سوريا ،، ثوار التصحيح أم عصابات التغيير ؟؟ !!!
الثورة هي محاكمةٌ للعصر، للعهد، وللنظام ،،، للخروج بشهادةٍ عادلةٍ على العصر ...
(قبل الدخول في الموضوع أحب أن أنوه إلى حقيقة أنني لست سورياً، أنا فلسطيني، عربي، مسلم، في النهاية أنا إنسان) .
لعل من المسلمات أن غالبية الأنظمة العربية، قمعية، بوليسية التعامل مع الحدث المحلي، بل إن بعضها عميلٌ يتقاضى راتبه من وكالة المخابرات الأميركية، ولا داعي هنا لتعداد السمات التي تصبغ هذه الأنظمة، فهذا موضوعٌ آخر .
ولكن، علينا أن ننطق بكل ما نعرف إن كنا نعتبر ما نكتبه أمانةً، تقرأها الأجيال وليس الجيل الحالي فقط .
أنا لست مع أي نظام عربي، بل ضد هذه الأنظمة بكل تشكيلاتها المشوّهة، ولست بصدد الدفاع عن أي نظام منها بقدر ما أنا بصدد توضيح الأمور الإيجابية والسلبية على السواء حسبما يمليه علي ضميري وحسبما تمليه المعطيات، والحسابات الاستراتيجية والوطنية والدينية .
أعتقد ـ وهذا من البديهيات ـ أن الأمور تُحكَم بنتائجها، بمعنى أن النتيجة الطيبة هي حتمية الفعل الصائب والعكس بالعكس .
نحن جميعاً مع الثورات العربية، مع التغيير للأفضل، مع الثورة التي من شأنها تصحيح الأوضاع المتردية في العالم العربي، وتصويب المسارات السياسية والاجتماعية والثقافية في الدول العربية، شرط أن تتوافر في هذه الثورة عناصر التحضر والسلمية، والإيجابية، وتوجيه المعاول نحو البناء لا الهدم، والابتعاد عن الفوضوية والارتجال، وعدم تتبع المغرضين الذين لا يخلو ميدانٌ ثوريٌ منهم، لتوجيه الثورة إلى الوجهة الخطأ، والاقتراب من الوعي الثوري الخلاّق، والتمثل بأخلاقيات الثائر الحريص على وحدة ورفعة بلده، فالوطن وطنه هو، وحضنه وملعب طفولته ومستقر أحلامه وطموحاته .
والنظام السوري قد لا يختلف عن باقي الأنظمة العربية من حيث الحكم الأبوي، والتعامل القمعي، واعتقال الحريات، إلى ما قبل (بشار)، مع العلم أن لكل عهدٍ خصوصيته السياسية والاجتماعية والمناخ الذي نشأ فيه فكراً ونهجاً تبعاً للتفاعلات السياسية والأمنية والعلمية والعصرية، الإقليمية منها والدولية .
فالقول بأن عهد الرئيس بشار الأسد، عهدٌ يشوبه الخلل الداخلي بكل أبعاده الحياتية، ربما يكون صحيحاً إلى حد ما، باعتراف الرئيس نفسه الذي أقر الكثير من الإصلاحات السياسية والأمنية والاجتماعية، فالإصلاح لا يكون إلا إذا كان هناك ما يوجبه، وهذا اعترافٌ ضمني من الرئيس بأن هناك خللاً ينبغي علاجه، ولكن القول بأن بشار الأسد يلعب على خيوط المقاومة ويخدع شعبه بشعارات وطنيةٍ زائفة، ويمتلك قدرةً على اعتماد الثورةٍ الخطابية، ومقدرةً على التضليل، هو قولٌ مجافٍ لواقع الحال، أريدَ منه صب الزيت على النار، وتأجيج الشارع السوري، الذي يعاني أوضاعاً اقتصاديةً واجتماعيةً وأمنيةً صعبة، هي انعكاسٌ لمخلفات الوضع العربي الذي كان مخلخلاً بفعل الحروب مع العدو الصهيوني، وما تلا ذلك من حقبة عدم استقرارٍ سياسيٍ أمنيٍ داخلي، تمثل في الانقلابات والثورات العربية المختلفة، كثورة الضباط الأحرار في مصر، والحركة التصحيحية في سوريا، ما دعا الأنظمة العربية التي تعرضت لتلك الهزات إلى فرض الأحكام العرفية وقوانين الطواريء، ولعل سوريا كانت أكثر الدول تعرضاً لمثل هكذا هزاتٍ أمنيةٍ وسياسيةٍ .
