صبـاح الخيــر أو صبــاح الإشـراق والرضى .. أو صبـاحكم معطـر بنـور المصطفـى .. إلى غيـر ذلك من العبــارات الشـفافة .. هي الهديــة القيمــة التي تهديهـا إلينـا يوميـا الفارسـة الخانيـة أم فراس. ولاتظنـوني مجـاملا لو قـلت بأن مثـل هذه العبـارات تخلـق (حقيقـة وبـدون مجاملــة) نســمة بـاردة منعشــة في نفس المتصفـح ضمن الزخـم اليومـي السـاخن للحيـاة.

اقـول الفارسـة الخانيـة دون تحســب لأي اعتـراض أزاء ما أقـول. فقـولي ليس بمـدح أولا، ولايمت إلى المجاملــة بصلــة من جهـة أخـرى. فالأخت ريمـة انتقت لهـذا المنتــدى الأغــر مســمى (الفرسـان) لأن مفهـوم هـذه الكلمــة يشـكل حجمـا واضـح الأبعــاد في نفســها. وقــد كانت (بدون شـك) تعنـي ماتقـول لأن كلمــة الفروســية هي مصطلـح ذو مفهـوم واســع يمتــد إلى أبعـد من أفـق معناهــا اللغــوي. وبمــا أنني أخـاطب نخبـة من أهـل الأدب والعلـم والثقافـة فلا أظننـتي محتاجـا للخوض في أبعـاد هذا المصطلـح الواسـع .. اللهـم إلا إشـارة صغيـرة تذكـر بأن الفروسـية هي فروسـية القلـم وفروسـية الضميـر وفروسـية الإخـلاص جنبـا إلى جنب مع فروســية الميــدان.

حيــاك اللــه ريمـة الخيــر، فلطـالما قـرات مجـرد العنـوان الصبـاحي لنشـرة الفرسـان اليوميـة، وكان العنـوان (دون المضامين) كفيـلا ببعث لحظـات من السـكينة والهـدوء (ولو لثـوان) ضمــن أجـواء العمــل التي جعلت من الحيـاة مــادة تخضـع لقوانين الفيـزياء والكيميـاء والحاسـوب بكل الأبعـاد. تخضـع لهـا وهي تنحـي، وبدون خجـل، أسس الحيـاة المتمثلـة في الإخـلاص والود والسـكينة والرضى للــه وعن اللــه كما أراد اللــه. وياليت القوانيـن الماديـة التي تتحكـم بحياتنــا هي قوانيـن الطبيعـة التي خلقهـا اللــه. هيهــات .. فذلك أصبـح حلمــا رغـم أن القوانين هي قوانين الله إلا أن الله لم يجعلهـا من أجـل التعامـل مع واقـع النفوس. بكـلام أدق .. إن الفيـزياء والكيميـاء والميكانيك والجاذبيـة وغيرهــا .. هي مخلوقـات ذات نواميس خلقهـا اللـه وأوجـدها لتنظـم جوانب محــددة من حياتنــا مما علمنــا أو مما مازال في علـم اللـه. أما النفوس وسـكينتها وطمأنينتهـا وارتياحهـا فلهـا قوانيـن أخـرى مختصـة بهـا لاتخفـى لاهي ولامصــادرها على كل ذي عقــل.

وتتعاظـم المصيبــة أكبـر بشــكل لاتقبلـه النفوس النقيـة المطمئنـة حينمــا تلمس على الواقــع بأن القوانين التي تتحكـم بحياتنـــا أصبحت ماديــة ولكــن بخــلاف تلك التي خلقهـا اللــه لتنظـم الكــون ... بل أصبحت ماديــة من صنـع البشــر بشــكل يلغـي ليس العـادات فحســب، بل الفطـرة إلى حـد كبيـر !! وإذا ماحـاولت نفس أن تركـن إلى اللــه أو تعيش لحظـات من الهـدوء والاطمئنـان فلربمــا توجب عليهـا القـراءة في كتب أخلاقيـات الحسـن البصـري أو ســلوكيات أي من الصحابـة أو التابعيــن .. هذا في أبسط الأحـوال.

إن فيزيـاء وكيميـاء الحيـاة - في هذه الأيـام ومع الأســف- أصبحت تسـتمد قوانينهـا وميكنتهـا وتفاعـلاتها من أمزجـة متنفـذي المـال في الدول العظمـى، وأخبـار الحـروب، وقصص النزاعـات، وتناقضـات الفضائيـات ونوازعهـا، ومخـادعـات وتصريحـات أمين عام حلف النــاتو أو الاتحـاد الأوروبي .. بالإضـافة إلى قــاعات البورصـات وأخبـار وول سـتريت ناهينـا عن خبـر عاجــل يسـطع ضمن شـريط أحمر في أسـفل الشـاشـة أو رنيـن هاتف محمـول يفيــد بخبـر عاجــل من جـوال الأخبـار العاجلــة.


