تجلس محنى الظهر في عربة تبدوا أنها ضيقة , ولكنها تمتد أمامك إلى ما لانهاية .
مكانك ضيق ومحاط بالكثيرين قليل من تعرفهم , وكثير من تجهلهم .
العربة تسير بسرعة شديدة تنظر نحو السائق محاولا أن تجعله يبطىء بعض الشيء , ولكن يواجهك الفراغ اللانهائي من أمامك.
تتشبث بالهواء فتزداد شعورا بأنك ستهوى في حفرة عميقة .
المكان يضيق شيئا فشيئا والإختناق هو السمة السائدة .
تنظر من خلف النوافذ الزجاجية العملاقة التي لا تتناسب مع حجم العربة فترى أن ليلا يأتى يليه نهار , هما متتابعان بسرعة غريبة و بنفس السرعة تتغير ملامحك .
فجأة تتوقف العربة تسمع صوتا تعلم فيما بعد أنه صوت السائق ينادى على أسماء عديدة , يفتح باب العربة تلقائيا ليكشف عن خارج ضيق جدا ولكنه يتشكل مع كل اسم ليسعه .
يهبط الكثير , تتوهم أن المكان سيتسع لك وحدك ولكن في نفس لحظة الهبوط يصعد أكثر ممن هبط- يزداد ضيق المكان ويزداد الاختناق .
تسير العربة بسرعة أكبر يتوالى نهار يتبعه ليل وعقارب ساعتك لا تتوقف عن الحركة الدائرية السريعة مصحوبة بدقات مثل دقات قلبك .
تأتى امرأة من مكان ما بالعربة كلما اقتربت كلما زادت معرفتك بها حتى تتوحدا , فجأة تخرج من داخلك مصحوبة بطفل يتعلق بك تعرفه جيدا وتشعر بأنه قطعة منك .
فجأة تتوقف العربة بحركة لاإرادية تضم المرأة والطفل بقوة شديدة مرهفا السمع .
أسماء تتلى وأجساد تتجه بحركة آلية نحو الباب العملاق , يغلق الباب بعد صعود الكثيرين .
تشعر براحة مصحوبة بقلق , تنظر نحو الطريق وتلمح نهايته في الأفق البعيد فتزداد التصاقا بالطفل والمرأة .
حركة العربة مستمرة وتتابع الصعود ولهبوط يتم بانتظام عجيب .
فجأة ترتخي قبضتك تترك المرأة يدك وتجذب الطفل الذي ما عاد طفلا بعيدا عنك مديرين ظهرهما نحوك , تتوقف العربة , لا تنتظر أن تسمع اسمك , تتجه نحو الباب الذي يفتح لك تلقائيا تشعر وأنت تخرج منه أنه ثقب إبرة .
تنظر خلفك , كل من كانوا حولك يشيحون بوجههم عنك محاولين اللحاق بمكانك .
تدفعك الأجساد الهابطة , يتشكل المكان بالخارج عليك , تنظر نحو شخص صاعد وتلقى عليه التحية , ولكنه يصعد دون أن يعيرك اهتماما .
يحيي هاشم
19/1/2005