صورة من صور معاناة تشكيل مشروع التجمع المدني الفلسطيني
بقلم : أ . تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب فلسطيني مستقل – 25-4-2011م
----------------------------
ليس المقصود هنا أن أتحدث عن نفسي ، فلا أطمح بعد أن بلغت الشيخوخة في مجد ولا سمعة ، بل المقصود أن أسلط الضوء على صورة قد يفهمها كل فطين ، وفي النهاية فإن فشلت فقد حاولت أن أخدم وطني ، وإن نجحت فهي رسالة لمن بعدي ...
تشهد الساحة الفلسطينية في قطاع غزة حراكا فكريا وثقافيا وأدبيا ملموسا وكبيرا ، وهناك فرق بين من يشارك في هذا الحراك كترفة أو متعة ، يقتل من خلالها وقته ، ويبني علاقات جديدة ، وربما يجد ذاته من خلال هذا الحراك ، كما حدثني بذلك بعض رجالات تلك الحركة ، وبين من يشارك في ذالك الحراك لعله يقتبس من أنوار المعرفة ؛ فتُشحن همته ووعيه ؛ من أجل خدمة وطنه ، رافضا أن يكون متلقيا منفعلا فقط ، وكأنه لا فرق بينه وبين حجارة الشطرنج ، أو القش الذي تتقاذفه الرياح في كل مكان ...
أثناء مشاركتي في تلك الحركة ، كان يتردد في ذهني دوما أسئلة ملحة :
· متى يتمخض عن هذا الحراك شيء ملموس يدفع بقضيتنا إلى الأمام ، خاصة وأننا جزء من النخبة الفلسطينية ؟ .
· متى يكون لهذه النخب في هذا الحراك دورا مؤثرا فاعلا يرتقي بواقعنا ، خاصة ومنا الأدباء بجميع ألوانهم ، والمفكرين ، وأساتذة الجامعات ، والأطباء ، والمحامين ، والمعلمين ، والوجهاء ، والمهندسين والأكاديميين ... الخ ؟ .
· متى نستفيد من أخطاء جميع الأطر الفلسطينية ؛ فنساهم في بناء حالة فلسطينية جديدة ؟ .
بدأت بطرق جدران الخزان وحيدا بيدي المهشهشة عظامها ، وسللت قلمي على صفحات ربما تطوى فلا أدري إلى أين ؟ ، وسخّرت كل فكري وجهدي وما أملك من أجل الفكرة ...
فبرأسي الذي كساه الشيب إلى حد ما ، ومن خلال نظارتي الطبية التي أخبرني الطبيب منذ سنوات أنه لا تقدم للرؤية في عينيّ (فهذا قدر الله والحمد لله على كل شيء ) ، وبظهري المنحني قليلا ، وبصحتي العليلة في كثير من الآلام ... كانت هذه البداية ...
بدأت أشق بأظافري الطريق وسط الصخور ، وبإرادة لا تلين ، متحديا كل الصعوبات التي وقفت في طريقي ولا زالت ، لعلي أقول لأبنائي جملة واحدة ؛ فيرتاح ضميري – لقد حاولت خدمة وطني في شيخوختي كما حاولت خدمته في شبابي –
متذكرا قول الشاعر محمود سامي البارودي : علي طلاب العز من مستقره ولا ذنب لي إن عارضتني المقادر .
وبسبب إيماني بالفكرة ، فأنني أضحي ولا زلت من أجلها بما يمكن التعبير عنه هنا بكلمات ، ربما تحمل مدلولات كبيرة لمن يملك وعي البعد الحركي...
فقد كنت أتعثر ليلا بسبب ضعف بصري ، وكان زميلي يمسك بيدي أحيانا خشية تعثري بين الحفر في طريق مظلمة ، تفتقر إلى الكهرباء ، كافتقار الكثير لنور العقول ، ولمعنى الانتماء للوطن ، لا للحزب والقبيلة والأيديولوجية والمنطقة ...
ولا زال كل يوم عندي هو يوم عمل حتى تاريخه ، أخرج من العاشرة صباحا وأعود منتصف الليل ، لقاءات وفعاليات وزيارات هنا وهناك ، شرح وإقناع ، استقطاب جدد ، إلى درجة أنني أحيانا لا أتمكن من تناول طعام الإفطار إلا قرب وقت العشاء ، ليس عزوفا مني ، بل بسبب ملء وقتي ، وغياب شهية الطعام ...
وهكذا ... فالحكاية شاقة ومريرة ، وأكبر من أن يتصورها البعض إلا من ذاق التجربة ...