فقد تولى بشار الحكم في ظل تَرِكةٍ ثقيلةٍ معقدة، أمنياً وسياسياً، إضافةً إلى وجود الحرس القديم الذي يراوح مكانه على كافة الصعد من حيث التعاطي مع المستجدات الدولية والإقليمية، فكان على الدكتور بشار السير بخطواتٍ بطيئةٍ، حذرةٍ، محسوبةٍ مبرمجةٍ وممنهجة، باتجاه الإصلاح السياسي الذي بدأه، ورغم ذلك فقد أنجز الكثير منه بشهادة السوريين الذين لا ينتمون لحزب البعث أو للحزب القومي الاجتماعي، ولا لغيره، بل أولئك السوريين العاديين وإن كانوا يمثلون شريحةً مثقفةً واعية، والكثير منهم تربطني به شخصياً علاقات صداقةٍ وأخوّة، ولنا أن نحاكم العهد (البشاري)ـ إن جازت التسمية ـ بالنتائج التي هي الحُكم على الفعل كما أسلفنا .
ـ فحركة البناء الوطني والتي تتمثل بالبنى الاقتصادية المستقلة وشبه المستقلة من صناعات وامتيازات، هي نتيجة إرادةٍ صلبةٍ للاعتماد على الذات، والتحول إلى الإنتاج بدل البقاء رهينة الاستهلاك، وهذا من المسلّمات، أليس كذلك ؟
ـ وإنشاء المفاعلات النووية لكافة الأغراض بما فيها العسكرية باعتراف العدو قبل الصديق، ذاك العدو الذي قام بمهاجمة وقصف أحد هذه المفاعلات، فهذا نتيجةٌ حتميةٌ لنهجٍ وطنيٍ قوميٍ واعٍ ، وهذا من المسلّمات، أليس كذلك ؟
ـ وعدم وجود ديون سورية خارجية تُذكَر، والمحافظة على البلد من الانحدار في هوة القروض الدولية ورهن قرار الدولة السياسي للبنك الدولي، وبالتالي للغرب، هو نتيجةٌ طبيعيةٌ للعمل على تماسك البلد، واستقلالية قراره السياسي، وهذا من المسلّمات، أليس كذلك ؟
ـ وبالتالي، فالوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه المواطن السوري، والوضع الأمني الحساس، هما نتيجةٌ طبيعيةٌ لتراكمات الخلخلة الاقتصادية الناتجة عن الإرهاق السياسي في معادلة الصراع العربي الصهيوني الطويل، والذي قاد سوريا إلى سباق التسلح، وإنجاز التوازن العسكري والاستراتيجي مع العدو، ذلك السباق الذي استنزف وما زال يستنزف جزءاً كبيراً من الثروات والدخول السورية، وهما أيضاً نتيجةٌ طبيعيةٌ للإنفاق التصنيعي، وتحديث الأدوات النهضوية، الذي تفرضه النهضة الاقتصادية ومرحلة الإصلاح الجارية، والتي ستأتي بالنتائج الإيجابية العظيمة على المدى البعيد، أليس كذلك ؟؟
يحلو للبعض اتهام سوريا بالتخاذل عن تحرير هضبة الجولان المحتلة، بل والبعض ذهب إلى أبعد من ذلك، متهماً النظام السوري بالاتفاق مع العدو الصهيوني (من تحت الطاولة)، على عدم تحرير الجولان، لإثارة الفتنة والبلبلة بين أبناء الوطن الواحد، وتثوير المواطنين البسطاء وقيادتهم لفرض واقعٍ فوضوي عنيف، في محاولاتٍ تخريبية مشبوهةٍ لا علاقة لها بالثورات الصادقة، كما حدث في درعا واللاذقية، حيث تم القبض على عصاباتٍ تعمل على ذلك .
