الفصل الرابع عشر:

ثورة المايجي التي لم تكتمل في التاريخ العقلاني

تقديم: تاكيدا كيوكو/ الجامعة المسيحية العالمية/طوكيو


تقديم: من المهم ملاحظة هذا البحث ومواضعته مع ما يجري في المنطقة العربية حيث بدأت انتفاضات شعبية واسعة في مختلف البلدان العربية، احتار المواطن في تصنيفها أو التنبؤ بنتائجها. وهي بالتأكيد ستؤسس لمرحلة من إنشاء دول حديثة قد تحتاج الى إنجازها لمدة بين ثلاثين وخمسين عاماً للوصول الى الاستقرار واللحاق بركب الدول المتقدمة.

(1)


وجّهت عملية إحياء (المايجي) نحو أهداف عريضة: تفكيك نظام حُكم (باكوهان) الإقطاعي والإتيان بنظام برلماني (ديمقراطية ليبرالية دستورية)، تعميق الوحدة بين اليابانيين على أساس إجماع شعبي وإقامة دولة قومية موّحدة حديثة، ورفع سياسة الانعزال القومي الحازمة وتنمية الاتصال مع العالم الخارجي، وتحويل التقليدية المنغلقة الى مجتمع منفتح من المواطنين المتساوين حيث تبطل سيادة المراتب الاجتماعية المكتسبة. إنها أهداف وضعت اليابان على طريق التحديث وتؤدي الى إقامة دولة حديثة.

وبالرغم من الإنجازات الهائلة التي وصلت باليابان الى ما هي عليه، فإن كثيراً من المفكرين اليابانيين لم يتوقفوا عن طرح سؤال: هل اكتملت ثورة اليابان؟

في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، نشر الصحافي والمؤرخ (سانسا) عملين كان لهما أصداء في كل أنحاء اليابان وهما: (تاريخ جديد لليابان) و (تاريخ ألفين وخمسمائة سنة) في ثلاثة مجلدات. فيقول: (لم تكن ثورة مثالية حيث ينهض الشعب ضد طغيان المستبدين باسم مبادئ الحرية واحترام حقوق الإنسان، وإنما ثورة غير ناضجة، وقعت في زمن اضطرابات عندما كان المجتمع نفسه في حالة انهيار، وتحركت في مسار متذبذب يكتنفه الغموض الى أن برزت صدفةً قضايا دبلوماسية ذات أبعاد خطيرة مع وصول ((السفن السوداء)).

[الإشارة الى السفن السوداء: هي تحركات الغرب لاحتلال اليابان، على ضوء ما جرى للجارة الصين، مما استدعى من اليابانيين تكييف اضطراباتهم التي سبقت ثورة إعادة (المايجي) بأربعين سنة تقريباً، والتفافهم حول الإمبراطور، كرمز مع تحديد صلاحياته وتقييدها وِفق أسس ثورية]


ويقول حول مسألة إبقاء الإمبراطور: (إن الموالاة للإمبراطور لم تكن عاملاً مؤدياً الى الحدث التاريخي (الثورة)، ولم يكن العرش الإمبراطوري إلا وسيلة أصبحت الحاجة إليها ماسة وأُدخلت الى مسرح الأحداث في وقت لم يعد من الممكن فيه احتواء نقمة الشعب المكبوتة فأوجدت متنفساً لهذه النقمة).

لقد لخص (سانسا) نظريته في أن عملية إعادة (المايجي: الثورة) تتمثل في مبدأين: (الكل في الإمبراطورية تحت حكم واحد) و (الكل في الإمبراطورية تحت حكم الكل).

(2)

وفي تلك الفترة أي بعد الانتهاء من الثورة، أعلن (فوكوزاوا يوكيتيشي) والذي يطلق عليه اليابانيون (رائد الفكر التنويري) في كتابه (موجز نظرية الحضارة)، ((أن العودة الى النظام الإمبراطوري لا يمكن أن تكون مسألة ضغط يمارسها البيت الملكي، فقد يبدو ذلك وكأن البيت الملكي يعير اسمه الى القوة المستمدة من نشر المعرفة بين كل أفراد الشعب)).

ويؤكد على قيمة الإمبراطور بأنها سوف تكون دون شك هائلة إذ سيعمل على مصالحة المجموعات السياسية المتعارضة ووضع حد لنزاعاتها.

