مفهوم الرِّياضة في الدين الإسلامي
الشيخ منصـور منــدور
من علماء الأزهر الشريف- القاهرة
رياضة البدن تعني تعويده على أنواع معينة من الحركة والنشاط لتهيئة أعضائه لأداء وظائفها بسهولة. وقد قال المختصُّون: إن ممارسة الرياضة توفِّر للجسم قوته وحيويته، وتزيل عنه أمراضًا ومخلّفات ضارة بطريقة طبيعية؛ هي أحسن الطُّرق في هذا المجال.
والدعوة الإسلامية تهدف إلى تقوية الجسم بمثل هذه الرياضات، فهي تريد أن يكون أبناءُ الإسلام أقوياءَ في أجسامهم وفى عقولهم وأخلاقهم وأرواحهم؛ لأن الإسلام يمجِّد القوة، ويعلي من شأنها؛ والقوة بمعناها العام هي وصف كمال لله تعالى ؛ جاب في القرآن الكريم:{ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } الذاريات/58
وجاء في الحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عَنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ (r): "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيّ خَيْرٌ وَأَحَبّ إِلَىَ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضّعِيفِ. وَفِي كُلَ خَيْرٌ. احْرِصْ عَلَىَ مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللّهِ. وَلاَ تَعْجِزْ. ".( صحيح مسلم-2664)
إن الجسم القوي أقدرُ على أداء التكاليف الدينيّة والدنيويّة من الجسم الضعيف، والإسلام لا يُشَرِّع ولا يأمر بشيء فيه إضعاف الجســم بشكلٍ يُعجزه عن أداء التكاليف التي أمره الله تعالى بها ، بل إن الإسلام خفف عن أتباعه بعض التشريعات إبقاءً على صحّة الجسم ، فأجاز أداء الصلاة قاعداً لمَن عجز عن القيام، وأباح الفِطر لغير القادر (المريض والمسافر والمرأة الحامل والمرضع وغير ذلك)على الصّيام ، ووضع الحجّ عن غير المُستطيع(الذي لا يستطيع السفر ولا يقدر على التنقل)؛ وكان عبد الله بن عمرو بن العاص قد أرهق نفسَه بالعِبادة صيامًا وقيامًا فقال له النبي (r): "صُمْ وأفْطِرْ, وقُمْ ونَمْ، فإنّ لبدنِك عليك حَقًّا, وإنّ لعينِك عليك حقًّا". قلت: يا رسول الله، إني أجد قوة؟. قال: فصم صيام نبيَّ الله داود عليه السلام ولا تزد عليه. قلت: وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام؟. قال: نصف الدهر. فكان عبد الله يقول بعدما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم.(حديث شريف متفق عليه)
وقال الإمامَ ابنَ القيّم (رحمه اللهُ) في كتابه "زاد المعاد" عن الحركة وممارسة الرياضة وما يترتب على ذلك فقال : إن الحركة هي عماد الرياضة وهي تخلِّص الجسم من رواسب وفضلات الطعام بشكل طبيعي ، وتُعوِّد البدن الخِفّة والنشاط، وتجعله قابلا للغذاء ، و تُقوي المفاصل, وتقوِّي الأوتار والأربطـة، إذا استُعمل القَـدْر المعتدِل منها في دقّة ، وقال(رحمه اللهُ): كل عضو له رياضة خاصّة يَقوَى بها. وأما ركوب الخيل ورمي النِّشاب والصراع والمسابقة على الأقدام فرياضة للبدن كله، وهي مانعة لأمراض مُزمنة.
وعندما ننظر في سيرة النبي (r) وحياته وشمائله نجد أن الرياضة أخذت حيزاً كبيراً من حياته، لدرجة أنه أمر بها وفعلها وأقرَّ أصحابَه علي ممارستها حفاظاً على صحتهم وأجسادهم، حتى يكونوا أصحاء في أبدانهم، معافين في أعضائهم؛ فالمؤمنُ القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله تعالى من المؤمنِ الضعيف.
فإذا حافظ المسلم على صحته، واعتنى بجسده، واهتم بقوامه؛ بعيداً عن الفخر والرياء فإنه - لا شك - يثاب على ذلك ؛ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ(t) عَنِ النّبِيّ (r) قَالَ: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرّةٍ مِنْ كِبْرٍ" قَالَ رَجُلٌ: إِنّ الرّجُلَ يُحِبّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ:"إِنّ الله جَمِيلٌ يُحِبّ الْجَمَالَ. الْكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقّ وَغَمْطُ النّاس.
فالشاهد في الحديث أن اعتناء الإنسان بجسده من حيث الصحة والجمال والنظافة ليس من الكبر في شئ ؛ بل هو من قبيل العبادة التي يتقرب بها العبدُ إلى ربه.
والمحافظة على ذلك تُعَدُّ عبادةً دائمة ومتصلة، إذ أن الذي يحافظ على مبادئ النظافة والجمال والصحة ، ويأخذ بأسبابها من الطهارة والرياضة والتمرين المستمر لا يفرط يوماً في شئ من مبادئه ؛ فيكون ذلك من قبيل قولِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَحَبّ الأَعْمَالِ إِلَىَ الله تَعَالَىَ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلّ".رواه مسلم
لذلك ينبغي لممارس الرياضة أن يحافظ على مواعيد ثابتة؛ ينشط فيها جسده وذهنه، ويلين فيها عضلاتهِ ومفاصله، كمن يحافظ على صلاة الليل أو صيام الاثنين والخميس لينشط فيها روحه، ويقوي صلته بالله تعالى .
ومِنْ ثمَّ نرى أنّ الله تعالى اعتنى بالإنسان، وجعل خَلْقَهُ فريداً في أحسن تقويم، وسواه وعدله، وكرمه وميزه على سائر المخلوقات، وسخر له كل شئ، وأسجد له ملائكته، وجعله خليفة له في أرضه.
http://islam4us.maktoobblog.com/%D9%...7%D9%85%D9%8A/