السلام عليكم
رؤية نقدية لقصة الدكتور عبد الرزاق أبو عامر/جلباب صائمة:
http://www.omferas.com/vb/showthread.php?32307-جلباب-الصائمة
*****
أصبحتْ ليلى ملازمةً فراشَها، تدفعُ عن إرادتها كلَّ رغبة في كلِّ شيءٍ، عيناها ثابتتان معلَّقتان بسقف حجرتها،
وعقلُها غارق في تأمُّلٍ بعيدٍ فرج لها عن السقف، ثم عرجَ بها إلى مكان غير المكان، وزمانٍ غير الزمان،
استلذَّتْ هذا العروج الشبيه بنومٍ جديدٍ لا يقلُّ سكنًا عن نوم الليل،
ويسكبُ فيه صحو النهار من دفءِ اليَقَظَة، وضياء البصيرة، ونشاط الهِمَّة - سكنًا آخرَ.
سرحتْ ليلى تجوبُ كلَّ موطنٍ وكلَّ مشهدٍ في عالم تفكيرها ذلك الصباح، وكلَّما تحرَّكتْ للقيام من فراشها،
وجدتْ نفسَها مشدودة البدنِ إلى ما يشغلُ عقْلَها، كالراسفة في قيدٍ ثقيل.
كانت سلوى - رفيقة دَرْبها - قد تزيَّنتْ مستعدة للخروج.
نادتْ ليلى: هيَّا عزيزتي، لقد تأخَّرنا.لم يجبْها أحدٌ، أعادتِ النداء، انتظرتْ قليلاً،
ثم أطلَّتْ ودخلتْ: ما بكِ يا ليلى؟ كأنِّي بكِ لا تهتمين ..
اليوم أول يومٍ من شهر شعبان عزيزتي، يجبُ أن نجدَ خيَّاطة جديدة أكثر مهارة، وأشدَّ إتقانًا لنُعِدَّ جلباب رمضان ..
هيَّا بنا.أخذتْ ليلى مِن يدها وهي تحسب أنَّ ما بها مجرَّد خمول:
هيَّا، قومي عزيزتي.قامتْ ليلى، لبستْ على عجلٍ، لم تستعد للخروج استعدادَها المألْوف،
ثم خرجتْ تجرُّ خُطى أثقلَ من الصخْر، صديقتها تدعوها إلى الإسراع، وعقْلُها يدعوها إلى الرجوع،
لكأنَّها فارقتِ الشرب الذي يسقيها ماءَ الحياة، والرَّوي الذي يسكبُ في كيانها أنفاسَ البقاء.
أحسَّتْ سلوى أنَّ ليلى إنَّما تصطنع الرغبة في مرافقتها، وأنَّ ما معها منها مجرَّد بدنها، وتساءلتْ في صمْتٍ:
عجبًا! أحقًّا هذه ليلى التي عَرَفتُها، إنها أخرى لا محالة!
مرَّتَا بحديقة على الطريق، أبصرتْ سلوى مقعدًا يسعهما، فأخذتْ ليلى إليه، ثم جلستا تتحاوران:
♦ معذرة إليك سلوى، لم أردْ إفسادَ نشاطك اليوم، ولكن...
♦ ليلى، أرجوك لا تعتذري عن شيءٍ؛ فما بيني وبينك أكبر من أنْ ينالَ منه طارئ جلَّ أو دَقَّ،
لكنْ قُولي لي ما بك؟ أفْضِي إلى أُخْتك بما تَجدين.
♦ ما أدري، منذ أن استيقظتُ وأنا أشعرُ بمفارقة نفسي، أحسُّ كأني ليلى غير ليلى التي أعرفُ وتعرفين!
كأنَّ داعٍ يدعوني من بعيد إلى انفصال غريب، فإذا وجَّهْتُ فكري تلقاءَه،
وجدتُ رُوحًا لطيف السحب، أشبه برُوح السراح من أسْرٍ طالَ ..
كأنِّي غريبة مشردة بحاجة إلى انعتاق!
