قضية الفوارق في الإسلام


الإسلام لا ينكر الفوارق بين الناس لأنها أمر واقع، ولكنه ينظمها ويجعلها فوارق طبيعية تتماشى مع الفطرة والواقع، وينأى بها بعيدا عن الكبرياء والفخر والعصبيات البغيضة، ذلك أن الأساس في الإسلام لجميع البشر التساوي بينهم في الأصل والنشأة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء:1]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((كلكم بنو آدم، وآدم من تراب، لينتهين قوم يفخرون بآبائهم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان )) .
إن الإسلام يعترف بوجود فوارق حقيقية بين الناس في نواح مختلفة؛ كالفقر والغنى، والقوة والضعف، والبلادة والذكاء. ولكن الإسلام لا يجيز أن تكون تلك الفوارق مصدر استعلاء الناس بعضهم على بعض، وإنما هي دلالات على وجود مختلف الصفات فيهم ووصولهم إلى ما قدر لهم، وليست هي من قبيل نظام الطبقات الجاهلي في شيء، وإنما هي أمور ملموسة ليس للإنسان دخل فيها، وقد جعل الله كل البشر يفتقرون إليها ثم قدرها وفق إرادته وحكمته، فالعاقل لا يجد مبررا للافتخار بها على غيره ممن لم تتوفر فيه لأنها هبة من غيره وتفضل من الله تعالى، للرجل نصيب من صفات النقص والكمال، وللمرأة كذلك لها نصيب من تلك الصفات، و على العاقل أن يرضى بما قسم له، ولهذا نهى الله عز وجل أن يتمنى الشخص ما لم يكن له حق فيه، قال تعالى:{وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:32].
وما من إنسان إلا وهو يؤمن في قرارة نفسه بوجود فوارق شتى بين البشر شاءوا أم أبوا، سواء أكان الشخص مؤمنا أو ملحدا، والذين يدعون أنهم سيذيبون الفوارق بين البشر إنما يتكلمون كلاما فارغا ويطلبون إيجاد مستحيل، وسنة الله تعالى لا تغيير فيها ولا تبديل.
يتبــــع



