القصة الشاعرة .... نحو نظرية عربية





جاء التقديم للقصة الشاعرة مرتبطاً بثورة 25 يناير 2011 ،ارتباط المقدمات الكبيرة بنتائج كبيرة ،
فهو على قدر أهل العزم .

وما كان يمكن رفع الصوت بنظرية أدبية عربية خالصة فى النقد الأدبى ، قبل الحديث عن ثورة الميلاد فى القصة الشاعرة ، وحينما قدمت أطروحات بنظرية عربية فى النقد من سنة 1990 و حتى 2002 ، كان الاستهزاء رد الفعل الواضح على جميع أطروحاتى ، فى كل المنتديات و المؤتمرات و المهرجانات الأدبية العربية على مستوى الوطن العربى الكبير ، و فى معظم العواصم العربية ، و قد تجلت الأسباب لى واضحة فى ثقافة الأنظمة ، حيث إن هذه الأنظمة لا تسمح بالطرح الجديد ، لأنهم يعتبرون الطرح الجديد خروجاً من التبعية ، و إعلاناً عن عدم القابلية للخضوع إلى ثبات النظام السياسى الذى يرى أن ثبات الفكر الأدبى ، رمز واضح لثبات هذا الفكر السياسى ، باعتبار أن الأدب أريكة سياسية ووسائد حاكمية ، لاتقبل التغيير إلا بمرسوم رئاسى ، أو تأشيرة أميرية ، و لم يكن الاستهزاء كرد فعل من أدباء يؤثرون فى ساحة الفكر الأدبى أو التنظير لأدبنا العربى ، لكن الوجوه المتآمرة فى كل المؤتمرات ، و الألسنة المتسلقة فى كل المهرجانات ، و كنت أسميها ألسنة البطون ، أو بطون اللصوص ، و غيرها من المسميات التى لا تحصى فى بحث أو دراسة و هى لا زالت موجودة ، و لكن تغيرت اللهجة ، و لم تتغير القلوب ، و هدأ الصوت ، و لم تهدأ الحرب على كل تجديد .
و قد تقدم بأطروحات مماثلة - و إن كانت بعد أطروحاتى - بعض ممن عنوا بالتطوير فى ساحة النقد الأدبى ، أمثال الراحل عبد العزيز حمودة فى المرايا المقعرة ، و المرايا المحدبة ، بيد أن القارئ لأطروحات الدكتور حمودة _ رحمه الله _ يجدها تأخذ من النقد الأدبى العربى لتصب فى النقد الأجنبى ، على الرغم أنه قد حدد أهدافه ، فى التأصيل لنظرية أدبية عربية ، فبدلاً من التأصيل للأدب العربى ، جاء تأصيله للأدب الإنجليزى و الفرنسى ، و قام بطرح المذاهب الأجنبية مقارنة بالمذاهب الأدبية العربية خاصة عند عبد القاهر الجرجانى ، و ابن قتيبة ، و ابن سلام الجمحى ، فكان رفض الأطروحة أوْلى من الاستجابة لها ، حيث إنه نفسه قدم مبررات الرفض لمحاجّه ، فألزم نفسه الحجة و قدم لغيره البرهان على فساد النظرية ....

و قد حاول كثيرون فى الوطن العربى تقديم أطروحات لنظرية أدبية نقدية ، فقدم محمد برادة فى سوريا أطروحات ، كلها كانت تستقى فكرها من ميخائيل باختين و جاكبسون و تشيلو فسكى ، وكان تعلقها باليونانية و الإنجليزية ، أكثر من تعلقها بلغتنا العربية ، و كذا حاول نقاد المغرب أمثال سعيد يقطين فى تقديمه لخطاب
الرواية ، و محمد مفتاح فى كتابه "انفتاح النص" ، و عبد الملك مرتاض من الجزائر فى تقنية للرواية ، بيد أن تأثرهم بالأدب الفرنسى ، جعل دراساتهم تميل إلى تطبيق الفكر الفرنسى على منظومة الأدب العربى ، فكان الثوب النقدى غير مناسب بالمرة للنص الأدبى العربى . على الرغم من اختيارهم لنصوص أدبية عربية تأثر كتابها بالأدب الغربى ... أكثر من تأثرهم .... بالأدب العربى ....