كانتْ سلوى تُصْغِي في تأمُّل، تحرصُ على فَهْم كلِّ كلمة من حديث ليلى الجديد؛
فإنَّ حديثًا من هذا القَبيل لم يجمعْهما قطُّ من قَبْلُ، وما حملتا حديثهما إلى بعضهما قطُّ إلا على الجد.
أتدرين يا سلوى، أمضيتُ كلَّ ما دار بيننا بعد المحاضرة من حديث أمس، ولبث عقْلي عند هذه العبارة: جلباب رمضان ..
لم أفتأ أتأمَّلها، أيصحُّ فعْلاً هذا التركيب؟!
سألتْها سلوى في استغراب: ماذا تقصدين؟!
تابعتْ ليلى: كيف نُجْرِي نحن الطالبات على ألسنتنا تراكيبَ لا معنى لها،
أو معانيها غريبة لا يحتملها ضابط العقْل؟!
أليس لنا عنفوانٌ ثقافيٌّ
نستعلي به عن الركاكة الفكريَّة في استعمال مثل هذه الإطلاقات والتفاهة في بناء التصور والسلوك عليها؟!
زادَ استغرابُ سلوى لما تسمعُ، أدركتْ سرَّ ذهول ليلى ورغبتها في العُزْلة هذا الصباح،
لكنَّها شعرتْ أكثر بالرغبة في الإصغاء؛ فأوْمَأتْ برأْسها إلى ليلى أنِ استرسلي،
وجدتْ نفسَها كأنَّها في فصلٍ آخرَ تسمعُ محاضرةً أخرى خارج الجامعة.
ثم تابعتْ ليلى: إنَّ ثَمَّة داعيًا لا محالة لهذا السلوك، هو تقديسُ رمضانَ، وتعظيم شعيرة الصيام،
لكنَّنا لم نتساءلْ قطُّ عن مدى اقتناعنا بهذا السلوك، ولم ننظرْ إن كنَّا نتجاهلُ نوعَ استخفاف فيه.
وهل نحقق التطابق الحقيقي بين محل المقدَّس وفِعْل التقديس؟!
وإعداد جلباب رمضان ثم لِبْسُه أثناء الصيام، هل نحسبُه عبادة؟
أو هو مجرَّد عادة؟ أو استجابة لنداء الموضة التي لم يدعْ أهلُه سبيلَ حِيلة يجلبُ لهم رِبحًا ماليًّا إلا سلكوه؟!
فإذا مَضَى رمضانُ ونزعْنا هذا الجلباب عن جسدينا، هل ننزعُ معه ذلك التقديس لمقدَّس لم يزلْ؟
أو سنضطر إلى ارتدائه من جديد خلال صيام الستِّ من شوال؟!
ثم، ألا يستمرُّ صيامُ التطوع كلَّ العام؟أليسَ في لبسه ونزعه كلَّ مرة نوعُ غفلة، وضآلة عقْل، وسخافة تدبير؟!
ألا ترينَ معي - يا سلوى - أن تساؤلاتٍ عِدَّة في غاية الإقلاق تلاحق عنفواننا الثقافي؟!
لكنْ لكونها تحرجُنا نؤجِّل الجوابَ عنها إلى حين، أو ندوسها متجاهلات كارهات ما تؤول بنا إليه من الحقِّ.لكَمْ قَرَعَتْني هذا التساؤلات وصرفتْ تفكيري هذا الصباح، أشعر كأنَّ غاية وجودي اختزلتْ في إحصائها جميعًا،
وإعداد أجوبة صريحة تحسم تجاهلي،
وتجعل في صعيدٍ واحد درجتي الثقافيَّة المتقدِّمة وفِكري وسلوكي، وقراراتي التي أدبِّرُ بها شأنَ حياتي.
أشعرُ أني بحاجة إلى ملاحقة هذه التساؤلات إلى أن أقطعَ دابرَها بدلاً من أن تلاحقَني.
سألاحقُها مرة واحدة؛ لأفرغَ منها، وإلاَّ شتَّتْ بالي عمري كلَّه، وأسرتْني في قلقٍ دائمٍ واضطراب مستمر.
