سوق العصرونية: مقصد العائلات وشاهد ولادة أول بورصة في دمشق


تسمية العصريونية منسوبة إلى المؤرخ والعلامة ابن أبي عصرون

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

نيوز سنتر
بمواجهة الجدار الشرقي لقلعة دمشق الأثرية تقع سوق العصرونية التاريخية، التي أُسّست قبل نحو 150 سنة،وبخلاف أسواق دمشق القديمة كانت هذه السوق مكشوفة غير مسقوفة بالتوتياء أو الأقواس الحجرية، كحال الأسواق القديمة المجاورة له مثل الحميدية والسروجية. كذلك خالف الأسواق القديمة القائمة حاليا من حيث استمرارها كـ«سوق متخصصة»، إذ تَخصّصت منذ انطلاقتها، من خلال عشرات المحلات التي ضمتها، في بيع مستلزمات مطابخ البيوت والأدوات المنزلية والأدوات النحاسية والزجاجية والأراكيل، في حين غاب التخصص عن معظم الأسواق الدمشقية القديمة خلال السنوات الأخيرة.

تضم سوق العصرونية الكثير من المباني التاريخية. ويؤكد المؤرخون أن تسميته منسوبة إلى المؤرخ والعلامة ابن أبي عصرون، ويوجد مبنى تاريخي في السوق تَحوّل إلى مدرسة تحمل اسمها. غير أن آخرين يعتقدون التسمية تعود إلى أن السوق منذ أُسّست تشهد ازدحاما شديدا في فترة العصر من النهار حين تخرج النساء الدمشقيات للتسوق فيها بعد انتهاء أعمالهن المنزلية، فيشترين من محلاتها مستلزمات مطابخهن وغيرها، وبالتالي أطلق عليها «العصرونية» اشتقاقا من فترة «العصر» من اليوم. في مطلق الأحوال، ومهما كان أصل التسمية، فإن قرب السوق من القلعة عرّضها لأحداث كثيرة، ومنها ـ كما يقول المؤرخون ـ أنه كانت هناك سوق مجاورة للسوق الحالية وتأخذ اسم «سوق القلعة»، وكانت مغطاة بسقف من الخشب، بيد أن هذه السوق تَهدّمت مع الكثير من البيوت المجاورة والمشيدات الأثرية إبان الثورة السورية ضد الفرنسيين عام 1925 نتيجة للقصف المدفعي الفرنسي للمنطقة. وفي ما بعد، أعيد تنظيم السوقين معا في سوق واحدة مكشوفة أخذت مسمى «العصرونية».

ولكن حتى هذه الأخيرة لم تسلم لاحقا من القصف الفرنسي المتجدد، إذ تَعرّضت للقذائف الفرنسية الموجهة إلى القلعة عام 1945 فتخرب الكثير من منشآتها ومحلاتها، وقد أعيد بناء بعضها على الطريقة الحديثة مكان الأبنية المخربة. وعام 1984 هُدم جزء من الجانب الغربي للسوق بقصد كشف جدار القلعة الشرقي بأكمله. «أبو محمد» قباني، أحد أصحاب محلات سوق العصرونية، الذي ارتبط بها منذ نحو 40 سنة، قال لـ«الشرق الأوسط»: «لقد توسّعت سوق العصرونية خلال النصف الأول من القرن العشرين بشكل ملحوظ، فاستقطبت كثيرين من تجار دمشق الذين حوّلوا مستودعاتها المغلقة، وبعض البيوت القديمة التي عملوا على ترميمها، إلى محلات تناغمت مع تخصّص السوق الأساسية في بيع كل ما له علاقة بالبيوت والخردوات ومستلزمات البناء الخفيفة.