***


* آن الأوان لأن أعلن مرةً أخرى أن الأدب العربي المنشور في الأربعة عقود الماضية ، عبر الطباعة و الإعلان و الإعلام ، لم يكن هو أدب الشعب العربي ، بل كان أدب الأنظمة العربية ، و كذا في جميع دروب المعرفة فليس أدباء العرب هم من يظهرون على شاشات الفضائيات الثقافية، و ليس علماء الدين الإسلامي هم من يتحدثون على الفضائيات الدينية ، رغم أنه أثناء ثورة 25 يناير 2011 ، قد تسابقوا ليحتلوا أماكن أخرى بصفات جديدة ، و ليبدأوا في تضليل جديد
* آن الأوان لأعلن مرةً أخرى أن وجوه النقد النظامي السابقين ليسوا المعبرين الحقيقيين عن النقد الأدبي العربي ، و إن لم تُنشر إلاّ كتاباتهم ، و لم يذع إلاّ كلامهم ، و لا تتحدث في المؤتمرات إلاّ ألسنتهم ..
إنّ معين الأدب العربي الحقيقي ، و المصري على وجْه التحديد يبدأ من القاعدة ، و ينتشر فيها ، و يصل صوتهم إلى البناء الفوقي للمجتمع ، إلاّ أنهم كانوا ، ولازالوا لهم آذان لايسمعون بها ، و لهم قلوب لا يعقلون بها .
وحينما أشرت إلى النظريات النقدية التي انتشرتْ في أوروبا في القرن الماضي ، أشرتُ إلى تبني هذه النظريات للفكر العربي ، و تطبيق بفهم و وعْي على أدبهم الأوروبي ، حيث إن أنظمتهم تسمح بذلك ، ثم تولت طوائف تابعة لهم نقل هه النظريات ، و التسويق لها على أنها نظريات أوروبية خالصة ، و ذلك في مقابل الوجاهة أو المال ، فأفسد الناقلون ذوق المبتدئين في الصناعة الأدبية ، و أثروا سلباً على انطلاق الأدب العربي إلى آفاقه الطبيعية ، و هي آفاق الريادة و القيادة ..
و كانت النتائج الطبيعية هي الاتشار السريع للغات الأجنبية في مصر و الوطن العربي (الانجليزية ، الفرنسية ، الألمانية ، الإيطالية ، اليابانية) ، و تأخر قراءة الأدب العربي الحديث و القديم ، مِماَ جعل النموذج الأجنبي في اللغة و الأدب و الثقافة هو الأهم لدى المتعلمين ، فلم تعد هناك ثقافة وطنية ، بل ثقافة قتل الهوية ، و زراعة هوية جديدة ، هي هوية التبعية المطلقة للغرب في التظير للأدب و الثقافة كما هو الحال في التنظير للعلوم الطبيعية ، و الكيميائية و لذا فقد قدموا بعض العلماء و العرب في دول أوروبا و أمريكا و اليابان ليصبحوا مثالاً يُحتذى للشاب العربي ، و كذا الدعوات لوجهاء الوعظ في الدين الإسلامي ، ناهيك عن دور الشبكة العنكبوتية التي تطلق مواقعها على كل شاردٍ و وارد ، في استكمال منظومة السيطرة على الجسد و الفكر و المشاعر ، فأصبحت كل القنوات تتصل بالنهر الغربي ، و البوابة على النهر ترسل الماء الذي يحافظ على تبعية هذه الدول للنظام الغربي ، و تحلّل ثبات النظام الثقافي العربي في هذه القناة ، لتصبح الثقافة العربية عنواناً بلا مضمون ، أو صيحة في الصحراء ، لا صوت و لا صَدى ، و لا مجيب ، و لا مُستمع أو سامع .
القضية عمق التفعيل للقابلية بأن يستمر الإنسان العربي تابعاً للنظام الغربي


*****


آن الأوان لتندفع عصارة الثقافة العربية في بساتين الأدب العربي ليتضح لمعانه ، و قدرته على الفصل فى المعركة الحاسمة ، حيث تتجلى التوازنات فى هذه الثقافة ، لإنتاج شخصية فكرية تضع التكنولوجيا و الأخلاق فى اندماج مؤتلف ، هذا الاندماج يظلل المجتمع العربى و العالمى ..