نماذج واجهتها :
كنت ولا زلت أُفاجأ ... أُصدم ...أُجهد ... أشعر بالألم ...
البعض لا يرحم مني شيبة ولا جُهدا ، فيعتبر ذلك من أجل مجد شخصي لي ( مع الأسف ) ، مع أنني كثيرا ما أكدت أمام الجميع ولا زلت ، أنني لا أرغب في القيادة ، وان المسئولية أمانة وتكليف ، وأن أمنيتي فقط هي أن أرى هذه الأفكار قد شكلت حالة فلسطينية جديدة ، متقدمة ونوعية ، بحيث تضمن مستقبلا أفضل لأبنائنا وأهلنا .
والبعض متشكك .
والبعض يائس مُحطم مهزوم بكل ما تعني هذه المفردات .
والبعض رضي بأن يعيش على هامش الحياة ، ينتظر حتفه كالأغنام التي تُساق إلى ذبحها ، منفعلا لا فاعلا .
والبعض يلهث وراء جمع الأموال ولا يعنيه في حياته غير ذلك .
والبعض ينتظر ركوب القاطرة بعد تجهيزها ؛ لعله يحظى بمقعد أمامي بها .
والبعض يسألني : ما هي فكرتكم ؟ وما هي أهدافكم ؟ وما هي خطواتكم الأولى ؟ .
والبعض يسألني : من معكم ؟ .
والبعض يسأل : كم عددكم ؟ .
واجهت جميع الأفكار والتساؤلات ، بمفردي أحيانا ، وبصحبة صديق أو أكثر ممن يؤمنون بالمشروع أحيانا أخرى ، واجتمعت مع الناس فرادي وجماعات ، قي بيوتهم ، وفي مكاتبهم ، وفي مؤسساتهم ، وفي مجالسهم العشائرية ... شارحا ...داعيا...ميقظا الهمم ...قارعا للضمائر والعقول ؛ لعلها تفيق من سباتها وسلبياتها ... تارة أستخدم الفكر والدليل بالحقائق والأرقم ، وتارة أستخدم العاطفة ...
كنت أشعر أن هذا متجاوب جدا مع ما أطرحه من رؤية ، وان ذاك متردد ، وثالث ، يسير على قدم عرجاء ، ورابع نائم يحتاج إلى من يوقظه ، وخامس تائه لا يعرف الدليل ..وسابع يرغب في الظهور ، وثامن لا هم له غير أن يكون قائدا ولو كان أجوفا فارغا ...
وجمعت بفضل الله من حولي ومن أجل فكرتي العشرات من نخب شعبنا ، منهم الأدباء ، والمفكرين ، وأساتذة الجامعات ، والأطباء ، والمحامين ، والمعلمين ، والوجهاء ، والمهندسين ، والأكاديميين ، والمثقفين ، ورجال دين ، ورجال أعمال ... منهم وزراء سابقون ، ومنهم مدراء وزارات سابقة ، ومنهم مرشحين سابقين لانتخابات تشريعية ، ومهم قادة سابقون ، ومنهم شخصيات اعتبارية كبيرة ، فاعلة وازنة... الخ ؟ .
وتحولت تلك الفكرة إلى حالة ، هي في طريها بإذن الله لتتحول إلى مشروع كبير ...
قالوا لي بالحرف : أنت شيخ عجوز ( اختيار ) وتقدم ما لا يقدمه الشباب ... وفي وجهك القبول ، وتملك القدرة القوية على الاستقطاب والإقناع والتأثير ، وتحاول بعد هذا العمر الطويل أن تقدم شيئا لوطنك ...! قلت لهم : فلسطين أكبر منا جميعا .
أعرف أنني أمام مشروع ضخم جدا ، مشروع التجمع المدني من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، مشروع ربما تعجز عنه دول كبيرة ، وأن الحياة لا يمكن أن تكون مفروشة بالورود من أمامنا ، ولكني لن أيأس من عطاء شرفاء شعبنا بإذن الله تعالى ، وانه لا يمكن الخروج من أزماتنا ونحن كالعجائز مستسلمين لقدرنا ، فلا يمكن ضبط الواقع بدون حراك ، وأن كل واحد منا مسئول مسئولية وطنية وأخلاقية تجاه ما يجري .
موقع النورس الفلسطيني الخاص بالكاتب
http://www.tahseen-aboase.com/index.php
فيس بوك
التجمع المدني من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية
للاتصال بالكاتب
من داخل فلسطين 0599421664
من خارج فلسطين 00970599421664