وفي أحد تفرعات السوق توجد محلات تخصصت في بيع ألعاب الأطفال بكل أنواعها وأشكالها، وقد وصل عدد محلاتها إلى نحو 400. والسوق غير مسقوفة وسمعنا أن لدى مديرية مدينة دمشق القديمة خطة قادمة لترميم السوق وتغطيتها كما حصل في سوق مدحت باشا التاريخي. وكانت السوق تضم بنكا عثمانيا لشخص يُدعَى زلخة مرقدة وبجانبه كانت هناك بحيرة جميلة والأرضية مرصوفة بشكل هندسي مميز ولكنها تعرضت للتخريب بسبب القصف الفرنسي. ومن المباني التاريخية التي تضمها السوق أيضا جامع دار الحديث، وهو صغير نسبيا تبلغ مساحته نحو 400 متر مربع بطابقين ويضم مئذنة ومصلى وباحة صغيرة تتوسطها بحرة تزيينية. ثم هناك مبنى مدرسة زهرة خاتون التي تعود إلى العصر الأيوبي، وهو مغلق حاليا، وثمة جامع آخر قديم أيضا يدعى جامع الخندق».

على صعيد آخر، تتميز سوق العصرونية بأنها شهدت تأسيس أول سوق للبورصة في دمشق. فقد انطلقت في جزء من السوق سُمي سوق «البورص»، كان يربط العصرونية بسوق الحميدية ويضم محلات صغيرة لصرّافي العملة الأجنبية وبائعي الذهب. غير أن محلاته حاليا تحولت لبيع مستلزمات المرأة من عطور وأدوات زينة وماكياج وغيرها، بعدما كان في أربعينات وخمسينات القرن المنصرم يشهد، وبشكل يومي، تجمُّع تجار دمشق لمعرفة حركة البورصة العالمية والمحلية. ولكن العمل في سوق البورصة انتهى مع بدايات الستينات، وصدور قرار الحكومة السورية ـ آنذاك ـ بتأميم البنوك الخاصة.

ولكن، بعد نحو 45 سنة من إغلاق سوق البورصة صدر قرار جديد بتأسيس سوق دمشق للأوراق المالية التي انطلقت قبل عدة أشهر، ولكن ليس في سوق العصرونية، بل في ضاحية يعفور خارج دمشق. ومن المتوقع إطلاق بورصة دمشق قريبا لتعود كما كانت قبل 50 سنة. اليوم، من يتجول في سوق العصرونية يلاحظ أنها تشهد ازدحاما طول النهار، لا في العصر فقط، ومعظم المتسوقين فيها هم أُسَر، إذ تأتي الأم مع أطفالها إلى السوق بحثا عما يحتاجونه من كماليات وضروريات. فالأم تبحث عن لوازم مطبخها من أدوات مختلفة، والأطفال يشترون الألعاب التي وُعدوا بها، والصبايا وأمهاتهن يشترين العطور وحقائب اليد... وكلها تباع بأسعار شعبية رخيصة الثمن نسبيا، إذا ما قيست بمحلات أسواق دمشق الحديثة والراقية والمولات التجارية. ومع أن شمس دمشق تسطع قوية في الصيف فإن الكثير من أصحاب محلات السوق المكشوفة تحايلوا على أشعة الشمس اللاهبة في الصيف والناعمة في الشتاء فتعاون بعضهم مع بعض، على وضع مظلات قماشية ملونة تحمي المتسوقين من حرارة الصيف، وإن كانت لا تمنع عنهم أمطار الشتاء، التي غالبا ما تكون غزيرة شتاءً.

والجميع ينتظر حاليا آليات ومهندسي المكتب الفني لدمشق القديمة ـ كما سمعوا ـ لتطلق العمل بمشروع ترميم وإصلاح السوق، فتزيل بعض الإشغالات الحديثة من السوق المضافة في السنوات السابقة، ومنها خزان كهرباء وغيرها، التي تعوق رؤية عمارة السوق التراثية وامتدادها باتجاه الأسواق الأخرى الذي يحلمون به منذ سنوات.






المصدر
http://scn-sy.com/ar/news/view/1284.html