فسوريا أثبتت أكثر من مرة أنها حليفة النهج الثوري المقاوم وعلى مدى السنين الخوالي، من أجل تحرير كافة الأراضي العربية المحتلة، أو على الأقل تحرير الجولان السوري، والدليل على ذلك هو (6/تشرين الأول 1973م)، فالسؤال المنطقي ،،، هل أتيح المناخ الإقليمي والعربي والدولي، لسوريا كي تحرر الجولان ولم تفعل ؟ بالعكس فحين أتيحت الفرصة في حرب تشرين سنة 1973، وكان هناك من يعاضد سوريا في الحرب كمصر التي خاضتها معها عسكرياً (مع أن مصر السادات تبين فيما بعد أن حربها لم تكن تحريرية بل تحريكية، باتجاه كامب ديفيد)، وحين دخول النفط العربي إلى ساحة المعركة، وتكاتف العرب شعوباً وحكومات في ذلك الوقت، تم تحرير سيناء، ومدينة القنيطرة السورية، وكان من الممكن تحرير الجولان كاملاً، إذا علمنا أن القوات السورية وصلت إلى مشارف طبريا، لولا قرار وقف إطلاق النار المفاجيء من قِبَل مصر، واتصال الرئيس المصري أنور السادات بنظيره السوري حافظ الأسد، مفاجئاً إياه بقرار وقف الحرب، هذا القرار المتمخض عن الـ(حركة المشبوهة لما سمي ثغرة الدفرسوار التي نفذ منها الجيش الإسرائيلي بقيادة شارون، ومحاصرة الجيش المصري بعد أن كان هو المسيطر على مجريات الأمور) وما تلا ذلك من تحركات دبلوماسية وعسكرية أميركية وغربية للالتفاف على النصر العربي في تلك الحرب، والضغط على الجانب العربي، من أجل الإنسحاب من المناطق التي تم تحريرها، واستقدام قوات الفصل الدولية .
من هنا كان على النظام السوري اتباع نهجٍ جديدٍ في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، يتمثل في الاعتماد ـ قدر الإمكان ـ على الذات السورية ومن يلتف حولها من حركات المقاومة والتحرر في العالم العربي .
فكان القرار الضمني فيما يتعلق بالمقاومة هو المقاومة غير المباشرة، والمتمثلة برعاية حركات التحرر العربية ودعمها، كما حصل مع حزب الله الذي استطاع بفعل هذا الدعم السياسي والمعنوي، وغض الطرف السوري عن الدعم المادي الإيراني تسليحاً وتمويلاً، استطاع تحرير الجنوب اللبناني وطرد إسرائيل منه نهائياً، إضافةً إلى احتضان سوريا لقوى اليسار الفلسطيني ذي الرؤية الكفاحية، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي اللتين تنتهجان خط المقاومة (وإن كان هناك أكثر من علامة استفهام حول نهج حماس) .
قد يقول قائلٌ : إذا كان حزب الله وهو القوة الصغيرة جداً بالمقارنة مع سوريا من حيث الإمكانات العسكرية، والحجم الديمغرافي، قد استطاع تحرير الجنوب، فما بال سوريا لا تستطيع تحرير الجولان ؟؟؟
الجواب هو : أن سوريا تحتاج في حربٍ كهذه غطاءً عربياً وإسلامياً سياسياً وعسكرياً، إذا أخذنا بعين الاعتبار الميزان العسكري لسوريا العارية وحدها في ساح الصراع، وإسرائيل المدعومة بالولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم، وبالغرب الاستعماري، والمدججة بالعملاء من حولنا، ناهيك عن خصوصية المعركة وأبعادها وانعكاساتها السلبية على الأمة العربية كلها لو حصلت ؟؟؟؟ والعراق أكبر شاهدٍ على هذا، وقد كان العراق أعظم قوةً وأكثر تقدماً علمياً وعسكرياً من سوريا، بما يمتلك من ثرواتٍ نفطيةٍ وطبيعيةٍ وبشرية، أهّلته ليكون في مصاف الدول المؤثرة الفاعلة في المنطقة، ورغم كل تلك الإمكانيات رأينا ما حصل للعراق والعراقيين وللتاريخ الحضاري العراقي، وللجغرافيا العراقية، وللنسيج الاجتماعي العراقي .