الخصوصيات بين البشر


وإذا كان وجود الفوارق بين الناس أمرا بديها وواقعا ملموسا، فنحن على يقين من وجود خصوصيات متفاوتة بين البشر، مع معرفتنا بأن الله تعالى قد ساوى بين الرجال والنساء في أصل الخلقة فجعل سبحانه للرجل خصوصيات وللمرأة خصوصيات أيضا كل واحد حسب ما يليق به.
فقد خص الله الرجل بالقوامة على المرأة وانتساب الأولاد إليه، وخص المرأة بالأمومة والعطف والحنان.
خص الله الرجل في الميراث بأنه له مثل حظ الأنثيين، وخص النساء بنصيب منه مختلف.
خص الله الرجل بالشهادة بمفرده، بينما شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد، ولذلك أسبابه الكثيرة التي ذكرها العلماء وسنذكرها فيما بعد، ولا يصح أن يقال هنا أن الرجال أهليتهم ناقصة في الشهادة، حيث لا يقبل في بعض القضايا إلا شهادة رجلين فأكثر، وفي بعضها أربعة رجال فأكثر كجريمة الزنا مثلا.. فما سبب وجود تلك الخصوصيات؟
والجواب: أما القوامة بالنسبة للرجل فسببه الذكورة، وأما الأمومة بالنسبة للنساء فسببها الأنوثة، كما أنه لا تستقيم الأمور إذا كانت القوامة للجميع، أما الميراث فليست المرأة في الميراث على الأقل دائما، فقد ساوى الإسلام بين الأب والأم في الميراث من ولدهما المتوفى عن بنت وأم وأب، وجعل نصيب البنت أضعاف نصيب الرجل في قوله تعالى: {وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ} [ النساء:11].
وأما كون الرجل له حظ الأنثيين فإنما هو لقيامه بالأعباء المالية التي كلف الله بها الرجل، حيث يذهب ماله بسرعة، فلو أعطيت المرأة دائما مثل حظ الرجل لتراكم المال بيد النساء فلا توجد صفة العدل في التوزيع، وإذا قيل بأن المرأة قد تحتاج إلى المال مثل حاجة الرجل تماما فذلك يدل على اختلال في السلوك، أما مع بقاء قوامة الرجال فإنها لا تكون مثله وتصل إلى درجة حاجته مع وجود الميراث بيدها.
وأما بالنسبة لشهادة المرأتين بشهادة رجل فإنما هوفي صور بعيدة عن حياة النساء في الغالب، وهو ما يتعلق بالديون والمعاملات التجارية، فخشية أن تنسى المرأة الواحدة لابد أن تعزز بأخرى كما قال تعالى: {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة:282].
فالسبب هو خوف النسيان، لأن المعاملات التجارية ومسائل الديون أمور لا تتخصص فيها المرأة غالبا فيسرع النسيان إليها، كما أن مدارك المرأة في الغالب وفهمها في أمور الحياة أقل من مدارك الرجل وفهمه لكون الرجل يعيش الحياة من أوسع الأبواب بخلاف المرأة التي قد لا تصادف تلك المعاملات إلا قليلا، وأما إذا خرجت المرأة عن أنوثتها ونزلت إلى الشارع وعاشت الحياة بصخبها وضجيجها ومشاكلها فقد يكون لها شأن آخر من المدارك لكنه خارج عن طبيعتها الحقيقية.
وأما اشتراط أربعة شهود في جريمة الزنا فليس سببه نقص أهلية الرجل، وإنما سببه الحفاظ على كرامة المرأة من أن تكون عرضة للكيد والشبهات، ومنعا وردعا للتساهل في هذا الأمر الخطير، وصونا للأعراض. وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم في النساء: ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل من إحداكن)) . فالقرائن تبين الغرض من الحديث، أما نقصهن للب الرجل الحازم فقد كان الحديث في يوم عيد أي يوم فرح وسرور وزينة، فليس المراد به ذم النساء، وإنما يراد به تقرير ذكاء النساء حيث يذهبن بلب الرجل الحازم بزينتهن وتصنعهن، لأن كيدهن في هذا الباب عظيم، فهو إخبار من الرسول صلى الله عليه وسلم وليس ذما لهن.
وأما نقص الدين فهو بسبب الحيض الذي يحول دون الصلاة والصوم وغيرهما من بعض العبادات، وليس معناه الذم للنساء، إذ لا مذمة عليهن في الحيض، بل هو أمر أراده الله فبدونه تنعدم وظيفة الأمومة وتنقرض البشرية.
وأما نقص العقل فليس المراد به أن كل امرأة ناقصة العقل، ولكن المراد به نقص عقلها في الشهادة لما سبق تعليله، كما أن العقل والذكاء من الأمور النسبية بين الرجال والنساء وهو أمر مشاهد.
وظهور الخصوصيات في هذه الأمور واضحة، ولا يصح إقحام دعوى التساوي بين الرجال والنساء في جميع الجوانب، فهناك موانع يجب أن ندركها.
يتبــــع



