افتراء....
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
من يعيد الزمن إلى الوراء؟, من يعيد عقارب الساعة لزمن ولى وهرب؟, ومن يعيد إليه ماء وجهه الذي سال موجعا فاضحا؟؟لقد مضى وقت طويل لم يعد يراه في الساحات المعتادة, ومازال فمه يحمل الكثير من الكلام والأسئلة الملحة!,لقد استغل صبر ذاك القوي الصلب إلى أقصى الحدود , يبدو أنه تجاوز المسموح..و كانت صداقة وانتهت الآن , كانت عزاء له وجواز عبور للتصحيح, لكن بعد الذي حدث لا طاقة له بمواجهته وهو الذي حار كيف يضع له الكمائن الحارقة والعبوات الناسفة القاتلة وكأنه لا يعبأ ولا يستكين!, حتى لكاد يتخيل ريح عمار بن ياسر أو بلال الحبشي! هل مازالوا بيننا؟ربما...
لقد كاد ينهار أمام صموده البطولي الذي تحويه روحه الهادئة السمحة , إنه باختصار يحبه ولكن ليس ذاك الحب! يا لتلك الصداقة الغريبة, ويا لذاك الشخص الذي طحنته الحياة بامتحاناتها ومازال يذكر الله بقوة ويردد :
-قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا!
ما يؤرقه أن أوراقه باتت مفتوحة أمام الجميع..فما أخفاه عنه بات الآن واضحا جليا لا تمحوه العبارات ولا الاعتذارات ! كيف لم يحسن ردم حفره المحكمة؟ورغم هذا فإن روحه التائهة لم تعد تطيق عبوره بسلام حتى أنه وجد أن ضميره الحي عبارة عن ضعف وتردد ولن يستمع لنصائحه يوما ما, يا للتناقض الذي يعيشه ويا للغيرة العمياء القاتلة التي تنهش في كيانه نهشا ً.
إنه أفضل منه بكثير, نعم هذا ما يؤمن به خفية ولا يسلم الراية رغم هذا, ولكن! كيف سيعرف له بأنه كان سبب كل نكباته وصدماته وأوجاعه المرهقة؟.كيف سيعّرف له الأمور؟وبأنه هزمه؟ كيف سيفضحه صغر قامته أمام نفسه وتضخم صديقة المخيف أمام الجميع؟؟ لن يعترف أصلا وهل هناك من أهمية لهذا الأمر؟كيف كان متيقنا من أن الاستقامة طريق الخلاص والراحة ؟ ولم يقترب حتى منها؟! هل كان يجب أن يدخل عالمه من قرب ويستشعر طعم الاستقامة الحق؟ يا للخيبة, لقد أراد أن يضيع ذاك العنيد ويدهسه بغيرته, فضاع هو !! راهن على أن يضيع له ماله فكثر وزاد! راهن على أن يسرق منه الشرف وبياض الروح فزاد تألقا!! يا للخيبة!
مازال متعجبا من غيرته التي تنهش قلبه !, لماذا؟؟ لماذا يشعر رغم أنه حاول إمساك خيوط الاحترام رَغما من الناس حوله ,لا يشعر باحترام ذاته؟ أنه يمشي ملكا بتواضعه وقناعته ورضاه! لقد حار كيف يضع له العراقيل عبثا , كيف الرجوع الآن وهو بوجه أسود معتم؟على الأقل أمام نفسه !ومن جديد:
من يعيد الزمن للوراء؟, من يعيد عقارب الساعة لزمن ولى وهرب؟, ومن يعيد إليه ماء وجهه الذي سال موجعا فاضحا؟؟
أحيانا يكون سباقنا المحموم نكبة توجعنا رغم وصولنا لبعض أهداف ونتف منها ملوثة بدم الشرف والنزاهة, وأحيانا أخرى نغمض أعيننا كالنعام وكأن أحدا لا يرانا , لكننا نرى أنفسنا على الأقل..قد يقدرنا بعضهم ويقدمون فروض الطاعة ليس محبة ولكن لامتطائنا من جديد كما امتطينا غيرنا...
أوقف محرك السيارة ولهفت نفسه لسماع صوته الثابت الرزين:
-ألو ألو من هنا؟
أغلق الهاتف وصوته الرخيم يذبح أحشاءه من فرط حزنه على نفسه!! وقال مواسيا بنفسه:
-نعم إن الله غفور رحيم,هذا من أروع الأمور على الإطلاق.. ولكن كيف أقطع دربا أنا ماض فيه؟وبات من المتعذر بل من بعض المستحيلات أن احرق أوراقا باتت من أرشيفي وسيرتي !سوف يشمتون بي..سوف يهددونني بها ! سوف ...
وهطلت الدموع غزيرة وكأنه يبكي زمنا كان فيه صديقا ملاصقا لهذا الطاهر العنيد...
حدث نفسه من جديد:
مادمت غير قادر على الرجوع لما كنت عليه لماذا تذهب معتذرا ضعيفا مترددا؟أم هي بقايا نخوة وشرف تلملمها في لا تضيع هي الأخرى ومتى كان الاعتذار نقطة بداية جديدة إلا لو كانت النية صادقة؟
أغمض عينيه وتحرك من جديد غافلا ومتغافلا عما يمكن أن يحدث بعد ذلك فمن عادته التهور على في لحظات التفكير الحقيقية...

دق الباب , خرج له أبيضا معطرا هادئا رزينا يكاد يسلب لبه بنفحة جماله النظيف...
-جئتك سائلا وباحثا عن إفتاء
-على الرحب والسعة
تلعثم وتلجلج ..ودخلت الجمل في بعضها حتى خشي أن تخرج سخريته مجلجلة تسحق ما تبقى فيه من شجاعة...
-مالك يا رجل ؟. لا تتخيل كم اشتقت لك يا رجل...
عانقه ..قبله...هطلت من عينيه دموع حرى ...قائلا:
-أنا لست هو...
أم فراس 16-6-2010