فالمعركة مع حزبٍ تختلف كلياً عن المعركة بين دولتين، من حيث طبيعة المعركة، ونوع السلاح الذي سيتم استخدامه، واتساع رقعة الحرب لتصل إلى أمداءٍ لا يمكن التكهن بنتائجها، بل نكاد نجزم بسلبية النتائج في ظل سباتٍ عربيٍ وتراجعٍ في القيم الإرادية لدى الأنظمة العربية، وركودٍ في العزيمة العربية، واسترخاءٍ في الطاقات العربية والإسلامية .
أم أن المطلوب انتحارٌ سوريٌ على أعتاب الرغبات المشبوهة كي يرضى الناس عن الرئيس بشار الأسد ؟؟ وصدقاً أنا لا أدافع عن النظام السوري، بل إن لديّ من الملاحظات عليه الكثير، ولكن كما قلنا، هذا الكلام للحق والتاريخ، ويعالج موضوعاً بعينه، أما في مواضيع أخرى لا مجال لخلطها بهذا الآن، فانا ضد النظام السوري من الألف إلى الياء .
ثم نقول لهؤلاء الأبواق المتقوقعة في العواصم الغربية والمتسلحة بشعارات التحرير، الذين (يدحشون) شعار تحرير الجولان كمبررٍ للثورة : لو افترضنا أن الشعب السوري أطاح بالرئيس بشار الأسد ـ لا قدر الله ـ وتسلم زمام الأمور في سوريا، فهل هو قادرٌ في ظل ما ذكرنا على تحرير الجولان ؟ بل هل تستطيع شخصيات (المعارضة) المسترخية على الفُرُش الوثيرة في أوروبا وأميركا، والمتلهية بعلك الشعارات الوطنية، وإصدار الأوامر للشعوب، هل تستطيع هذه الأشياء المدعوة زوراً (معارضة) تحرير الجولان ؟
وهل تملك هذه المعارضة التي تطلق سهامها المسمومة من باريس ولندن وواشنطن حتى النية لتحرير الجولان ؟؟ ثم ماذا تفعلون في هذه العواصم الاستعمارية ولماذا ترضى عنكم حكوماتها ؟؟ هل وصل الاستخفاف بعقول الناس لدرجة أن ننسى المعارضة العراقية التي كانت قابعةً في واشنطن ولندن وباريس و(شرّفت) على الدبابة الأميركية ؟؟
وهل يحرك الثائر ثورته دون أن يعلو الغبار كفيه ؟؟
وهل يثور الثائر وهو يجلس في أضواء باريس على أريكةً ثمنها يكفي عشرة أسرٍ لمدة شهرٍ كامل ؟ ويملأ الدنيا صراخاً بل نباحاً : ثوروا يا أشراف سوريا، ثوروا يا أحرار سوريا، مع العلم أنه على خصامٍ دائمٍ وأبديٍ مع الشرف ؟
وهل يثور الثائر وهو يروج الأكاذيب على صفحات الفيسبوك وتويتر، كالدجال العاهر المدعو (عامر العظم) ؟؟
اتقوا الله يا أهل سوريا في وطنكم، وفي رئيسكم، بل في أنفسكم، فلا تظنوا أن الثورة المزورة المشبوهة ستقودكم إلى خير، بل إلى التقسيم والتجزئة، والضياع .
وشتان شتان بين من يحضر على أكتاف الجماهير، وبين من يحضر على الدبابة الأميركية !!!