وفي عام 1906 كتب (كيتا إيكِّي) في كتابه (الدولة القومية والاشتراكية الكاملة) ((لقد نجحت ثورة الإعادة جزئياً فقط، بطريقة تدميرية ضد الأرستقراطية. أما من جانب البناء فلم تحقق سوى انفجار غير مخطط له. إن الذين كان لهم الإسهام الأكبر في العملية التدميرية في ثورة الإعادة هم زعماء الزمرة الإقطاعية، أما في الجانب البنّاء والمهمة الأكثر إلحاحاً، فقد تبين أن هؤلاء الرجال أنفسهم هم المحركون الرئيسيون لعملية الاضطهاد التي سحقت أتباع الديمقراطية))*1

(3)

ينتقل الباحث الى نقطة ثانية في بحثه، تتعلق بعملية إعادة تشكيل الشخصية اليابانية أي (خلق إنسان ياباني جديد)، فيشير الى جهود المفكرين والمربين الهائلة في تهيئة الشعب الياباني وتثقيفه ليكون قادرا على النهوض بقوة للقيام بثورة صناعية محاذية لثورته السياسية.

وأشار الباحث الى أن المفكرين رفضوا اعتبار التحديث يقف عند حدود الثورة الصناعية، وهم آمنوا بأن بناء مجتمع حديث على أنقاض مجتمع آسيوي تقليدي منغلق يتطلب فوق كل شيء عملية تدريب لأناس يعتبرون أن المهمة الماثلة أمامهم ثورة ثقافية واسعة، في القيم عبر احتوائها العلاقات الاجتماعية كذلك.

وقد أشار أحد المفكرين الى أن عماد الوطن ليس بالضرورة حفنة من الأبطال. فالوطن يقوم على القدرة التنظيمية والأخلاق النبيلة لشعبه، وأن الإنسان الياباني ليس من المطلوب تنشئته على فهم إنجازات الغرب العلمية والتكنولوجية فحسب، فمن المهم تنمية شعب يمارس العلوم ويقدر على الإتيان بشيء جديد في مجالات التكنولوجيا والعلوم الطبيعية والاجتماعية.

(4)

وانتقل الباحث الى نقطة ثالثة وهي اختيار النماذج التي يجب أن تُحتذى في التحديث وبمسألة تواصل، أو انقطاع، الملامح الشعبية الفطرية المتأصلة في التقاليد اليابانية.

أشار الباحث الى مشاهد تبدو غريبة، في اعتماد الكُتّاب والمفكرين لنقل النماذج الغربية والاحتذاء بها، فلم يكن نموذج (اليانكي الأمريكي) هو النموذج الذي افتتن به اليابانيون، بل نموذج (الأمريكي البيوريتاني البدائي من نيوإنجلاند). كما لم يقتد اليابانيون بالطبقة الأرستقراطية وملاكي الأراضي في إنجلترا بل اختاروا نماذج من العمال والفلاحين والعصاميين الإنجليز والأوروبيين.

لقد أخذ اليابانيون من (الكونفوشيوسية) الصينية، وتأثروا بجان جاك روسو الفرنسي، كما أخذوا من غيرهم. وفي كتاب (الرجل الياباني النموذجي) تم تكثيف كل ما هو راقٍ في العالم ليصبح نموذجاً للإنسان الياباني المنشود. وكانت العبارة الشهيرة التي تم تكثيف الحكمة فيها (من لا يعمل لا يأكل).

(5)

النقطة الأخيرة التي أشار لها الباحث: وهي تأثر شعوب آسيا المجاورة لليابان والقريبة منه، واقتباسها من تجربة اليابان، عزز مكانة اليابان في نفوس اليابانيين، ليكونوا في مستوى المثل الأعلى. فينتقي الباحث نماذج تدلل على انبهار الصين والهند وإندونيسيا وسنغافورة وغيرها من الشعوب المجاورة، والكيفية التي أشار بها المفكرون والكتاب والسياسيون والاقتصاديون للتجربة اليابانية.

ومع ذلك فإن الباحث والذي كتب بحثه في نهايات القرن العشرين، يقول: أن هناك من يقول أن ثورة المايجي لم تكتمل بعد، ومعه حق (والقول للباحث).

انتهى القسم الخامس