الفكر الجمعي والفكر المنطقي والإبداعي:
نتهم نحن العرب في عصرنا هذا بالفكر الجمعي الاستهلاكي, وهل لنا خيار في دفع التهمة عنا؟لكننا لن ننكر أبدا أن لدينا مفكرين هجرونا لأنهم لم يجد وا من يفيد منهم , ولا ساحة تتقبل العطاء النظيف, ويقدروها حق قدرها فكم تكون نسبة تلك العقول أمام الفكر التقليدي السائد في مجتمعنا؟ وهل زاد العالم الرقمي من نسبته أم مازال كما هو؟
يقول الدكتور قدور رحماني:[1]
لا توجد ثقافة تغلغلت جذورها في ذهنية المجتمع العربي كثقافة الاستهلاك التي لا تقتصر على الجانب الثقافي وحده, بل غنها توسعت لتطال جميع إيقاعات الحياة في المجتمع العربي. وسيحول مجتمعنا غن طال بهم العهد إلى ما يشبه الأطلال الدارسة التي لا مبرر لوجودها .ولو استمر الوضع هكذا يموت كل موهبة رغبة وتموت كل موهبة قادرة على الابتكار والإبداع والإضافة وتزداد الشقة بيننا وبين الحياة الحق.
******
1-معجميا:
فَكَرَ في لسان العرب:فكر الفكر والفكر :إعمال الخاطر في الشيء قال سبيويه:ولا يجمع الفكر ولا العلم ولا النظر ,التفكر : التأمل والاسم الفكر والفكرة والمصدر الفكر.[2]
جمع في لسان العرب:جمع الشيء على تفرقه,يجمعه جمعا وجمعة وأجمعه فاجتمع واجمع وهي مضارعة وكذلك تجمع واستمع والمجموع : الذي جمع من ههنا وههنا وإن لم يجعل كالشيء الواحد.[3]
نطق في لسان العرب : من نطق الناطق ينطق نطقا تكلم والمنطق الكلام والمنطق : البليغ ,أنطقه الله واستنطقه أي كلمة وناطقه وكتاب ناطق بيّن على المثل كأنه ينطق .[4]
بدع في لسان العرب بدع الشيء يبدعه بَدْعا أنشأه وبدأه,وبدع الركية استنبطها وأحدثها وركْيٌ بديع حديثة الحَفْر.
والبديع والبدْع : الشيء الذي يكون أولا وفي التزيل:"ما كنت بدعا من الرسل"أي ما كنت أول من أرسل , فقد أرسل رسل كثير قبلي.[5]
يفرد لسان العرب للجذر هلك 3 صفحات هامات لتفرع الترادف هنا ونختار الأهم :
هلك الهلك الهلاك وهلك يهلك هلكا وهلَكا وهلاكا :مات ويجوز ان يكون ماضي يهلك وهلك كعطبَ.
استهلك الرجل في كذا إذا جهد نفسه واهتلك معه ..مستهلك الوِرد من سلكه .[6]
**********
2-معرفيا:
نعرف التفكير الجمعي مبدئيا وباجتهاد أنه:
تفكير تقليدي يعنى بتجميع ومراكمة المعلومات دون تنسيق مسبق بهدف إما إكمال ما توصل إليه من سبق أو متابعة ما سينجم عنه البحث المتابع.
للأسف لم نجد عبر الشابكة ولا المراجع تعريفا وافيا عنه.
تقول خريجة التربية الأستاذة ميسم الحكيم : هو مصطلح قد لا يكون مشهورا بهذا الاسم حصرا لكن يمكننا أن ندعوه الفكر غير المبدع وهكذا.

