابت الذي لا يتغير، تبدأ بعد صلاة العشاء حين يتوجه المصلون من المسجد إلى العرس بشكل جماعي، ثم يأخذ بقية الضيوف بالقدوم إلى العرس من منازلهم، وتنتهي عند انتصاف الليل أو قبل ذلك بقليل.

فيديو سجة بيراوية
http://inof2200.gogoo.us/t1924-topic#4175


http://arabichemo.com/