(المرأة تاريخ وحضارة)قدَّم الأديب الناقد محمد غازي التدمري
محاضرة بعنوان: (المرأة تاريخ وحضارة) حضرها عدد من المهتمين بالثقافة, والمتابعين لنشاطات الاتحاد.
يرى الأديب محمد غازي التدمري أن المرأة تشكـِّل لغزاً لا يزال يسعى الكثيرون إلى حلِّه، فهي تشكل الجانب الأهم والمضيء في الحياة, وقد بدأت رحلتها مع خروجها من الجنة من أجل إثبات وجودها، ومن يقلِّب صفحات التاريخ يرى أن وضعها لم يكن يسير على وتيرة واحدة، إنما كانت أوضاعها تختلف من مكان إلى آخر، حيث استعرض المحاضر صورتها في الحضارات القديمة. بدءاً من الحضارة اليونانية حيث كان ينظر للمرأة أنها مجرد خادمة ومربية لأطفالها، بينما الرجال كانوا مشغولين عنها بالحروب، فبقيت معزولة عن الأمور التي من شأنها أن ترتفع بها إلى درجات الرقي والسمو، هذا ما جاء في المحاضرة التي ألقاها في اتحاد كتاب حمص بعنوان "المراة تاريخ وحضارة".
ويتابع المحاضر سرده لتاريخ المرأة ويتوقف عن د المرأة الرومانية التي منحت حق الإرث والملكية في الوقت الذي كانت العفة فيه مقياس احترام المرأة وتقديرها، لكن بعد أن تحسنت أوضاع الدولة الرومانية تغيَّرت تلك النظرة، مما ساعد على انتشار الرذيلة وكثر عدد المطلقات، واختفت النظرة الفاضلة إلى عقد الزواج الرسمي مما أضعف من قيمتها الاجتماعية وجعلها تدور في دوامة اللا تقدم واللا حضارة.
أما المرأة في الحضارة الهندية فلم يكن وضعها بأفضل من غيرها، إذ تعرضت لقسوة القوانين والشرائع التي لم تكتف بحرمانها من حق المساواة مع الرجل بل حكمت عليها بالدفن وهي حيَّة في حال مات زوجها، فبقيت تابعة للرجل في الحياة والممات.
وبالنسبة للمرأة المصرية فقد أشارت الوصايا التي اكتشفت على أوراق البردي أن المرأة في هذه الحضارة كان لها نصيب هام في الوصول إلى سدة الحكم ومارست دوراً فعَّالاً في بناء المجتمع، وما يؤكد هذا الأمر وجودها في المنحوتات القديمة إلى جانب الرجلّ فقد سمح المجتمع المصري للمرأة بالوصول إلى سدة الحكم وجلوسها على عرش مصر من أجل استمرار الأسرة في الحكم وإثبات قدراتها العقلية التي جعلت منها موضع ثقة بالنسبة للمجتمع.
كما عرَّج المحاضر على وضع المرأة في النظام الكهني الأوروبي، وأظهر النظرة السطحية للمرأة التي لم يعمل أحد على إصلاح وضعها المتردي، ولم تمنح أي فرصة لأن تأخذ دورها الطبيعي في المجتمع الأوروبي كأمّ وزوجة، بل على العكس كانت النظرة للمرأة تحمل الكثير من الإجحاف والمعاملة السيئة بحقها مما أدى إلى تجاهلها وإبراز النظرة الدونية بحقها واحتقارها.
أما عن المرأة في الحضارة العربية، فقد تناول المحاضر وضعها من جانبين:
الأول: تناول فيه وضع المرأة قبل الإسلام والمركز المرموق الذي كانت تتبوأه والذي شرعه "حمورابي" بشرائعه التي لم تساو المرأة بالرجل فقط، وإنما منحها حريات كثيرة كما ربطها بمنظومة القيم الأخلاقية التي تحفظ كرامة المرأة وإنسانيتها، بوقوفها إلى جانب الرجل في الحروب وتقديم كل المساعدات للجنود.
وقد تطرَّق المحاضر إلى صورة وأد البنات هذه العادة التي كانت سائدة في المجتمع الجاهلي، بسبب النظرة الدونية.
تابع المحاضر في الجانب الثاني وضع المرأة في ظلّ الإسلام، وأشار إلى أنّ المرأة أول من لبى دعوة النبوة، وهي زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن هنا أحاطها الإسلام بسياج قوي من الحقوق والواجبات فارتفع شأنها ، وارتقى دورها, أخذت حقوقاً هامة من خلال شرائع الدين التي أعلت من شأنها, وجعلت لها دوراً مهماً في المجتمع الإسلامي كافة.
لاسيما بعد أن ساوى الإسلام بينها وبين الرجل أمام القانون فورثت وملكت وأتيح لها التصرف بما تملك بحرية واستقلال فقد أرادها الإسلام رائدة إصلاح وداعية خير ، مرشدة ومعلمة تسهم في بناء الحضارة العربية الجديدة إلى جانب الرجل تشاركه الدعوة والجهاد والعمل فخلص المحاضر إلى أنّ المرأة في ظلّ الإسلام لم تكن وليدة حضارة زائفة وإنما ابنة مجتمع حضاري تقوم دعائمه على أسس ثابتة في الإنسانية.
لقد كانت محاضرة الأديب التدمري بانوراما تاريخية وثائقية عن المرأة في عدد من الحضارات القديمة والحديثة وعلى الرغم من الجهد المبذول في المحاضرة كنا نتمنى أن يقف المحاضر وقفة مطولة عند تطور المرأة في العصر الحديث، وكيف استطاعت المرأة العربية أن تجابه تحديات العصر معرجاً على نضالها من أجل تحقيق سيادتها التي أهَّلتها لأن تكون امرأة فاعلة في الحراك الاجتماعي، مبيناً مراحل هذا النضال الذي أوصلها إلى المكانة التي تحتلها الآن، لكن ربما أراد المحاضر من عدم تعرضه لهذه المسألة أن يكتفي بسرد آلية حركة المرأة في الحضارات القديمة كالهندية والرومانية واليونانية ليستعرض بعد ذلك وضع المرأة في الجاهلية والإسلام، ومع ذلك فقد عبرت أفكار المحاضرة ممتلئة بالأفكار عن مكانة المرأة التي بنيت على حوامل اللغة المعبرة والأسلوب الأدبي الجذاب.

سريعة سليم حديد

http://www.albaath.news.sy/user/?id=1124&a=99775