سمات المجرمين في القرآن الكريم

حينما يذكر الله سبحانه وتعالى المجرمين يركز على بيان الحالات الطارئة على وجوههم ، وهذا من لطائف كلامه سبحانه.

فالقرآن تارة يشير إلى يأسهم يوم القيامة أو تحيّرهم ، يقول سبحانه : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ المُجْرِمُون ) (الروم : 12) ، أي ييأسون من رحمة اللّه ونعمه التي يفيضها على المؤمنين ، أو يتحيّرون وتنقطع حججهم بظهور جلائل الآيات الباهرة .

وتارة أُخرى يشير إلى وجوههم وأنّه يعلوها غبار الغم والحزن ثمّ يعلوها سواد من كثرة الغم ، ويقول : ( وَوُجُوهٌ يَومَئِذ عَلَيْها غَبَرَةٌ * تَرْهَقُها قَتَرَةٌ * أُولئِكُ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرة ). (عبس : 40 ـ41 ـ 42) .

وثالثة إلى أنّهم يعرفون بسيماهم وأنّهم يحشرون زرق العيون ، يقول سبحانه : ( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ ). (الرحمن : 41)
ويقول : ( وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمينَ يَومَئِذ زُرقاً ). (طه : 102).

ورابعة إلى إشفاقهم عندما يواجهون صحيفة الأعمال ، يقول سبحانه : ( وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرى الْمُجْرِمينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرةً إِلاّ أَحْصاها ). (الكهف : 49)

وخامسة إلى شقائهم الذي ربما يصير سبباً إلى نكووس رؤوسهم ، يقول : ( وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ). (السجدة : 12)

وعندما يتم حسابهم عند اللّه يجزون بالسحب في النار على وجوههم ، يقول سبحانه : ( يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النّارِ عَلى وُجُوهِهم ). (القمر : 48 ).

وسادسة إلى تمنّيهم الخلاص من العذاب بفداء كلّ من كانوا يحبونه في الدنيا من الأولاد والأزواج ، يقول سبحانه : ( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَو يَفْتَدي مِنْ عَذابِ يَومَئِذ بِبَنيهِ * وصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصيلَتِهِ الَّتي تُؤْيهِ * وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَميعاً ثُمَّ يُنْجيهِ ). (المعارج : 11 ـ 14).

ولكن ذلك لا ينجع ، لأنّ سنّته جرت على ألا تزر وازرة وزر أُخرى ، فيؤخذ المجرم ويعلّق بالأصفاد ، يقول سبحانه : ( وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَومَئِذ مُقَرّنِينَ فِي الأَصْفاد ) (إبراهيم : 49) ، ولا يقتصر على ذلك فيلبسون سرابيل من قطران مع غشاء الوجوه بالنار ، يقول سبحانه : ( سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِران وَتغْشى وُجُوهَهُمُ النّار ). (إبراهيم : 50 ).

سمات المجرمين في القرآن

إنّ الذكر الحكيم يعرّفهم بميزات كثيرة :

السخرية من المؤمنين ، قال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُون ). (المطففين : 29)

التكذيب بيوم الدين ، قال سبحانه : ( هذِهِ جَهَنَّمُ الّتي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُون ). (الرحمن : 43)

وقد عرّف المجرمون أنفسهم عند السؤال عن سبب إقحامهم في النار ، بالأُمور التالية :
( لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين . وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ . وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضين . وَكُنّا نُكَذِّبُ بِيَوم الدِّين ). (المدثر : 43 ـ 46)

وعلى كلّ حال فالمجرم في مقابل المسلم ، فالثاني يسلم الأمر إلى اللّه سبحانه ، والآخر يسلم الأمر إلى هواه ، يقول سبحانه : ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمينَ كَالْمُجْرِمينَ ). (القلم : 35 ).

ولأجل غرورهم وتكبّرهم على الأنبياء والمؤمنين عادوهم ، يقول سبحانه : ( وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمينَ ). (الفرقان : 31).

وقال سبحانه : ( ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَونَ وَمَلائهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوماً مجْرِمين ) (يونس : 75 )
( فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون ) (الدخان : 22).

فالمجرم ليس هو الضال بل يكون مضلاً أيضاً ، وثمة طائفة من الظالمين ينسبون ضلالهم إلى المجرمين يقول سبحانه : ( وَما أَضَلّنا إِلاّ الْمُجْرِمُون ). (الشعراء : 99 ).

قال الفيروز أبادي في ( بصائر ذوي التمييز ، الباب السادس - ضمن العنوان ( بصيرة في الجرم وما من مادته ) :

وقد ورد في القرآن على ستَّة أَوجهٍٍ:

الأَوّل: الْجُرْم بمعنى الشرك، والمجرم بمعنى المشرك {يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} وقيل المراد أَبو جهل وأَصحابه.

الثانى: الْجُرم بمعنى اعتقاد أَهل القَدَر، والمجرم القَدَرىّ {إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ} قال محمّد بن كعب: هم القَدَريّة.

الثالث: بمعنى الفاحشة أي اللِّواطة. والمجرم اللوطي {فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ} أي المشتغلين بها.

الرّابع: بمعنى حمل العداوة {لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ} أي لا يحملنَّكم خلافي {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ}.

الخامس: لا جرم بمعنى حَقاً {لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ} و {لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ} أي ليس بجُرْم لنا أَنَّ لهم النَّار، تنبيهاً أَنَّهم اكتسبوها بما ارتكبوه.

السّادس: بمعنى الإِثم والذنب والزَّلَّة {فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} أي فعلىّ إثمي. وأَصل الجَرْم قطع الثمرة عن الشَّجرة. اهـ