ويشرح عنه الدكتور عبد الكريم بكار/بتصرف[7]
ما الطبيعة العامة للعقل الجمعي؟
1- قصور وانخفاض مستوى التعليم يجعل من صاحبه قاصرا عن فهم تركيبة العقل الجمعي ذات نفسه وينحصر غالبا في نسبة تزيد عن 30% في الأميين ويباهلون بحوارهم الجدلي العقيم.
2-العقل الجمعي يعاني من سطحية فكرية وضحالة, وانخفاض مستوى الفهم.
3-يشبه إلى حد كبير الأم الرؤوم التي لا تملك سوى ولدا واحدا تتعلق به ويعتبر كل من يقترب منه منافسا .
ويعزي الكاتب تفوق الغرب علينا لقصور تفكيرنا وانحصاره ضمن هذا المفهوم القاصر, فكما يتبدى لنا ان لديهم وحدة حال وفكر لكن الحقيقة أنهم ما كانوا ليجمعوا لولا فكرهم المصلحي ,
وليس مثلنا فكرا عقائديا يجب أن يكون شاملا وجامعا لنا بقوة.
وهذه تهمة توجه للفكر الإسلامي عامة.
التفوق لا يعد ذكاء فقط فجلهم ناجحين ومتفوقين لكنها الدربة والمران والمثابرة والظروف المناسبة للعمل.
ويعتبر الدكتور أن الفكر الجمعي نوع من ابتلاءات ربانية واختبار يجب أن نعرف سبيل الخلاص منه بحكمة.
الفكر الجمعي لا يفكر خارج الصندوق لأنه لا يملك رؤية شاملة ويميل للعولمة بأفكاره رغم ما يملكه من طاقة روحانية هائلة فاليابانيين جدوا واجتهدوا حسب زعمه لأنهم جوعى ولا مصدر معاشي لهم غير العمل لكن رؤيتهم محدودة هنا فلماذا لم يبدع أهل إفريقيا هنا؟
اليهود تفوقوا لمعونات خارجية وصلتهم !لماذا لا نقل إن جلها أتت من بلاد الإسلام؟
الصدق يحتم هنا إلا نلتف على المعطيات التي لا تعجبنا لذا فنراه لا يفرق بين القيم الأصيلة والمبادئ العقلية الهامة ويسلم بها دون نقاش.[8]

هذا مقتطف هام ومختصر خطير عن هذا الفكر المتأخر.
ماهو تعريف المنطق إذا؟

المنطق:

المنطق في اللغة العربية من النطق وتعني الكلام الدال على التعقل والتفكير فكلمة منطق تجمع بين الكلام والتفكير في آن واحد وفي اللغات اللاتينية مشتقة من الكلمة اليونانية "Locos " التي تعني التعقل والكلام.

وقد عرف " أرسطو " المنطق بأنه آلة العلم وصورته وجعل المنطق مدخلاً وآلة لجميع العلوم على اختلاف أنواعها. و " الفارابي " عرف المنطق بأنه صناعة القوانين التي من شأنها أن تقوّم العقل وتسدد الإنسان نحو الحق والصواب
وعرفه " توماالأكويني " بأنه الفن الذي يكفل لعمليات العقل الاستدلالية قيادة منظمة خالية من الخطأ. أما في العصور الحديثة فكان المنطق علم قوانين التفكير. فالمنطق إذاً في موضوعه علم يتناول العمليات العقلية التي تستهدف المعرفة للوصول إلى الحقيقة,
وهو مهارة وفن التمييز بين الخطأ والصواب في الأفكار والأحكام والقضايا فالعقل عندما يتكلم يكون المنطق.[9]

لدى مقارنتنا بالفكر المنطقي والذي يكون عادة ممتزجا بالإبداع وقد قال العروضي فؤاد بركات عن الموهبة موجوده لكن صقلها يظهرها وينميها.فبماذا يتميز؟

1. المنطق يساعد على تجنب الخطأ في التفكير .
2. الاستدلال هو أهم موضوعات المنطق وهو الانتقال من المعلوم إلى المجهول
ثالثاً - أهمية دراسة المنطق وفائدته:
1- يساعد على فهم مبادئ و أسس الاستدلال المنطقي و مناهجه.
2- يساعد على التميز بين الأدلة السليم وغير السليمة .
3- يحرر الفرد من تأثير العاطفة والدعاية والإشاعات .
4- يساعد الإنسان على اختيار ألفاظه بدقة .
5- ينمى الاتجاه النقدي لدى دارسيه .
6- ينمى الروح العلمية لدى الفرد[10]
حتى الفكر الجمعي لو كان تابعا لفكر ما ومنحى فكري عقدي ما يحتاج لضوابط وإلا لتفلت وشرد عن جذره الأول:
يقول الدكتور عبد الكريم بكار في كتابه :في إشراقة آية[11]