حدِّثِيني يا سلوى؛ إن بي حيرة، أشعرُ أن الشقاءَ قد اجتمع في بقائها، وأن السعادة قد اجتمعتْ في زوالها.
أطرقتْ سلوى تفكِّر، تنظر إلى ليلى مرَّة، وتطرقُ متأمِّلة مرَّة ..
أحسَّتْ أن مسارات الانطلاق الرحبة التي عدت خلالَها لاهيةً فرحة مرحة سنواتٍ،
قد بدأ يختزلها مسارٌ واحدٌ، كانت تراه أضيقَ المسارات ، وقد صارَ يتَّسع في ناظرها الآن ويبدو أرحبَ وأجْلَى.
أخذت بيد ليلى، فسكنتْ منها كلُّ جارحة، وغشيها من بردِ اليقين هدوءٌ واطمئنان.
طافتْ بعينيها في السماء كالمستشرفة ليوم جديدٍ يخلدُ ميلاد عُمْر جديدٍ.
ثم قالت وضياء الاستبشار يصبغ محياها: أشعر كأنَّ انثيال كلماتك مُغْتسلٌ يعلوني.
وأرى بابَ الوجود يشرعُ لي من جديدٍ، دونه مدارج وطيئة، وضيئة، لا حدَّ لمرقاها الفسيح.
وعلى الباب داعٍ يدعوني إلى وضْع متاعي القديم قبل الولوج؛ كيما ألجَ أنْقَى وأصْفَى.
ما أجملَ هذا اليومَ وأوفر سعادته!وأسلمتْ نفْسَها لنفَسٍ عميقٍ؛ كي يستغرقَ استنشاقُها رحيقَ الانعتاق.
ثم سارتا مسرعتين، تطاردان هجير التيه، تستعجلان الإيواء إلى ربوة عفاف ذات رواء وظلال،
وهمْس الرضا بحفيف نعيمها يردِّد - يستحث خطاهما -: ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾
***************
دراسة نقدية:
جلباب صائمة-د. عبد الرزاق أبو عامر
*****************
تبدأ القصة بلفتة هامة تدل على فراغ نفسي وفكري في بطلة القصة تمثل في سطرين:
أصبحتْ ليلى ملازمةً فراشَها، تدفعُ عن إرادتها كلَّ رغبة في كلِّ شيءٍ، عيناها ثابتتان معلَّقتان بسقف حجرتها،
وعقلُها غارق في تأمُّلٍ بعيدٍ فرج لها عن السقف، ثم عرجَ بها إلى مكان غير المكان، وزمانٍ غير الزمان،
***
ورغم ان الموقف ساكن إلا ان الحركة تتخلل كل حرف فيه مثال:
تدفع عن إرادتها
عرج بها إلى مكان غير المكان وزمان غير الزمان..
وهذا يدل على بحث حثيث عن الذات..
******
يستمر الهاجس الحركي رغم سكون البطلة فيها تبدى في تلك السطور:
ويسكبُ فيه صحو النهار من دفءِ اليَقَظَة، وضياء البصيرة، ونشاط الهِمَّة - سكنًا آخرَ.
سرحتْ ليلى تجوبُ كلَّ موطنٍ وكلَّ مشهدٍ في عالم تفكيرها ذلك الصباح، وكلَّما تحرَّكتْ للقيام من فراشها،
وجدتْ نفسَها مشدودة البدنِ إلى ما يشغلُ عقْلَها، كالراسفة في قيدٍ ثقيل.
********
هو قيد قلة الحيلة وشتات الذهن وسقوط ذات اليد...
**********
ينتقل السرد نقلة نوعية شديدة الصعود عبر حركة حقيقية تبدي وتكشف الهاجس الحقيقي الذي يشغلهما معا :
كانت سلوى - رفيقة دَرْبها - قد تزيَّنتْ مستعدة للخروج.
نادتْ ليلى: هيَّا عزيزتي، لقد تأخَّرنا.لم يجبْها أحدٌ، أعادتِ النداء، انتظرتْ قليلاً،
ثم أطلَّتْ ودخلتْ: ما بكِ يا ليلى؟ كأنِّي بكِ لا تهتمين ..