موانع دعوى التساوي بين الرجال والنساء

أما المناداة بالتساوي:
فقد خدعت به المرأة، لأنه لا يمكن التساوي بين الناس في كل شيء، وإلا لكان الطبيب والممرض والصيدلي في درجة واحدة، والموظفون كلهم رؤساء، ولا فرق بين الرئيس وفراشه أو سائقه.
والذين ينادون بالمساواة بين الرجل والمرأة اندفعوا بدون روية وتأمل ينعقون بما لا يدركون.
وعلى هؤلاء على حد مناداتهم بالمساواة أن يساووا بين الرجل والمرأة في الحمل والولادة والحضانة، أوفي حمل السلاح وخوض المعارك، وفي العواطف، وأن يساووا بين المجد والكسول، وغير ذلك من موانع المساواة الواضحة والتي لا يمكن أن تتم إلا في خيال غير العقلاء.
إن هناك فوارق واضحة جلية بين الرجال والنساء، لا يستطيع أحد إنكارها، فمثلا:
حالة الحيض: تتأثر بها المرأة في قواها الذهنية وتعتبر حالة مرضية عند المرأة، وقد ذكر الدكتور "جب هارد" و الدكتور " فيشر" أن المرأة في حالة الحيض تتأثر قواها الذهنية، وفي حالة الحمل يصاب مزاجها بالتلون وعقلها بالشرود، فتختل فيها ملكات التفكير والتأمل.
وحين وضع الكونجرس الأمريكي مشروعا لتعديل الدستور بما يكفل للمرأة المساواة الكاملة مع الرجل قامت بعض المنظمات النسائية بالاعتراض على هذا معللين ذلك بالآتي:
إن مساواة المرأة بالرجل يلزم المرأة بالعمل، فلا تستطيع التفرغ للبيت إن شاءت.
أن مساواة المرأة بالرجل تلغي وجوب النفقة على الرجل، بل تجعل له حقا في النفقة في مالها.
أن مساواة المرأة بالرجل تلغي امتيازات المرأة في السجون.
أن مساواة المرأة بالرجل تستلزم وجوب تجنيد المرأة في الجيش.
ثم لم توافق أغلب الولايات على قانون الكونجرس فتوقف التعديل. ومن العجيب أنه بعد الاعتراضات النسائية:
قضت المحكمة العليا أن من حق الولايات افتتاح معاهد خاصة بالبنات.
قضت المحكمة العليا أن من حق ولاية ميتشجان منع النساء من العمل ساقيات في الحانات. في المجر استقلت البنات عن الأسرة والأطفال بسبب استقلال المرأة في حياتها لعملها واكتفائها بالعلاقات غير الشريفة، فاضطرت الحكومة لمنح أجازة حضانة بمرتب كامل للراغبات في البقاء في البيت .
وهذا يدل على مدى التخبط الذي يعيشه الخارجون عن منهج الله تعالى، ومدى ما هم عليه من الإفراط والتفريط، إذ لم يوفقوا إلى السلوك الوسط الذي أراده الله تعالى للحياة البشرية.
ومن العجائب – والعجائب جمة – أن النساء اللاتي لم يجربن الحياة المعيشية والأخلاقية في عالم الإلحاد ينزعن برغبة جامحة إلى نبذ الحياة الإسلامية والدخول في خضم تلك الحياة العاهرة، بينما النساء اللاتي اصطلين بنار الحضارة الإلحادية وجربنها ينزعن بشوق إلى الدخول في الحياة الإسلامية بعد أن سمعن – وإن كان سماعا مشوشا – عن عدل الإسلام وحفاظه على المرأة، أو قرأن قراءة عابرة عن الإسلام ومعاملته الكريمة للمرأة.
استطلعت شبكة "سي إن إن" الأمريكية المشهورة بالتعاون مع صحيفة "يو الإسلام توداي" رأي النساء والرجال في بقاء المرأة في المنزل والرجل خارج المنزل، فأكدت 48% من النساء بقاء المرأة في المنزل وعمل الرجل خارجه، بينما أكد 60% من الرجال خروج المرأة للعمل، وهذا دليل على خداع الرجال للمرأة وعدم الرحمة بها، وأنهم يرغبون في أن تكد وتشقى وتعاني الحياة التعيسة ومصاعبها كما يعانيها هم تماما.
وقد جاء أن مطلقة بريطانية اسمها "ماينس جاكسون" عرضت ابنها الوحيد للبيع بمبلغ ألف جنيه، والمبلغ يشمل الطفل وألعابه، وقد قالت إنها ستبيع ابنها لأنها لا تستطيع الإنفاق عليه، وليس لديها دخل لإعاشته، فأين الذين يتهمون الإسلام كذبا وزورا أنه لم يعطها حقها، وهل تصل امرأة في الإسلام وتكافله الاجتماعي إلى حد بيع ابنها؟ ! !
وحين تفاقمت الجرائم الجنسية والاغتصاب والحمل العشوائي بالآلاف بين فتيات بعضهن دون الرابعة عشرة يتسافدون كما تتسافد البهائم، أصدرت شرطة مانشستر دعوة إلى النساء بأن يتحجبن ويخفين مفاتنهن لئلا يثرن الشباب الصعاليك والمهووسين جنسيا، وإلا فإنهن سيتحملن ما يصادفنه من المضايقات الجنسية والاغتصابات المنتشرة. وفي بدايات عام 1990م تم لقاء مع رئيسة وزراء بريطانيا التي أطلق عليها "المرأة الحديدية" بينت فيه أنه تضاعف عدد الرجال والنساء المرتبطين بعلاقات غير شرعية ثلاث مرات في الفترة من 1979م حتى 1987م، والمحصلة 000ر400 طفل غير شرعي، وقالت إن المرأة هي الخاسرة وهي تتحمل العبء الثقيل لهذا الانفلات .
ومن العجيب جدا أن تتلهف المرأة التي أعزها الله بالإسلام ونظامه الرحيم إلى دخول تلك الحياة التعيسة للمرأة في الغرب، وصدق من قال : "العاقل من اتعظ بغيره"، ولكن الأحمق يريد أن يكون هو العظة.
يتبــــع