*****

إن الإشارة لمنابع التدفق الأدبى و الفكرى الحقيقى ، بوصفها متفجرة من القاعدة الشعبية ، لا من الأوراق الجافة فى الأنظمة العربية ، يعنى أننا سنذكر أسماء حقيقية ، تستحدث أدباً عربياً خالصاً ، ترتبط بالمجتمع و الواقع ، لا يتأثر بما هو خارجى ،بل إنه معد للتأثير فى الأدب الخارجى ، و لذا فحينما ذكرت الشاعر/ محمد الشحات محمد ، بوصفه مخترعاً لهذا النوع الأدبى " القصة الشاعرة " .. سوف أذكر أسماء متعددة من أنحاء الوطن العربى الكبير ، فمحمد الشحات محمد من مصر ، و كذا د. خالد البوهى ، و الشاعر أحمد السرساوى ، و د. بيومى الشيمى ،أماَّ من الجزائر الشاعرة صليحة دحمان ، و الشاعر إلياس بن سالم ، و من سوريا المبدعة أمان السيد ، و الشاعرة ريمة الخانى ، و من فلسطين و الأردن المبدعة ربيحة عبد الوهاب الرفاعى ، و من السعودية الشاعر صالح طه ، و من اليمن المبدعة جميلة الرجوى ، و إذا كان هؤلاء هم السابقون السباقون ، فلا زالت هناك تجارب تبدو على استحياء كالشاعرة المصرية نورا جويدة ، و الشاعرة السعودية وداد الشمرى ،
و الشاعرة اللبنانية فاطمة شرف الدين ، والإماراتية المبدعة المجددة خولة الراشد ، و شعراء العراق فى المهجر كسعد الجاسم و بلقيس الجنابى و الشاعرة اليمنية السعودية الرائدة يمنى سالم دحروج ، والشاعرة السعودية التى تسير بخطى ثابتة نادية اسماعيل و غيرهم كثيرون فى أنحاء الوطن العربى ..
و سوف تتناول الدراسة نصوصاً لمعظم هؤلاء الشعراء ، لتقديم النموذج المنتج كنص لهذا النوع الأدبى المستحدث ، و عرضه على مسبار النظرية النقدية الخاصة به التى تناسب هذا الفن .

يبدو أن المعين النقى لهذه التجربة الأدبية الرائدة ،لا زالت الأحجار السوداء تشكل سدوداً و حدوداً و حواجز بين النص المخترع المنتج ، و بين المتلقى المريد لسلعته الحقيقية ، والناقد المفند للرؤية والمساعد على العرض والضبط ... ، و من العجيب أن الثورة الأدبية تنتج هذه النصوص ، و لازالت ثقافة النظام تحرق كل ورقة جديدة و كأن الأمر قد دبر تدبيراً محكماً بليْل مظلم ،و لكن رغم إحكام هذه المؤامرة ، و اشتراك بنى الجلدة فيها ، و بسط الموائد الطازجة الجديدة ، إلا أن الذين جلسوا على الموائد القديمة ، هم أو معظمهم من يجلس على الموائد الجديدة ...
و سوف يندفع النهر ، إلا أننا لابد أن نسجل إشارتنا ... ،
و نحذّر من أن التاريخ –ربما- يسرق مرة أخرى ، لينسب الاختراع إلى غير "محمد الشحات محمد" ، و رفاقه الذين تبعوه.


(للحديث بقية)