وبما أن الحياة الجمعية لا يمكن أن تستقيم , وتنتظم من غير ضوابط عرفية تؤمن نوعا من التعاون وتحول دون بغي الخلطاء بعضهم على بعض كان الجواب دائما :
أن ما تقوم عليه حياتهم الاجتماعية هو ما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم من الأعراف والعادات والتقاليد,وما حياتهم الا استمرار لحياة سلفهم الذين يفاخرون بهم, والخلف لا يكتفي عادة بالتلقي لا أصم عن السلف لكنه ينشئ من
الفلسفات والمقولات والخرافات ما يمنح ما ورثه -من تقاليد - القداسة والاحترام مما يجعلها محورا للمنظومات العقدية والفكرية والرمزية والتاريخية.
ويقول في مكان آخر من الكتاب:
ليس كل ما يرثه المرء عن آبائه وأجداده رديئا -لأنه لا يوجد جيل مختص بالرذائل - لكن الرديء هو أن نفقد القدرة على الحكم على تلك الموروثات ونحلها في محل القبول والاقتداء .[12]
لكن الباحثين في دهاليز العالم الرقمي قدموه لنا بطريقة جديدة جدا وهي أن العالم الرقمي يعتمد أصلا على الذكاء الجمعي الذي يقدم لنا كل جديد ومستحدث اعتمادا على ما سبقه من معلومات: يقول في هذا الصدد الباحث محمد أسليم ( بتصرف):
اعتمدت المصادر الرقمية على الذكاء الجمعي وهذا ما قاله الفيلسوف"بيير ليفي"أن العالم الافتراضي تجسيد لما يدعى الذكاء الجمعي,
وهو أن نبدأ من حيث انتهي الآخرون و هو ما كان يدعوه الفارابي وابن سينا وأمثاله :بالعقل الفعال.(انظر ص 138 من كتاب العربي العدد82-مقال محمد أسليم).
هل هذا يعني أن هناك قسما لا بأس به من عالم الفكر الجمعي يعنى بالاجتهاد على أنواعه ويقدم الجديد غالبا أو حاليا اعتمادا على ما سبق بقصد التجديد والتحديث؟
ما يحدد طريقة التعلم هو الهدف المرتبط به:
يقول الشيخ سلمان العودة في كتابه:مع العلم:
الإسلام لم يأمرنا أن نطلب العلم لذات العلم , بل علمنا أن نطلب العلم للعمل , ولذلك كان السلف يقولون : " العلم يهتف بالعمل , فان أجابه وإلا ارتحل" [13]
ويقول في مكان آخر من الكتاب:
يجب على الشاب أن يسير على منهج واضح مستقيم منضبط : وإلا تغلبه شهوة العلم إلى الاندفاع في جمع عشوائي للمعلومات فان هذا ينتج ثقافة تراكمية ولا ينتج عالما مؤصلا .[14]
ونستشف من بعض محاضرات الدكتور طارق سويدان كذلك (مامعناه) عن المتفوقين علميا ودراسيا:
أنهم ينقسمون إلى قسمين منهم من يملك فكر تقليدي متفوق بمنهجية لا يحيد عنها,وهؤلاء قد يكملون طريقهم تقليديا كما بدؤوه لكن هناك فريقا قد لا يكون متفوقا وربما كان ذكاء ذكاءه غير دراسي, لكنه مبدع بطريقة ما, وهؤلاء ينطبق عليهم أمثلة المخترعين والمبتكرين الذين لم يكن تحصيلهم الدراسي ملموسا.
يبدأ طريق الإبداع من اكتشاف الأسرة لمهارات الذكاء في طفلهم وتوجيهه الاتجاه الصحيح فكم من خسارات نخسرها من توجيهنا الخاطئ, لذا فالبحث الدائم عن هدف الطفل من دراسته ومن محبته لمهارة أو هواية معينة أمر في غاية الخطورة قد تحدد مصيره الحياتي كله.