اليوم أول يومٍ من شهر شعبان عزيزتي، يجبُ أن نجدَ خيَّاطة جديدة أكثر مهارة، وأشدَّ إتقانًا لنُعِدَّ جلباب رمضان ..
*******
هنا لب القصة ومحور بحث الكاتب ودورانه حولها بقوة وتعبير مدروس...
هي الصحبة التي تشد للأعلى او تهبط بنا للأسفل...
*********
ننتقل بعدها لحوار بينهما:
هما يظهر الفارق بين الفكرين:
هيَّا بنا.أخذتْ ليلى مِن يدها وهي تحسب أنَّ ما بها مجرَّد خمول:
هيَّا، قومي عزيزتي.قامتْ ليلى، لبستْ على عجلٍ، لم تستعد للخروج استعدادَها المألْوف،
ثم خرجتْ تجرُّ خُطى أثقلَ من الصخْر، صديقتها تدعوها إلى الإسراع، وعقْلُها يدعوها إلى الرجوع،
لكأنَّها فارقتِ الشرب الذي يسقيها ماءَ الحياة، والرَّوي الذي يسكبُ في كيانها أنفاسَ البقاء.
أحسَّتْ سلوى أنَّ ليلى إنَّما تصطنع الرغبة في مرافقتها، وأنَّ ما معها منها مجرَّد بدنها، وتساءلتْ في صمْتٍ:
عجبًا! أحقًّا هذه ليلى التي عَرَفتُها، إنها أخرى لا محالة!
********
ولو وضعنا أنفسنا مكان القارئ لقلنا هل ليلى أفضل حالا من سلوى أم هو رمضان فقط ؟؟؟؟
هنا تصاعد للوتيرة القصصية تجر القارئ للمتابعة وترقب الحدث...
********
رَّتَا بحديقة على الطريق، أبصرتْ سلوى مقعدًا يسعهما، فأخذتْ ليلى إليه، ثم جلستا تتحاوران:
♦ معذرة إليك سلوى، لم أردْ إفسادَ نشاطك اليوم، ولكن...
♦ ليلى، أرجوك لا تعتذري عن شيءٍ؛ فما بيني وبينك أكبر من أنْ ينالَ منه طارئ جلَّ أو دَقَّ،
لكنْ قُولي لي ما بك؟ أفْضِي إلى أُخْتك بما تَجدين.
♦ ما أدري، منذ أن استيقظتُ وأنا أشعرُ بمفارقة نفسي، أحسُّ كأني ليلى غير ليلى التي أعرفُ وتعرفين!
كأنَّ داعٍ يدعوني من بعيد إلى انفصال غريب، فإذا وجَّهْتُ فكري تلقاءَه،
وجدتُ رُوحًا لطيف السحب، أشبه برُوح السراح من أسْرٍ طالَ ..
كأنِّي غريبة مشردة بحاجة إلى انعتاق!
كانتْ سلوى تُصْغِي في تأمُّل، تحرصُ على فَهْم كلِّ كلمة من حديث ليلى الجديد؛
******
هنا يمكن للقارئ التساؤل هل هي ملائكة رمضان وتصفيد الشياطين؟ ام رغبة حقيقية وتحول كياني كامل؟
*******
يتحول القص هنا لحوار أشبه بالوعظي كان يمكن للكاتب ان يؤدي لنجاح فكرته ان يقحمنا موقف يحصل امامهما او يتذكرن موقفا جعل ليلة منطيقا تفكر هذا التفكير لذا
نجد انه على شفاهنا سؤال ملح:
ماالذي غير ليلى فعلا؟؟؟ نتابع الحوار لنلاحظ عودة وتيرة النص للهدوء دون تصاعد:
**********
فإنَّ حديثًا من هذا القَبيل لم يجمعْهما قطُّ من قَبْلُ، وما حملتا حديثهما إلى بعضهما قطُّ إلا على الجد.
أتدرين يا سلوى، أمضيتُ كلَّ ما دار بيننا بعد المحاضرة من حديث أمس، ولبث عقْلي عند هذه العبارة: جلباب رمضان ..
لم أفتأ أتأمَّلها، أيصحُّ فعْلاً هذا التركيب؟!
