ثورةٌ أميركية بخطٍ عربي ؟؟؟
في ليل العرب الدامس الثقيل ، وبينما أمراء الحرب والحكم العرب ينغمسون حتى أذقانهم بالليل الأحمر والأخضر والعري ،، وشعوبهم المكبوتة تبحث في (المسنجر) والـ(فيسبوك) عن امرأةٍ مستعدة للمجازفة بشرفها لمدة ساعةٍ أو اثنتي عشرة ساعة ، أو أنثى تزودهم ـ عن بُعد ـ بلذةٍ إلكترونيةٍ عابرةٍ ، مختزلةٍ بكاميرا الويب وبعض العبارات الهابطة التي ترشح انحرافاً وعهراً .
في هذا الليل العربي الأحمر ،،، كان هناك الشيوخ والنواب والبيت الأبيض وتل أبيب يسهرون جميعاً على وضع اللمسات الأخيرة على خارطة (الشرق الأوسط الجديد) ، الذي تتفتح براعمه (البراقة) التي تأخذ بالأبصار والبصائر ، في جوٍ يهطل برذاذ (الفوضى الخلاّقة) التي ستعصف بالأمة من محيطها إلى خليجها ،، جارفةً في انحدارها أنظمة حكمٍ عفنة المبدأ ، فاسدة الخُلُق والدين ، قذرة النهج والتوجهات ،، تربعت على ظهور شعوبها المقهورة ردحاً من زمانٍ اتسم بالانحطاط والهوان ، انتهى تاريخ صلاحيتها كأجيرةٍ لدى الأمريكان ، وانكشف عريها القبيح لدى شعوبها وكافة شعوب المنطقة ، وانعدمت بينها وبين أمتها أية لغةٍ للحوار والتفاهم إلا لغة النار والحديد ، ونشرت في المحكومين بوليسية التعامل ضمن دستورٍ طينيٍ عفنٍ تشكله أصابع النظام كما تشاء .
ناهيك عن تغذية الأمة بثقافة الغش والرشوة والمحسوبية التي صار يطبقها الجميع ، من أصغر فرّاشٍ في أصغر مؤسسة، إلى أكبر وزيرٍ في وزارة، حتى أضحت المنفعة والمصالح هي أساس تسيير المعاملات وتسهيل الأمور، بينما راحت تلك الأنظمة وفي غيبوبةٍ من الشعوب النائمة في شراشف التخلف والقهر، تغسل وتبيّض الأموال وتكدسها في مصارف الغرب بأسمائها وأسماء ورثتها الأشقياء، كل ذلك مجتمعاً جعلها غير قادرةٍ على تمرير وتكريس السياسة الأميركية الصهيونية في المنطقة ، بل أصبحت عقبةً في طريق هذه السياسات ، فبات لدى أجهزة التخطيط الأمريصهيونية يقينٌ بحتمية استبدالها كأنظمةٍ فاسدةٍ لا ترضى عنها الشعوب، بأنظمةٍ جديدةٍ ربما تكون أكثر فساداً ولكن ترضى عنها الشعوب بل تنتخبها الشعوب بشكلٍ ديموقراطيٍ حضاري .
وبما أن أميركا وشركائها في المنطقة تمتلك الأدوات الفعالة للتواصل مع الجميع بحيث بات من السهل جداً تهريب الأفكار وبث الإشاعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي (كالفيسبوك وتويتر) ، وبما أن الشعوب مقهورةٌ ومغلوبةٌ على أمرها الأمر الذي جعلها تتقد حقداً على أنظمتها، ولا تدري ما يُحاك في الظلام لها ولبلدانها، كان من اليسير على أزلام أميركا وإسرائيل على الفيسبوك وغيره إيقاد أول شعلات التغيير على شكل (ثورةٍ) شعبيةٍ تبدو للوهلة الأولى اختراقاً رائعاً برأي المواطن البسيط (الغلبان) ،، الذي تلقاها وتلقفها كالذي يكاد يأكل الثرى من العطش، فالتهم أفكارها الدسمة غير واعٍ لكمية السموم الموضوعة بعنايةٍ فيها، مما جعل التغيير واستبدال الأنظمة التي لا تمثل للولايات المتحدة سوى أحجارٍ على رقعة شطرنج، أمراً سهلاً ميسراً للغاية.