هل يمكن للفكر الجمعي من التحول لفكر خلاق مبدع؟
لا يمكننا الجزم فهو أمر فطري أولا ثم كسبي ثانيا لكننا يمكن استعارة نظرية من الطب النفسي غير تجريبية قد نستأنس بها فقط هنا:
يقول خالص جلبي:
وإذا كنا من أجل (أجهزة) معينة نضطر لتحويل السيالة الكهربية بشكل معاكس من 110 فولت إلى 220 فولت، كذلك يمكن نقل سيالة (اللاوعي) إلى (الوعي) وهو ما يفعله المحللون النفسيون أحياناً، فإذا ظهرت تلك (العفونات) المختبئة بدون (أكسجين عقلي) إلى الضوء والهواء الطلق تعافى الإنسان وكأنه نشط من عقال.
وهذا إن دل على شيء فهو يفيد بمدى قدرتنا على تشكيل الإنسان وتحول الأخلاق إلى ساحة العلم.
هذه هي بعض مفاتيح تغيير الإنسان، وعندما نستطيع تغيير الإنسان يمكن أن نمسك بمقود التاريخ.[15]
تبقى فترة التنشئة وجودة المتابعة والحوار والحياة التربوية الفعالة , والتي تربط القول بالفعل مفتاح للتوجيه السليم ,إن كان المربي يدرك مدى خطورة مهمته,ونضيف من خلال استعراض المناهج التعليمية العالمية ,أنه يجب علينا أن نكتشف المواهب والتوجه الإبداعي إن وجد وهو موجود غالبا,مبكرا قبل أن يموت ويذبل.
ويحزننا أن نقول أن العالم الرقمي بقدر ما زاد نسبة المبدعين بقدر ما زاد نسبة الفكر الجمعي!! لقلة ساحات العطاء وتبادل الأفكار في الواقع.
ويبقى السؤال الملح من أين يأتي الفكر الإبداعي؟
حقيقة لم أجد مقالا واحدا يبحث عبر تلك القناة بموضوعية وتفصيل عميق الغور وكان تقييد الحريات هي فقط المسئولة عن كبتها.[16].وأقول:
هذه المقولة صحيحة إلى حد ما فهناك الإبداع العلمي والإبداع الأدبي الأول يحتاج مختبرات ودعم مؤسساتي كبير وهذا ما نفتقده في طول الوطن العربي وعرضه أما الثاني فهو مقيد بحرية التعبير أولا نهاية بتقدير الجهود المبذولة بصمت وفي الظل,ورغم هذا هناك من وجد فرجة:إما بماله فهيأ لنفسه عالما خاصا خارج وطنه أو داخله أو عبر المحسوبية المريضة.
لكن السؤال يبقى ملحا:
إلى متى؟
ريمه الخاني 15-7-2011

[1] انظر مجلة الرافد العدد 166 مقال الكتابة الأدبية بين اللذة ومتعة القراءة

[2] لسان العرب ج2 ص 1923

[3] لسان العرب ج3 ص 2815

[4] لسن العرب ج4 ص 3596

[5] لسان العرب ج3 ص 2782

[6] لسان العرب ج4 ص3704-3709

[7] ص 69 من كتابه تكوين المفكر.

[8] انظر من الصفحة المبينة سابقا حتى ص 76

[9] مقتبس من الرابط:
http://drdsha2009.yoo7.com/t366-topic


[10] من منهاج المنطق لدارسي الثانوية في مصر /الرابط:
http://wessam.allgoo.us/t8838-topic


[11] صفحة ص 99 منه

[12] ص 100 من الكتاب ذاته

[13] انظر ص 92 من الكتاب المذكور

[14] ص 122 من الكتاب المذكور

[15] لقراءة النص كاملا راجع الرابط
http://www.albiladpress.com/demox/column_inner.php?wid=346&colid=8050


[16] لمزيد من الاطلاع راجع الرابطين الذين يتحدثان عن مقال الدكتور احمد البغدادي
http://dialog5-menber1.com/news.php?action=view&id=4569
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=47009