سألتْها سلوى في استغراب: ماذا تقصدين؟!
تابعتْ ليلى: كيف نُجْرِي نحن الطالبات على ألسنتنا تراكيبَ لا معنى لها،
أو معانيها غريبة لا يحتملها ضابط العقْل؟!
أليس لنا عنفوانٌ ثقافيٌّ
نستعلي به عن الركاكة الفكريَّة في استعمال مثل هذه الإطلاقات والتفاهة في بناء التصور والسلوك عليها؟!
زادَ استغرابُ سلوى لما تسمعُ، أدركتْ سرَّ ذهول ليلى ورغبتها في العُزْلة هذا الصباح،
لكنَّها شعرتْ أكثر بالرغبة في الإصغاء؛ فأوْمَأتْ برأْسها إلى ليلى أنِ استرسلي،
وجدتْ نفسَها كأنَّها في فصلٍ آخرَ تسمعُ محاضرةً أخرى خارج الجامعة.
ثم تابعتْ ليلى: إنَّ ثَمَّة داعيًا لا محالة لهذا السلوك، هو تقديسُ رمضانَ، وتعظيم شعيرة الصيام،
لكنَّنا لم نتساءلْ قطُّ عن مدى اقتناعنا بهذا السلوك، ولم ننظرْ إن كنَّا نتجاهلُ نوعَ استخفاف فيه.
وهل نحقق التطابق الحقيقي بين محل المقدَّس وفِعْل التقديس؟!
وإعداد جلباب رمضان ثم لِبْسُه أثناء الصيام، هل نحسبُه عبادة؟
*******
نلاحظ بعد ذلك تصوير دقيق لتفكير الجيل الجديد الذي ادى به لهذا التهاون وعدم احترام الامور الدينية البدهية التي من المفروض ان نجدهما آمنا بها على كره ,
ويحاولا الفكاك منها بسبب إغواء العصر مثلا..فيكون الموقف أكثر إقناعا...نتابع النص:
***********
أو هو مجرَّد عادة؟ أو استجابة لنداء الموضة التي لم يدعْ أهلُه سبيلَ حِيلة يجلبُ لهم رِبحًا ماليًّا إلا سلكوه؟!
فإذا مَضَى رمضانُ ونزعْنا هذا الجلباب عن جسدينا، هل ننزعُ معه ذلك التقديس لمقدَّس لم يزلْ؟
أو سنضطر إلى ارتدائه من جديد خلال صيام الستِّ من شوال؟!
ثم، ألا يستمرُّ صيامُ التطوع كلَّ العام؟أليسَ في لبسه ونزعه كلَّ مرة نوعُ غفلة، وضآلة عقْل، وسخافة تدبير؟!
ألا ترينَ معي - يا سلوى - أن تساؤلاتٍ عِدَّة في غاية الإقلاق تلاحق عنفواننا الثقافي؟!
لكنْ لكونها تحرجُنا نؤجِّل الجوابَ عنها إلى حين، أو ندوسها متجاهلات كارهات ما تؤول بنا إليه من الحقِّ.لكَمْ قَرَعَتْني هذا التساؤلات وصرفتْ تفكيري هذا الصباح، أشعر كأنَّ غاية وجودي اختزلتْ في إحصائها جميعًا،
وإعداد أجوبة صريحة تحسم تجاهلي،
وتجعل في صعيدٍ واحد درجتي الثقافيَّة المتقدِّمة وفِكري وسلوكي، وقراراتي التي أدبِّرُ بها شأنَ حياتي.
أشعرُ أني بحاجة إلى ملاحقة هذه التساؤلات إلى أن أقطعَ دابرَها بدلاً من أن تلاحقَني.
سألاحقُها مرة واحدة؛ لأفرغَ منها، وإلاَّ شتَّتْ بالي عمري كلَّه، وأسرتْني في قلقٍ دائمٍ واضطراب مستمر.
**********
نتابع النص لنهايته باحثين عن العقدة الكبيرة فنجدها مركزة في حيرة النفوس حصرا وكأنها خاطرة قصصية:
حدِّثِيني يا سلوى؛ إن بي حيرة، أشعرُ أن الشقاءَ قد اجتمع في بقائها، وأن السعادة قد اجتمعتْ في زوالها.