من هنا نجحت الثورة التونسية والمصرية ،، اللتيْن أريد من ورائهما خلق الفوضى والإتيان بنظامٍ على مقاس المخطط الأميركي ، ولكن حتى الآن، ما زالت الثورتان تتابعان تحقيق مطالبهما الوطنية المشروعة، ولا تدعان مجالاً للعب اللاعبين وعبث العابثين كي يستفردوا بثمرات الثورة . وإن استمرتا في هكذا نهجٍ عظيمٍ فسيفشل الذين خططوا لاستبدال النظام العفن بنظامٍ أكثر عفناً والفرق بينهما رضا الشعب عن النظام الجديد.
وتلتها ثوراتٌ ما زالت تشتعل في كافة البلاد العربية، تبدأ بطلب الإصلاحات السياسية والدستورية، ثم وحين ترى تنازلاً من النظام، سرعان ما ترفع سقف مطالبها ليصبح (إسقاط النظام) .
من هنا نستنتج أن القائمين على التخطيط للثورات العربية الحالية هم أنفسهم أعداء الأمة والهدف واضح والدلائل كثيرة من أهمها :
ـ أن الثورة الليبية تطالب ليل نهار بالتدخل الأجنبي وإن على استحياء، تارةً تطالب بضربات جويةٍ للإطاحة بالقذافي، وتارةً أخرى تطالب بحظر جوي على السماوات الليبية ، أي باختصار طلب العون من الأجنبي الذي نعرفه تماماً، ونعرف تحديداً ما هو الثمن الذي يجب على الليبيين وبالتالي الأمة العربية كلها دفعه للأمريكان ، والعراق الشهيد ما زال شهادةً صارخةً على ذلك ،
ـ أن جامعة الدول العربية (حفظها الله) تبنت وبشبه إجماع اتخذت قراراً بطلب التدخل الأجنبي، فهل حقيقةً تعجز كل الأمة العربية عن مساعدة (الثوار) إن صحت تسميتهم والإطاحة بالقذافي ؟ أم أن وراء السفن الأميركية التي تحمل المارينز والسلاح للثوار ما وراءها ؟؟؟
ـ تحرك هذا الجزء من الأسطول العسكري الأميركي نحو ليبيا، قبل طلب التدخل الأجنبي بأكثر من أسبوعين مما يدل على أن النية مبيتةٌ للتدخل، ومتفق على ذلك مع الجامعة العربية وقبلها مع المعارضة الليبية التي تشبه إلى حد كبيرٍ جداً المعارضة العراقية التي حضرت على الدبابة الأميركية.
ـ لم تطرح أية ثورة حتى الآن بديلاً عكسياً للنظام المُطاح به ، مما يدل على أن المطلوب فقط هو تغيير النظام والباقي على أميركا .
ـ لا ينسجم الفعل الثوري الذي يدل على الوعي الخارق والثقافة الوطنية الخلاقة مع التخلف والجهل والانحطاط الفكري والثقافي لدى الأمة العربية اللهم إلا من نخبةٍ مثقفةٍ واعيةٍ قليلة العدد بحيث لا تكاد تُذكر .
ـ إن أميركا هي من اخترع الانترنت والفيسبوك، وبالتالي إن كانت تريد المحافظة على الأنظمة العربية التي تدور في فلكها فكيف تسمح (للشباب) باستعممال هذه المواقع للإطاحة بأزلامها ورجالاتها، إذ ما عليها سوى تقييد حركة المتعاملين المتواصلين من (الثوار) عبر هذه المواقع أو حتى إغلاقها إن لزم الأمر فالأمن القومي الأمريكي أهم من الربح المادي للفيسبوك وتويتر ،
ـ إذا كانت الشعوب العربية وخلال أقل من شهر تستطيع الإطاحة بأكبر الأنظمة في المنطقة ، فأين كانت هذه الشعوب ولماذا لم تضغط ولو ضغطاً بسيطاً لتغيير المواقف لدى الأنظمة فقط إزاء ما كان يجري من مذابح للفلسطينيين على أيدي القوات الصهيونية في الانتفاضتين ؟؟؟
ـ ما معنى أن يظهر فجأةً في أفق الثورة المصرية صلبان الأقباط وتحويل مشكلةٍ عائليةٍ إلى أزمة هوية، ومعضلةٍ دينية ؟؟
أمام كل هذا، نعلم أن الثورة أميركية ,, بملامح عربية ، وتنفيذٍ عربي، ولكن علينا إن كنا على قدر المسؤولية الوطنية، والوعي الثوري، أن نستثمر ثوراتنا ونحرف مسارها الحالي عن الأمركة نحو التعريب وصقلها بأدواتٍ نضالية حقيقية تسقط من حساباتها كل المخططين لمستقبل (الشرق الأوسط الجديد) من خلال (الفوضى الخلاقة) التي رسمتها الولايات المتحدة قبل عشرين عاماً وبدأ تنفيذها الآن .