لم يكنْ ذلكَ المساء كأيِّ مساء!
كانَ دموياً .. بقَدْرِ ما في شَفَقَ الغروبِ من لازورد.
كانَ لاهباً .. بقدرِ رمضاءِ ذلكِ الصيف الحار.
وكئيباً بقدرِ ما يحملُ وعدُ قدومِ الليلِ من حُلكةٍ في البراري.

كانتِ الجُّثةُ مسجَّاةً على قارعةِ الطريق ..
مُقَطَّعةً أشلاء ..

والجُناةُ حولَها في هَرْجٍ ومَرْج ..
كلٌّ يحمِلُ أداتَهُ، وعلى محياهُ عُنجهيةَ المنتصرِ الذي قد أتى على خصم.
وعلى هيئاتهمُ الرَّهَقَ وعلى جباهِهِم حبَّاتِ العرق ..

هي ..

فتاةٌ بعمرِ الورود ..
فرعاءُ القامةِ، مخاتلة ..
تطفحُ أناقةً وصبا ..
نافَ عمرُها الخمسةَ عشرَ عاماً، كانتْ خلالها تتنقَّلُ في كلِّ ربيعٍ من زهوٍ إلى أزهى ..
وتتحلّى بثوبٍ كأنه سندُسُ الدنيا، يهفهفُ بزركشاتهِ الخضرِ ..
فتُنْعِشُ من يراها .. وتجلِبُ الفَرحَ إلى قلوبِ البائسين ..

وذاك المساء ..

قتلوها ..
نعم قتلوها وقطَّعوا جسَدَها الغضَّ أشلاءً .. ولا من مجير

كانوا يجولون حولها كأنهمْ في رقصةٍ لأكلةِ لحومِ البشر حولَ مشهدِ الضحية
لم يكنْ في قلوبِهِم أي أثرٍ من رحمة .. مع أن المنظر يدمي القلوب .. بحق.
لم أجدْ حولَهُم من يشجب أو يزجر.
ويلاه .. أ إلى هذا الحدِّ تجفو القلوب؟

هي كانت كالسماء إذا أناخت بالخير .. وكالغيم إذا أظل.

كلما كَبُرَت عاماً زادها الله بهاءً وغبطة
وكلما زادَ بهاؤها .. تربَّعت على وجهي ابتسامةٌ قبالَتها .. وهَنِئَتْ عيناي بالمساءاتِ في حضرتها

اليوم ..
ربطوا أطرافَها المفصولةَ عن جسدِها، بالحبال .. وجرُّوها ..

لا أدري إلى أين!!

أما أنا ..
فبحجمِ سماء ذلك الزوال ..
أحاطت بي الكآبة ..
لأجلِ صفصافةٍ ضاقوا بها ذرعاً على ناصية شارع.

14/7/2009