ســبحان اللــه .. وكأن الإنســان قـد اصبـح جمــادا. أو ربمــا صــار مكونـا من مكونـات الحاسـوب كما هـو حال وحـدة المعالجـة أو الطابعـة أو الشاشـة. لابل صدقـوني .. ليس (وكأنمــا) بل بالفعـل. وياليت وســائلنا المتطـورة التي نفتخـر باقتنائهـا (رغم أنهـا صممت وصنعت وعلبت وأرسلت من قبل الغيــر) أمهلتنــا حتى انتهينـا من دعـاء الصــباح أو دعـاء الخـروج من المنــزل. فلعــل الملائكـة تنتظـر أن تقـول لأحدنــا: هديت وكفيت ووقيت وعوفيت لحين انتهـائنا من البسـملة والتوكـل والحوقلــة، وهي تطيـل الانتظــار ونحـن غير قـادرين حتى على اسـتعادة تذكـر مابدأنـا بــه من الدعــاء (رغم كلماته البسيطة اللطيفة المعدودة). وكل ذلك بسبب مكالمة واردة أو اختنـاق مروري أو مســـتهتر يقـود ســيارته بأسـلوب يعكس النقص الذي احتوتـه نفســه لينبئنـا، بقصـد أو بغيـر قصـد، بأن حياتنــا بالنسـبة له لاتسـاوي شــيئا .. فسرعته واسـلوب قيادتـه وعـدم إحسـاسـه بوجـودنا يصرخـان بمنتهى الاســتهتار: أنـا كل شــيء وأنت لاشــيء !! لقــد حـق لك ايهـا العزيــز .. ولايســعنا إلا أن نقول لك ســلاما .. فأنت الأعقـل ونحن دونك، ولاعتب عليك لأن مواضـع تربيتنــا تختلف عن مواضـع تربيتــك، ومواطـن مهـاراتك ليس بوسـعنا أن نرتـادها لأن قيــادتك الرصينـة تعكس لنـا أن شــركة (جنرال موتورز) قـد قـررت استمرار وجودهـا وألغت قرار إفلاســها بعـد أن حصلت على استشـارتك الســديدة كونك المعـلم الأول في عـالم الســيارات على مستوى العالم وليس في قيادتهـا فحســب !! أما أن يكـون الســبب الذي أنتـج منك هـذه التصرفـات البهلوانيـة الذكيـة (كما يحـلو لك أنت تســميتها) فهـو ليس ناتجـا عن نقص أبـدا، ولاعن حـالة دمـار في داخـل بيتك، او حـالة فشــل عاطفـي تخص مراهـق .. بل كانت جميـع الأسـباب التي حـذت بك إلى هذا الاســتهتار ناتجـة عن جهـل الناس جميعـا ورغبتـك المخلصـة (أنت وحـدك) في تعليمهـم درسـا مبدئيـا يتنـاول الشـجاعة والإقـدام مما لم تسـعف الفرصـة أيا منهـم لتعلمه أو الاقتـداء به، ومـازال في جعبتـك الكثيـر من النفـع لهـم !!


يطـول الحديث أم فراس .. ويطـول. ولايــزال زخـم الحيــاة وتقاصـر الزمـان والمكــان يلاحقاننــا، ولانــرى نهايـة لهـذا المطــاف الطويــل من الضغـوط إلا في الركـون إلى كلمـة طيبـة أو عبـارات هادئـة تبعث على اســتعادة السـكينة رغم صعوبـة الاسـتعادة، وتومىء بالهــدوء عنــد مكـان اختلط فيــه هديـر المحركـات مع أصوات المركبــات ونغمـات الجـوال وخـوار منبهـات الســيارات ضمن جـو لم يعـد لأحـد فيـه صبـر على الانتظـار ولو للحظـة .. فالجميـع جـاد وفعــال ومسـتعجل لأموره، علمـا بأنه لو أتيح للوقت أن يصـرخ لعــلا صوتــه مســتغيثا من جهــة، وفاتكــا بالبعض من جهـة أخـرى، ثـأرا وحميــة لذاتـه، لأنه لم يمتهـن في زمـن على الكيفيــة التي ازدراه بهــا الكثيـرون في هـذه الأيـام. ورغم ذلك مازلنـا نرى الكثيـر من الناس يصـرون على حرصهـم على الوقت في الوقت الذي ضيعـوا فيـه كل معنـى للوقت !!

نسـال الله أن يكتب الخيـر لنـا ولأبنائنـا ولأوطـاننا رغم أن القـرون تكاثـرت وتتالت، ونرجــوه ضارعيـن أن يكـون قرننــا من القـرون التاليــة التي شــملها جـزء (ولو يسير) من الخيـر الذي تميز بـه قرن المصطفى المختــار.

أشـكر الله تبـارك وتعـالى أن جعـل منك ســفيرة فاضلــة لأسـرتنا تعـي الحيـاة كما يريد الله ورســوله في زمـن الغربـة ... غربـة المؤمنيـن. كما أسـاله أن يوفـق هذه الكوكبـة من المخلصيـن الذين يرتـادون هذا المنتـدى الطيب ليعطـروا أجـواء الحيـاة المتخمـة بالمتاعب بعطـر كلماتهـم وجميـل عباراتهـم التي غالبـا ماتعكس إخـلاص النفوس التي تقف من ورائهـا.

إذن وبالنيابـة عن أم فراس: مســاؤكم مشــرق وليلكــم مضيء بأنــوار الحـق التي تعكســها مشــاعركم من خلال أطيب التعابيـر وأجمـل الأمـاني مما نقـرأ ونحس.

هشـام الخـاني