أطرقتْ سلوى تفكِّر، تنظر إلى ليلى مرَّة، وتطرقُ متأمِّلة مرَّة ..
أحسَّتْ أن مسارات الانطلاق الرحبة التي عدت خلالَها لاهيةً فرحة مرحة سنواتٍ،
قد بدأ يختزلها مسارٌ واحدٌ، كانت تراه أضيقَ المسارات ، وقد صارَ يتَّسع في ناظرها الآن ويبدو أرحبَ وأجْلَى.
أخذت بيد ليلى، فسكنتْ منها كلُّ جارحة، وغشيها من بردِ اليقين هدوءٌ واطمئنان.
طافتْ بعينيها في السماء كالمستشرفة ليوم جديدٍ يخلدُ ميلاد عُمْر جديدٍ.
ثم قالت وضياء الاستبشار يصبغ محياها: أشعر كأنَّ انثيال كلماتك مُغْتسلٌ يعلوني.
وأرى بابَ الوجود يشرعُ لي من جديدٍ، دونه مدارج وطيئة، وضيئة، لا حدَّ لمرقاها الفسيح.
وعلى الباب داعٍ يدعوني إلى وضْع متاعي القديم قبل الولوج؛ كيما ألجَ أنْقَى وأصْفَى.
ما أجملَ هذا اليومَ وأوفر سعادته!وأسلمتْ نفْسَها لنفَسٍ عميقٍ؛ كي يستغرقَ استنشاقُها رحيقَ الانعتاق.
ثم سارتا مسرعتين، تطاردان هجير التيه، تستعجلان الإيواء إلى ربوة عفاف ذات رواء وظلال،
وهمْس الرضا بحفيف نعيمها يردِّد - يستحث خطاهما -: ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾
********
هي قصة وعظية بامتياز اتخذت الشكل التقليدي غير الحديث للقصة ذات النهاية الواحدة بلا تأويلات...
يصنف هذا القص في زمرة الأدب الإسلامي الصرف تماما لايحيد عنها قيد أنملة...
***
كان عنوان القصة لافتا وقويا ويثير فضول القارئ بقوة...
تميزت القصة بلغة عميقة الغور جزلة العبارة خدمت الفكرة المراد عرضها على القارئ..اتخذت أسلوب الحوار والحديث الداخلي والخارجي مسلكا وطريقة..
وكان يمكن للكاتب ادخال حدث حركي داعم للمشهد كي يؤطر الفكرة ويؤيدهابموقف او مواقف محركة أكثر,فتحدث أمامهما كاحترام المرتدية للجلباب من خلال ثرثرة قريبة من جمهور أو ...أو
وبذلك يخرج عن تأطيرالقارئ ضمن حواجز فكره الخاصة التي فرضها فرضا على القارئ..والتي حاول تقدمتها بأسلوبه اللدن الرقيق, دون أن يعرض وجهة نظر مقابلة لهابوضوح فالأشياء تعرف بضدها... وتتبلور..
في كل الاحوال اعتبر جهدي هذا انطباعيا , وما رأيناه هوشخصيات دائرية لاتتعدى نفسها ..هكذا يوحي النص مبدئيا للقارئ ولو أضاف لمسة إنسانية كي يفهمنا ان نفس ليلى ذات فطرة سليمة رجاعة للحق بسبب كذا وكذا..لأقنعنا اكثر..
تبقى وجهة نظرنا ربما ترفا قصصيا او رغبة في الكمال..ولا كمال طبعا إلا لله..
لم نشعر بالملل رغم طول النص رغم انه لو كان أقصر فلاضير أبدا..لتحيل الحركة والاحداث المضافة محل الهواجس المتتالية..
سررت جدابقراءتها وفكرتها الجديدة والتي يرزح تحت نيرها شريحة كبيرة من جيلنا الجديد..نود لو قدمنا له حلا فكريا يقطع دابر الهجوم الخارجي الشرس عليه.
ريمه الخاني 28-2011